الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيدرة، فتلافاه الحافظ وجعله ولىّ عهده من بعده. وتمكّن حسن من الدّولة والتصرف فيها بحسب رأيه، ولم يبق للحافظ معه حكم «1» .
[89] ذكر مقتل حسن بن الحافظ
كان مقتله فى يوم الثّلاثاء الثّالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وخمسمائة وذلك أنه لمّا استقر فى ولاية العهد والوزارة والتدبير واستبدّ بالأمر، قبض على جماعة من الأمراء وقتلهم، بسبب قيامهم مع أحمد بن الأفضل، وأقام غيرهم؛ فخافه من بقى من الأمراء العتق، وأجمعوا على خلع أبيه من الخلافة وولده حسن من الوزارة فاجتمعوا بين القصرين، وراسلوا الحافظ، وأعلموه بما أجمعوا عليه، فاستعطفهم الحافظ واعتذر إليهم؛ وهرب حسن إلى أبيه، فقبض عليه وقيّده، وذكر ذلك للأمراء، فقالوا: لا بدّ من قتله، فسقاه أبوه سمّا فمات، وجعله على سرير، وأمر الأمراء بمشاههدته، فدخلوا عليه وورأوه فسكتوا. وقيل إن قيام الأمراء «2» كان بتدبير الحافظ.
ذكر وزارة بهرام الأرمنى
وفى يوم الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة، وقيل لإحدى عشرة ليلة خلت منه، استوزر الحافظ بهرام الأرمنى النّصرانى، ونعته بسيف الإسلام تاج الملوك «3» وكان بهرام المذكور قد وصل إلى الدّيار المصريّة
واجتمع بالحافظ، فرأى منه عقلا وافرا وإقداما فى الحرب وحسن تدبير «1» .
وكان سبب وصوله من بلاده أنّ القائم بأمر الأرمن مات، وكان بهرام أحقّ بمكانه من غيره فعدل الأرمن عنه وولّوا غيره، فغضب لذلك وخرج من تلّ باشر «2» وقدم مصر؛ فعيّنه الحافظ للوزارة. واستشار بعض أهله وأكابر دولته فيه، فكلّهم كره ذلك وأشار عليه ألا يفعل، وقالوا:
إنّه نصرانى لا يرضاه المسلمون، وإنّ من شروط الوزارة أنّ الوزير يرقى المنبر مع الإمام فى الأعياد ليزرّ عليه المزرة الحاجزة بينه وبين الناس؛ وأنّ القضاة هم نواب الوزراء، من زمن أمير الجيوش. بدر الجمالى، ويذكرون فى النّيابة عنهم فى الكتب الحكمية النّافذة عنهم إلى الآفاق وكتب الأنكحة. فقال الحافظ: إذا رضيناه نحن فمن يخالفنا، وهو وزير السيف؟ وأمّا صعود المنبر فيستنيب عنه فيه قاضى القضاة، وأمّا ذكره فى الكتب الحكميّة فلا حاجة إلى ذلك. واستوزر والنّاس ينكرون ذلك عليه «3» .
وقال بعض المؤرخين: إن بهرام كان والى الغربيّة يومئذ وإنّه سار منها مجدّا إلى أن وصل إلى القاهرة وحاصرها يوما واحدا ودخلها. فلمّا ولى الوزارة وثبتت بها قدمه سأل الحافظ أن يسمح له بإحضار إخوته وأهله، فأذن له فى ذلك. فأرسل إليهم وأحضرهم من تلّ باشر، فتواصلوا حتى كمل منهم ومن غيرهم من الأرمن تقدير ثلاثين ألف إنسان؛ فاستطالوا على المسلمين. وبنيت فى أيّامه كنائس كثيرة وديرة
حتى إن كل رئيس من أهله بنى له كنيسة؛ وخاف أهل مصر منهم أن يغيّروا الملّة الإسلاميّة. وكثرت الشّكايات فيه. وكان أخوه المعروف بالباساك، وإليه تنسب المنية «1» التى بالقرب من إطفيح «2» ، قد ولى الأعمال القوصيّة فجار فيها جورا عظيما واستباح الأموال، فعظم ذلك على النّاس.
ذكر خروج بهرام «3» من الوزارة ووزارة رضوان ابن الولخشى
قال: ولما ثقلت وطأة بهرام على النّاس اجتمع الأمراء وكاتبوا رضوان بن الولخشى، وذلك فى صفر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وكان يومئذ متولى الغربيّة ولاه بهرام إيّاها إبعادا له، فلمّا أتته كتب الأمراء نهض فى طلب الوزارة، ورقى المنبر، وخطب خطبة بليغة حرّض النّاس فيها على الجهاد. فأجابوه. وحشد العربان وقدم إلى القاهرة. وكان الأمراء قد كاتبوه وقالوا: إذا وقع الوجه فى الوجه ارفع المصاحف على الرّماح فإنّا ننحاز إليك؛ ففعل ذلك. وخرج بهرام إليه لمّا قرب من القاهرة؛ فلمّا عاين الأمراء [90] والجند المصاحف التحقوا جميعهم برضوان، وبقى بهرام فى الأرمن خاصّة. فراسل الحافظ وقال: أنا ألقاهم بمن معى. فخاف الحافظ عاقبة ذلك، فأمره أن يتوجّه إلى قوص ويقيم عند أخيه الباساك إلى حين يدبّر أمرا. فعاد بهرام إلى القاهرة،
وأخذ ما خفّ حمله، وخرج من باب البرقيّة فى حادى عشر جمادى الأولى؛ وتوجّه إلى الأعمال القوصيّة.
قال: ولما انفصل عن القاهرة أتت العوامّ منازل الأرمن، وكانوا قد نزلوا الحسينيّة «1» وعمروها دورا. ولمّا اتصل بأهل قوص انهزام بهرام ثاروا بأخيه الباساك وقتلوه ومثّلوا به، وربطوا فى رجله كلبا ميّتا، ورموه على مزبلة. فقدم بهرام بعد ذلك بيومين، ومعه طائفة من أقاربه، فرأى الباساك على هذه الحال، فقتل جماعة من أهل قوص بالسّيف ونهبها وسار إلى أسوان. ثمّ رجع ونزل بالدّيرة البيض «2» ، وهى من أعمال أخميم بالجانب الغربى.
قال: ولمّا فارق بهرام القاهرة دخلها رضوان ووقف بين القصرين، واستأذن الحافظ فيما يفعله؛ فأمره بالنّزول بدار الوزارة، فنزلها، وخلع عليه خلع الوزارة، ونعته بالأفضل. وندب رضوان جماعة من العسكر مع أخيه ناصر الدّين، فتوجّهوا إلى بهرام، فاستقرّ الأمر بينهم أن يقيم بالدّيرة البيض؛ وعاد الجند الّذين مع بهرام إلى مصر.
ودبر رضوان الأمر أحسن تدبير، وصادر جماعة من أصحاب بهرام وشدّد عليهم الطّلب، وقتلهم بالسيف.
وفى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة أحضرت «3» من تنّيس امرأة بغير يدين، وموضع يديها مثل الحلمتين، فجىء بها إلى مجلس الوزارة بين يدى رضوان، فعرّفته أنّها تعمل برجليها ما يعمله الناس باليدين من خطّ ورقم وغير ذلك. فأحضر لها دواة، فتناولت الأقلام