الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعل الإله لكلّ قوم سادة
…
وبنو المدبّر سادة الكتّاب
وفى سنة أربع وخمسين وأربعمائة فى المحرم توفّى الوزير أبو محمد عبد الكريم، فردّت الوزارة إلى أخيه أبى على أحمد «1» بن عبد الحاكم، وكان يلى قضاء القضاة؛ وصرف عن الحكم فى صفر، ثم صرف عن الوزارة، وقيل إنه صرف عنها بعد سبعة عشر يوما من ولايته. وأعيد البابلى مرة ثالثة فى شهر ربيع الأول من السنة، واستعفى بعد خمسة أشهر، فاستوزر المستنصر سديد الدّولة أبا عبد الله الحسين «2» بن على الماسكى، وكان يلى نظر الدّواوين بدمشق، ثم صرف فى شوال وأعيد البابلىّ.
ذكر الفتنة الواقعة التى أوجبت خراب الديار المصرية
كان ابتداء هذه الفتنة فى سنة أربع وخمسين وأربعمائة. وسببها أنّ المستنصر بالله كان فى كلّ سنة يركب على النّجب ومعه النّساء والخمر «3» إلى المكان المعروف بجبّ عميرة «4» ، وهو موضع نزهة. ويذكر أنّه خرج يريد
الحجّ، على سبيل الاستهزاء والتهكّم، ومعه الخمر فى الرّوايا بدلا عن الماء، يسقيه للنّاس كما يسقى الماء فى طريق مكّة [67] ، شرّفها الله تعالى. فلمّا كان فى هذه السّنة خرج على عادته فى جمادى الآخرة؛ فاتّفق أن بعض الأتراك جرّد سيفا على سكر منه على بعض عبيد الشّراء، فاجتمع عليه طائفة من العبيد وقتلوه، فجاء الاتراك إلى المستنصر وقالوا: إن كان هذا عن رضاك فالسّمع والطاعة، وإنّ كان عن غير رضاك فلا نصبر عليه. فأنكر المستنصر ذلك؛ فاجتمع جماعة من الأتراك وقتلوا جماعة من العبيد بعد قتال شديد على كوم شريك «1» . وكانت والدة المستنصر تعين العبيد بالأموال والسّلاح، فاطّلع بعض الأتراك على ذلك، فجمع طائفة كثيرة من الأتراك ودخل على المستنصر بهم، وأغلظوا له فى الكلام؛ فحلف أنّه لم يكن عنده علم من ذلك. ودخل على والدته وأنكر عليها؛ وصار السّيف بين الطّائفتين. ثمّ سعى أبو الفرج بن المغربى، الّذى كان يلى الوزارة، وجماعة معه، فى الصّلح بين الطّائفتين، فاصطلحوا؛ ولم تصف طائفة منهم للأخرى.
ثمّ اجتمع العبيد وخرجوا إلى شبرا دمنهور «2» فى جمع كثير.
وكان سبب كسرتهم أنّ والدة المستنصر لمّا قتل سيدها ووزيرها أبو سعيد التّسترى اليهودىّ غضبت لقتله، وشرعت فى شراء العبيد السّودان واستكثرت منهم، وجعلتهم طائفة لها؛ فاشتدّ أمرهم إلى أن صار العبد منهم يحكم
حكم الولاة. فلمّا ولى أبو البركات بن الجرجرائى أمرته أن يغرى العبيد بالأتراك، فخاف العاقبة فلم يفعل؛ فصرفته وولّت وزيرها اليازورى وأمرته بذلك، فلم يقبل منها، ودبّر الأمر وساسه إلى أن قتل. ووزر البابلىّ فأمرته بذلك، ففعل، ووقع بين الطائفتين.
قال: فلمّا خرج العبيد إلى شبرا دمنهور قويت شوكة الأتراك وطلبوا الزّيادات فى أرزاقهم إلى أن خلت الخزائن من الأموال وضعفت الدّولة، والعبيد على حال من الضرورة وهم يتزايدون عدّة، فتكامل منهم ما بين فارس وراجل خمسون ألفا.
فبعثت والدة المستنصر لقوّاد العبيد، فى سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وأغرتهم بالأتراك؛ فاجتمعوا ووصلوا إلى الجيزة، فخرج الأتراك لقتالهم، والمقدّم عليهم ناصر الدّولة الحسن «1» بن حمدان، فلقيهم فكسره العبيد ونهبوا عسكره، واشتغلوا بالنّهب، فعطف عليهم ابن حمدان وهزمهم إلى الصّعيد، وعاد إلى القاهرة وقد قويت شوكته.
ثمّ تجمّع العبيد فى الصّعيد فى خمسة عشر ألف فارس وراجل، فقلق الأتراك لذلك قلقا شديدا، وحضر المقدّمون إلى المستنصر ليشكوا ذلك إليه، فأمرت والدته من عندها من العبيد والخدم بالهجوم عليهم «2» وقتل الأتراك، ففعلوا ذلك. وسمع ناصر الدّولة ابن حمدان بالخبر، فركب إلى ظاهر القاهرة واجتمع إليه من بقى من الأتراك ووقعت الحرب بينهم وبين العبيد المقيمين بمصر والقاهرة، ودامت بين الفريقين أيّاما. فانتصر ناصر