الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا في الْأَصْنَافِ كُلِّها. فَإنِ اقْتَصَرَ عَلَى إنْسَانٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ. وَعَنْهُ، لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا ثَلَاثَة مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، إِلَّا الْعَامِلَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ وَاحِدًا.
ــ
يَجُوزُ الدَّفْعُ إليه، في أحدِ الوَجْهَيْن؛ لأنَّ رُجُوعَه، ليس بمَعْصِيَةٍ، أشْبَهَ غيرَه، بل ربَّما كان رُجوعُه إلى بَلَدِه تَرْكًا للمَعْصِيَةِ، وإقْلاعًا عنها، كالعَاقِّ يُرِيدُ الرُّجوعَ إلى أَبَوَيْه. والوجْهُ الثانى، لا يُدْفَعُ إليه، لأنَّ سبَبَ ذلك المَعْصِيَةُ، أشْبَهَ الغارِمَ في المَعْصِيَةِ.
1018 - مسألة: (ويُسْتَحَبُّ صَرْفُها في الأصْنافِ كلِّها. فإنِ اقْتَصَرَ على إنسانٍ واحِدٍ أجْزَأه. وعنه، لَا يُجْزِئُه إلَّا ثَلاثَةٌ مِن كلِّ صِنْفٍ، إلَّا العامِلَ، فإنَّه يَجُوزُ أنْ يَكُونَ واحِدًا)
يُسْتَحَبُّ. صَرْفُ الزَّكاةِ إلى جَمِيعِ الأصْنافِ، أو إلى مَن أمْكَنَ منهم، لأنَّه يَخْرُجُ بذلك مِن الخِلَافِ، ويَحْصُلُ الإِجْزاءُ يَقِينًا. فإنِ اقْتَصَرَ على إنْسانٍ واحِدٍ أجْزَأه. وهذا قولُ عُمَرَ، وحُذَيْفَةَ، وابنِ عَبَّاسٍ. وبه قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والحسنُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعَطَاءٌ. وإليه ذَهَب الثَّوْرِىُّ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصحابُ الرَّأْى. ورُوِىَ عن النَّخَعِىِّ: إن كان المالُ كَثِيرًا يَحْتَمِلُ الأصْنافَ قَسَمَه عليهم، وإن كان قَلِيلًا، جاز وَضْعُه في صِنْفٍ وَاحِدٍ. وقال مالكٌ: يَتَحَرَّى مَوْضِعَ الحاجَةِ منهم، ويُقَدِّمُ الأُوْلَى فالأَوْلَى. وقال عِكْرِمَةُ، والشافعىُّ: يَجِبُ أن يَقْسِمَ زَكاةَ كلِّ صِنْفٍ مِن مالِه على المَوْجُودِين مِن الأصْنافِ السِّتَّةِ الذين سُهْمانُهم ثابِتَةٌ، قِسْمَةً على السَّواءِ، ثمِ حِصَّةَ كُلِّ صِنْفٍ منهم، لا تُصْرَف إلى أقَلَّ من ثَلاثَةٍ [إنْ وَجَد منهم ثَلاثَةً](1) أو أكْثَرَ، فإن لم يَجِدْ إلَّا واحدًا صَرَف حِصَّةَ ذلك الصِّنْفِ إليه. وروَى الأثْرَمُ ذَلك عن أحمدَ. اخْتارَه أبو بكرٍ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَل الصَّدَقَةَ لِجَميعِهم، وشَرَّكَ بينَهم فيها، فلم يَجُزْ الاقْتِصارُ على بَعْضِهم، كأهْلِ الخُمْسِ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (2). وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم لمُعَاذٍ حينَ بَعَثَه إلى اليَمَنِ: «أعْلِمْهُمْ أنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ في فُقَرَائِهِمْ» . مُتَّفَقٌ عليه (3).
(1) سقط من: م.
(2)
سورة البقرة 271.
(3)
تقدم تخريجه في 2/ 99، 6/ 292.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يَذْكُرْ في الآيَةِ والخَبَرِ إلَّا صِنْفًا واحِدًا. وأمَر بَنِى زُرَيقٍ بدَفْعِ صَدَقَتِهم إلى سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ (1). وقال لقَبِيصَةَ: «أقِمْ يا قَبِيصَةُ، حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فنَأْمُرَ لَكَ بِهَا» (2). ولو وَجَب صَرْفُها إلى جَمِيعِ الأصْنافِ لم يَجُزْ صَرْفُها إلى واحِدٍ، ولأنَّه لا يَجِبُ صَرْفُها إلى جَمِيعِ الأصْنافِ إذا فَرَّقَها السّاعِى، فكذلك المالِكُ، ولأنَّه لا يَجِبُ عليهم تَعْمِيمُ أهْلِ كلِّ صِنْفٍ بها، فجاز الاقْتِصارُ على واحِدٍ، كما لو وَصَّى لجَماعَةٍ لا يُمْكِنُ حَصْرُهم. ويُخَرَّجُ على هذَيْن المَعْنَيَيْنِ الخُمْسُ، فإنَّه يَجِبُ على الإِمامِ تَفْرِيقُه على جَمِيعِ مُسْتَحِقِّيه، بخِلافِ الزَّكاةِ. وهذا الَّذى اختَرْناه هو الَّلائِقُ بحِكْمَةِ الشَّرْعِ وحُسْنِه، إذ غيرُ جائِزٍ أن يُكَلِّفَ اللَّهُ سبحانه وتعالى
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في الظهار، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 513. والترمذى، في: باب ما جاء في كفارة الظهار، من أبواب الطلاق، مختصرا، وفى: باب من سورة المجادلة، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 5/ 178، 179، 12/ 185، 186. وابن ماجه، في: باب الظهار، ومختصرًا في: باب المظاهر يجامع قبل أن يكفر، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 665، 666. والدارمى، في: باب في الظهار، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى 2/ 163، 164. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 37. ومختصرا في 5/ 436.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 219.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَن وجَبَتْ عليه شاةٌ أو صاعٌ مِن البُرِّ، أو نِصْفُ مِثْقالٍ، دَفْعَه إلى ثَمانِيَةَ عَشَرَ نَفْسًا، أو إحدى وعِشْرِين نَفْسًا، أو أرْبَعَةٍ وعِشْرِين، مِن ثَمانِيَةِ. أصْنافٍ، لكلِّ ثَلَاثَةٍ منهم ثُمُنُها، الغالِبُ تَعَذُّرُ وُجُودِهم في الإِقْليمِ العظيمِ، فكيف يُكَلِّفُ اللَّهُ تعالى كلَّ مَن وجَبَتْ عليه زَكاةٌ جَمْعَهم وإعْطاءَهم، وهو سبحانه القائلُ:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1). وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2). وأظُنُّ مَن قال بوُجُوبِ دَفْعِها على هذا الوَجْهِ إنَّما يقولُه بلِسانِه، ولا يَفْعَلُه، ولا يَقْدِرُ على فِعْلِه، وما بَلَغَنَا أنَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَل هذا في صَدَقَةٍ مِن الصَّدَقاتِ، ولا أحَدٌ مِن خُلَفَائِه، ولا مِن صَحَابَتِه، ولا غيرِهم، ولو كان هذا هو الواجِبَ في الشَّرِيعَةِ المُطَهَرَةِ لَما أغْفَلُوه، ولو فَعَلُوه مع مَشَقَّتِه لنُقِلَ ولَما أُهْمِلَ، إذ لا يَجُوزُ على أهْلِ التَّوَاتُرِ إهْمالُ نَقْلِ ما تَدْعُو الحاجَةُ إلى نَقْلِه، [سِيَّما مع كَثْرَةِ](3) مَن تَجِبُ عليهم الزكاةُ، ووُجُودِ ذلك في كلِّ زَمانٍ، في كلِّ مِصْرٍ (4) وبَلَدٍ، وهذا أمْرٌ ظاهِرٌ، إن شاءَ اللَّهُ تعالى، والآيَةُ إنَّما سِيقَتْ لبَيانِ مَن يَجُوزُ الصَّرْفُ إليه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا لإِيجابِ الصَّرْفِ إلى الجَمِيعِ؛ بدَلِيلِ أنَّه لا يَجِبُ تَعْمِيمُ كلِّ صِنْفٍ بها، فأمَّا العامِلُ، فإنَّه يَجُوزُ أن يكونَ واحِدًا؛ لأنَّه إنَّما يَأخُذُ أجْرَ عَمَلِه، فلم تَجُزِ الزِّيادَةُ عليه مع الغَناءِ عنه، ولأنَّ الرجلَ إذا تَوَلَّى إخْراجَها بنَفْسِه سَقَط سَهْمُ العامِلِ لعَدَمِ الحاجَةِ إليه، فإذا جاز تَرْكُهم بالكُلِّيَّةِ، جاز الاقْتِصَارُ على بَعْضِهم بطرَيقِ الأُوْلَى.
فصل: وقد ذَكَرْنا أنَّه يُسْتَحَبُّ تَفْرِيقُها على مَن أمْكَنَ مِن الأصْنافِ، وتَعْمِيمُهم بها. فإن كان المُتَوَلِّى لتَفْرِيقِها السّاعِىَ، اسْتُحِبَّ إحْصاءُ أهْلِ السُّهْمَانِ مِن عَمَلِه، حتى يكونَ فَراغُه مِن قَبْضِ الصَّدَقاتِ بعدَ تَناهِى أسْمائِهم وأنْسابِهم وحاجاتِهم وقَدْرِ كِفاياتِهم؛ ليكونَ تَفْرِيقُه عَقِيبَ جَمْعِ الصَّدَقَةِ. ويَبْدَا بإعْطاءِ العامِلِ؛ لأنَّه يَأْخُذُ على وَجْهِ المُعاوَضَةِ،