الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتهِ، فَلَيْسَ بِغَنِىٍّ وَإنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ.
ــ
991 - مسألة: (ومَن مَلَك مِن غيرِ الأثْمانِ ما لا يَقُومُ بكِفايَتِه، فليسَ بغَنِىٍّ وإن كَثُرَتْ قِيمَتُه)
وجُمْلَةُ ذلك، أنه إذا مَلَك ما لا يَتِمُّ به كِفايَتُه مِن غيرِ الأثْمانِ، فإن كان ممّا لا تَجِبُ فيه الزكاةُ، كالعَقارِ ونَحْوِه، لم يكنْ ذلك مانِعًا مِن أَخْذِها (1). نَصَّ عليه أحمدُ، فقال، في رِوايَةِ محمدِ بنِ الحَكَمِ: إذا كان له عَقارٌ يَسْتَغِلُّه، أو ضَيْعَةٌ تُساوِى عَشَرَةَ آلافٍ أو أقَلَّ أو أكْثَرَ لا تُقِيمُه، يَأْخُذُ مِن الزَّكاةِ. وهذا قَوْلُ الثَّوْرِىِّ، والنَّخَعِىِّ، والشافعىِّ، وأصحابِ الرَّأْى، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّه فَقِيرٌ مُحْتاجٌ، فيَدْخُلُ في عُمُومِ الآيةِ. فأمّا إن مَلَك نِصابًا زَكَوِيًّا لا تَتِمُّ به الكِفايَةُ، كالمَواشِى والحُبُوبِ، فله الأخْذُ مِن الزَّكاةِ. قال المَيْمُونِىُّ: ذاكَرْتُ أحمدَ، فقلتُ: قد يكونُ للرجلِ الإِبِلُ والغَنَمُ تَجِبُ فيها الزكاةُ وهو فَقِيرٌ، ويكونُ له أرْبَعُون شاةً، ويكونُ له الضَّيْعَةُ لا تَكْفِيه، يُعْطَى مِن الصَّدَقَةِ؟ قال: نعم. وذَكَر قَوْلَ عُمَرَ: أعْطُوهم، وإن راحَتْ عليهم مِن الإِبِلِ كذا وكذا (2). قلتُ: فلهذا قَدْرٌ مِن العَدَدِ أو الوَقْتِ؟ قال:
(1) في الأصل: «أخذهما» .
(2)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب من قال ترد الصدقة في الفقراء إذا أخذت من الأغنياء، من كتاب الزكاة. المصنف 3/ 205.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم أسْمَعْه. وهذا قَوْلُ الشافعىِّ. وقال أصحابُ الرَّأْى: ليس له أن يَأْخُذَ منها؛ لأنَّه تَجبُ عليه الزكاةُ، فلم تَجِبْ له؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، لمُعاذٍ:«أعْلِمْهُمْ أنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِم، فَتُرَدُّ فِى فُقَرَائِهِمْ» (1). فجعلَ الأغْنِياءَ مَن تَجِبُ عليهم الزكاةُ. وإذا كان غَنِيًّا لم يكنْ له الأخْذُ مِن الزَّكاةِ، للخَبَرِ. ولَنا، أنَّه لا يَمْلِكُ ما يُغْنِيه، ولا يَقْدِرُ على كَسْبِ ما يَكْفِيه، فجازَ له الأخْذُ مِن الزَّكاةِ، كما لو كان ما يَمْلِكُه لا تَجِبُ فيه الزكاةُ، ولأنَّه فَقِيرٌ فجازَ له الأخْذُ؛ لأنَّ الفَقْرَ عِبارَةٌ عن الحاجَةِ، قال اللَّهُ تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} (2). [أى: مُحْتاجُونَ](3) وقال الشاعِرُ:
* وإنِّى إلَى مَعْرُوفِها لفَقِيرُ * (4)
أى: مُحْتاجٌ. وهذا مُحْتاج، فيكونُ فَقِيرًا غيرَ غَنِىٍّ، ولأنَّه لو كان ما يَمْلِكُه لا زَكاةَ فيه لكانَ فَقِيرًا، ولا فَرْقَ في دَفْع الحاجَةِ بينَ المالَين، فأمّا الخَبَرُ فيَجُوزُ أن يكونَ الغِنَى المُوجِبُ للزكاةِ غيرَ الغِنَى المانِع منها؛ لِما ذَكَرْنا مِن المَعْنَى، فيكونُ المانِعُ منها وُجُودَ الكِفالَةِ، والمُوجِبُ لها
(1) تقدم تخريجه في 2/ 99، 6/ 291.
(2)
سورة فاطر 15.
(3)
سقط من: م.
(4)
عجز بيت للأحوص، صدره:
* لقد منَعَتْ معروفَها أُمُّ جعفرٍ *
شعر الأحوص الأنصارى 125.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِلْكَ النِّصابِ، جَمْعًا بينَ الأدِلَّةِ.
فصل: فإن مَلَك مِن (1) غيرِ الأثْمانِ ما يَقُومُ بكِفايَتِه، كمَن له مَكْسَبٌ يَكْفِيه، أو أُجْرَةُ عَقَارٍ أو غيرِه، فليس له الأخْذُ مِن الزَّكاةِ. وهذا قَوْلُ الشافعىِّ وإسحاقَ، وأبى عُبَيْدٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ، وأصحابُه: إن كان المالُ ممّا لا تَجِبُ فيه الزكاةُ، جاز الدَّفْعُ إليه. إلَّا أنَّ أبا يُوسُفَ قال: إن دَفَع إليه الزَّكاةَ فهو قَبِيحٌ، وأرْجُو أن يُجْزِئَه، لأنَّه ليس بغَنِىٍّ؛ لِما ذَكَرْنا لهم في المَسْألَةِ قبلَها. ولَنا، ما روَى الإِمامُ أحمدُ (2)، ثنا يحيى بنُ سَعِيدٍ، عن هِشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عبدِ اللَّه بِنِ عَدِىِّ بنِ الخِيارِ، عن رَجُلَيْن مِن أَصحابِ النبىِّ، صلى الله عليه وسلم، أنَّهما أتَيا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فسَأَلاه الصَّدَقَةَ، فصَعَّدَ فيهما النَّظَرَ، فَرَآهما جَلْدَيْن، فقال:«إنْ شِئْتُمَا أعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِىٍّ، وَلَا لِقَوِىٍّ مُكْتَسِبٍ» . قال أحمدُ: ما أجْوَدَه مِن حديثٍ. وقال: هو أحْسَنُها إسْنادًا. ولأنَّ له ما يُغْنِيه عن الزَّكاةِ، فلم يَجُزِ الدَّفْعُ إليه، كمالِكِ النِّصابِ.
(1) سقط من: م.
(2)
في: المسند 4/ 224، 5/ 362. كما أخرجه أبو داود، في: باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 379. والنسائى، في: باب مسألة القوى المكتسب، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 75.