الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعِنْدَ أَبِى الْخَطَّابِ، دَفْعُهَا إلَى الإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ.
ــ
في أهلِ الحاجَةِ. وقال إبراهيمُ: ضَعُوها في مَواضِعِها، فإن أَخَذَها السُّلْطانُ أجْزَأك. وقال: ثنا سعيدٌ، ثنا أبو عَوانَةَ، عن مُهاجِرٍ أبى الحسنِ، قال: أَتَيْتُ أَبا وائِلٍ، وأبا بُرْدَةَ بالزكاةِ وهما على بَيْتِ المالِ فأخَذاها، ثم جِئْت مَرَّةً أُخْرَى فرَأْيتُ أَبا وائِلٍ وحْدَه، فقال لى: رُدَّها فضَعْها مَواضِعَها. وقد رُوِى عن أحمدَ، أنَّه قال: أمّا صَدَقَةُ الأرْضِ فيُعْجِبُنِى دَفْعُها إلى السُّلْطانِ. وأمّا زكاةُ الأمْوالِ كالمَواشِى، فلا بَأْسَ أن يَضَعَها في الفُقَراءِ والمَساكِينِ. فظاهِرُ هذا أنَّه اسْتَحَبَّ دَفْعَ العُشْرِ خَاصَّةً إلى الأئِمَّةِ؛ وذلك لأنَّ العُشْرَ قد ذَهَب قَوْمٌ إلى أنَّه مُؤْنَةُ الأرْضِ يَتَوَلَّاه الأئِمَّةُ، كالخَراجِ، بخِلافِ سائِرِ الزكاةِ. قال شيخُنا (1): والذى رَأَيْتُ في «الجامِعِ» قال: أمّا صَدَقَةُ الفِطْرِ فَيُعْجِبُنى دَفْعُها إلى السُّلْطانِ. ثم قال أبو عبدِ اللَّهِ: قِيلَ لابنِ عُمَرَ: إنَّهم يُقَلِّدُون بها الكِلابَ، ويَشْرَبُون بها الخُمُورَ؟ قال: ادْفَعْها إليهم.
974 - مسألة: (وعند أبى الخَطّابِ، دَفْعُها إلى الإِمامِ العادِلِ أفْضَلُ)
اخْتارَه ابنُ أبى موسى. وهو قولُ أصحابِ الشافعىِّ.
(1) في: المغنى 4/ 92.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومِمَّن قال: يَدْفَعُها إلى الإِمامِ؛ الشَّعْبِىُّ، ومحمدُ بنُ علىٍّ (1)، والأوْزاعِىُّ؛ لأنَّ الإِمامَ أعْلَمُ بمَصارِفِها، ودَفْعُها إليه يُبَرِّئُه ظاهِرًا وباطِنًا، ودَفْعُها إلى الفَقِيرِ لا يُبَرِّئُه باطِنًا، لاحْتِمالِ أن يكونَ غيرَ مُسْتَحِقٍّ لها، ولأنَّه يَخرُجُ مِن الخِلافِ، وتَزُولُ عنه التُّهْمَةُ. وكان ابنُ عُمَرَ يَدْفَعُ زَكاتَه إلى مَن جاءَه مِن سُعاةِ ابنِ الزُّبَيْرِ، أو نَجْدَةَ الحَرُورِىِّ (2). وقد رُوِى عن سُهَيْلِ بنِ أبى صالِحٍ [عن أبيه](3)، قال: أَتَيْتُ سعدَ بنَ أبى وقَّاصٍ، فقلتُ: عندِى مالٌ، وأُرِيدُ أن أُخْرِجَ زَكاتَه، وهؤلاءِ القَوْمُ على ما تَرَى، فما تَأْمُرُنِى؟ قال: ادْفَعْها إليهم. فأتَيْتُ ابنَ عُمَرَ، فقال مثلَ ذلك، فأتَيْتُ أَبا هُرَيْرَةَ، فقال مثلَ ذلك، فأتَيْتُ أَبا سَعِيدٍ، فقال مثلَ ذلك (4). ورُوِىَ نحوُه عن عائِشَةَ، رضي الله عنهم (5). وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ: لا يُفرِّقُ الأمْوالَ الظّاهِرَةَ إلَّا الإِمامُ؛ لقَوْل اللَّهِ تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} . ولأَنَّ أَبا بكر رَضِىَ اللَّهُ عنه،
(1) محمد بن على بن الحسين الهاشمى، الباقر، أبو جعفر. تابعى ثقة كثير الحديث، وذكره النسائى في فقهاء أهل المدينة. توفى سنة بضع عشرة ومائة. تهذيب التهذيب 10/ 350 - 352.
(2)
هو نجدة بن عامر، من بنى حنيفة، من كبار أصحاب الثورات في صدر الإسلام، والحرورى نسبة إلى حروراء، موضع قرب الكوفة كان أول اجتماع الخوارج به، وقد استولى نجدة على البحرين وما حولها وتسمى بأمير المؤمنين حتى قتل سنة تسع وستين. وذلك في أيام عبد اللَّه بن الزبير. الأعلام 8/ 324، 325.
(3)
سقط من: النسخ. والمثبت من مصادر التخرج.
(4)
أخرجه البيهقى، في: باب الاختيار في دفعها إلى الوالى، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 115.
(5)
أخرج أثر عائشة ابن أبى شيبة، في: باب من قال تدفع الزكاة إلى السلطان، من كتاب الزكاة. المصنف 3/ 157. وانظر مصنف عبد الرزاق 4/ 46.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طالَبَهم بالزكاةِ، وقاتَلَهم عليها، وقال: واللَّه لِو مَنَعُونِى عَناقًا كانوا يُؤَدُّونَها إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم لقاتَلْتُهم عليها (1). ووافَقَه الصحابةُ على هذا، ولأنَّ ما للإِمامِ قَبْضُه بحُكْمِ الوِلايةِ، لا يَجُوزُ دَفْعُه إلى المُوَلَّى عليه، كوَلِىِّ اليَتِيمِ. وللشافعىِّ قَوْلان كالمَذْهَبَيْن. ولَنا على جَوازِ دَفْعِها بنَفْسِه، أنَّه دَفَعَ الحَقَّ إلى مُسْتَحِقِّه الجائِزِ تَصَرُّفُه فأجْزَأه، كما لو دَفَع الدَّيْنَ إلى غَرِيمِه، وكزكاةِ الأَمْوال الباطِنَةِ، والآيَةُ تَدُلّ على أنَّ للإِمام أخذَها، ولا خِلافَ فيه، ومُطالَبَة أبى بكرٍ لهم بها لكَوْنِهم لم يُؤَدُّوها إلى أَهْلِها، ولو أدَّوْها إلى أهْلِها لم يُقاتِلْهم عليها؛ لأنَّ ذلك مُخْتَلَفٌ في إجْزائِه، ولا تَجُوزُ المُقاتَلَةُ مِن أجْلِه، وإنَّما يُطالِبُ الإِمامُ بحُكْمِ الوِلايَةِ والنِّيابَةِ عن مُسْتَحِقِّها، فإذا دَفَعَها إليهم جاز؛ لأنَّهم أهلُ رُشْدٍ، بخِلافِ اليَتِيمِ. وأمّا وَجْهُ فَضِيلَةِ دَفْعِها بنَفْسِه؛ فلأنَّه إيصالٌ للحَقِّ إلى مُسْتَحِقِّه، مع تَوْفِيرِ أجْرِ العِمالَةِ، وصِيانَةِ حَقِّهم عن خَطرَ الجِنايَةِ، ومُباشَرَةِ تَفْرِيجِ كُرْبَةِ مُسْتَحِقِّها، وإغْنائِه بها، مع إعْطائِها للأوْلَى بها، مِن مَحاوِيجِ أقارِبِه، وذوى رَحِمِه، وصِلَةِ رَحِمِه بها، فكان أفْضَلَ، كما لو لم يكنْ آخِذُها مِن أهلِ العَدْلِ. فإن قِيلَ: فالكَلامُ في الإِمامِ العادِلِ، والخِيانَةُ مَأْمُونَةٌ في حَقِّه. قُلْنا: الإِمامُ لا يَتَوَلَّى ذلك بنَفْسِه، وإنَّما يُفَوِّضُه إلى نُوَّابِه، فلا تُؤْمَنُ منهم
(1) تقدم تخريجه في 3/ 31.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخِيانَةُ، ثم رُبَّما لا يَصِلُ إلى المُسْتَحِقِّ الذى قد عَلِمَه المالِكُ مِن أهلِه وجيرانِه شئٌ منها، وهم أحَقُّ الناسِ بصِلَتِه وصَدَقَتِه ومُواساتِه. وقَوْلُهم: إنَّ أخْذَ الإِمامِ يُبَرِّئُه ظاهِرًا وباطِنًا. قُلْنا: يَبْطُلُ هذا بدَفْعِها إلى غيرِ العادِلِ، فإنَّه يَبْرأُ أَيضًا، وقد سَلَّمُوا أنَّه ليس بأفْضَلَ، ثم إنَّ البَراءَةَ الظّاهِرَةَ تَكْفِى. وقولُهم: إنَّه تَزُولُ به التُّهْمَةُ. قُلْنا: متى أظْهَرَها زالتِ التُّهْمَةُ، سَواءٌ أخْرَجَها بنَفْسِه، أو دَفَعَها إلى الإِمامِ، ولا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ أنَّ دَفْعَها إلى الإِمامِ جائِزٌ، سَواءٌ كان عادِلًا أو غيرَ عادلٍ، وسَواءٌ كانت مِن الأمْوالَ الظّاهِرَةِ أو الباطِنَةِ، ويَبْرأُ بدَفْعِها، سَواءٌ تَلِفَتْ في يَدِ الإِمامِ أو لا، أو صَرَفَها في مَصارِفِها أو لم يَصْرِفْها؛ لِما ذَكَرْنا عن الصحابةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، ولأنَّ الإِمامَ ناِئِبٌ عنهم شَرْعًا فبَرِئَ بدَفْعِها إليه، كوَلِىِّ اليَتِيمِ إِذا قَبَضَها له، ولا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ أَيضًا في أنَّ صاحِبَ المالِ يجوزُ أن يُفرِّقَها بنَفْسِه.
فصل: وإذا أخَذَ الخَوارِجُ والبُغاةُ الزكاةَ، أجْزَأتْ عن صاحِبها. حَكاه ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ، والشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ، في الخَوارِجِ، أنَّها تُجْزِئ. وكذلك كلُّ مَن أَخَذَها مِن السَّلاطِينِ، أجْزَأتْ عن صاحِبِها،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سَواءٌ عَدَل فيها أو جار، وسَواءٌ أَخَذَها قَهْرًا أو دَفَعَها إليه اخْتِيارًا؛ لِما ذَكَرْنا مِن حَدِيثِ أبى صالِحٍ. وقال إبراهيمُ: يُجْزِئُ عنك ما أخَذَ العَشَّارُون. وعن سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ، أنَّه دَفَع صَدَقَتَه إلى نَجْدَةَ (1). وعن ابنِ عُمَرَ، أنَّه سُئِل عن مُصَدِّقِ ابنِ الزُّبَيْرِ، ومُصَدِّقِ نَجْدَةَ، فقال: إلى أيِّهما دَفَعْتَ أجْزَأ عنك (2). وبهذا قال أصْحابُ الرَّأْى فيما غُلِبُوا عليه. وقالوا: إذا مَرَّ على الخَوارِجِ فعُشْرُه لا يُجْزِئُ عن زَكاتِه.
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: باب موضع الصدقة ودفع الصدقة في مواضعها، من كتاب الزكاة. المصنف 4/ 48. وذكره أبو عبيد، في: الأموال 574.
(2)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب في الواليين يريدان الصدقة من الرجل، من كتاب الزكاة. المصنف 3/ 223.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال أبو عُبَيْدٍ (1): على مَن أخَذَ الخَوارِجُ منه الزكاةَ الإِعادَةُ؛ لأنَّهم ليسوا بأئِمَّةٍ، أشْبَهُوا قُطّاعَ الطَّرِيقِ. ولَنا، قولُ الصحابةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، مِن غيرِ خِلافٍ في عَصْرِهم عَلِمْناه، فيكونُ إجْماعًا، ولأنَّه دَفَعَها إلى أهلِ الوِلاية، فأشْبَهَ دَفْعَها إلى أهلِ البَغْى.
(1) في: الأموال 575.