الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، لَزِمَهُ الشُّرُوعُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ إِلَى انْقِضَائِهِ،
ــ
رجلًا جاء إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، يومَ الفَتْحِ، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم في مَجْلِسٍ قَرِيبًا مِن المَقامِ، فسَلَّمَ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا نَبِىَّ اللهِ، إنِّى نَذَرْتُ إن فَتَح اللهُ للنبىِّ صلى الله عليه وسلم والمُؤْمِنِين مَكَّةَ، لأُصَلِّيَنَّ فِى بَيْتِ المَقْدِسِ، وإنِّى وَجَدْتُ رجلًا مِن أهلِ الشام ههُنا في قُرَيْشٍ، مُقْبِلًا مَعِى ومُدْبِرًا. فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«ههُنا فَصَلِّ» . فقال الرجلُ قَوْلَه هذا ثَلاثَ مَرّاتٍ، كلُّ ذلك يقُولُ النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«ههُنَا فَصَلِّ» . ثم قال الرّابِعَةَ مَقالَتَه هذه، فقال النبىُّ:«اذْهَبْ، فَصَلِّ فِيهِ، فَوَالَّذِى بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَوْ صَلَّيْتَ ههُنَا لَقَضَى عَنْكَ ذلِكَ كُلَّ صَلَاةٍ فِى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .
فصل: وإن نَذَر الاعْتِكافَ في غيرِ هذه المَساجِدِ، فدَخَلَ فيه، ثم انْهَدَم مُعْتَكَفُه، ولم يُمْكِنِ المُقامُ فيه، لَزِمَه إتْمامُ الاعْتِكافِ في غيرِه، ولم يَبْطُلِ اعْتِكافُه.
1118 - مسألة: (وإن نَذَر اعْتِكافَ شَهْرٍ بعَيْنهِ، لَزِمَه الشُّرُوعُ فيه قبلَ دُخُولِ لَيْلَتِه إلى انْقِضائِه)
إذَا عَيَّنَ بنَذْرِه زَمَنًا تَعَيَّنَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى عَيَّنَ للعِبادَةِ زَمَنًا، فَتَعَيَّنَ بتَعْيِينِ العَبْدِ، ويَلْزَمُه الشُّرُوعُ فيه قبلَ دُخُولِ لَيْلَتِه إلى انْقِضائِه. وهذا قَوْلُ مالكٍ، والشافعىِّ. وحَكَى ابنُ أبى مُوسَى، عن أحمدَ، رِوايَةً أُخْرَى، أنَّه يَدْخُلُ في مُعْتَكَفِه قبلَ طُلوعِ الفَجْرِ مِن أوَّلِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قَوْلُ اللَّيْثِ، وزُفَرَ؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أرادَ أن يَعْتَكِفَ صَلّى الصُّبْحَ، ثم دَخَل مُعْتَكَفَه. مُتَّفَقٌ عليه (1). ولأنَّ اللهَ تعالى قال:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . ولا يَلْزَمُ الصَّوْمُ إلَّا مِن قَبْلِ طُلُوعِ الفَجْرِ. ولأنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ في الاعْتِكافِ، فلم يَجِبِ ابْتِداؤُه قبلَ شَرْطِه. ولَنا، أنَّه نَذَر الشَّهْرَ، وأوَّلُه غُروبُ الشَّمْسِ؛ بدَلِيلِ حَلِّ الديونِ المُعَلَّقَةِ به، ووُقُوعِ الطَّلاقِ والعَتاقِ المُعَلَّقَيْن به، فوَجَبَ أن يَدْخُلَ قبلَ الغُرُوبِ، ليَسْتَوْفِىَ جميعَ الشَّهْرِ، فإنَّه لا يُمْكِنُ إلَّا بذلك، وما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلَّا به فهو واجِبٌ، كإمْساكِ جُزْءٍ مِن اللَّيْلِ في الصَّوْمِ. وأمّا الصَّوْمُ فمَحَلُّه النَّهارُ، فلا يَدْخُلُ فيه شَئٌ مِن اللَّيلِ في أثْنائِه، ولا ابْتِدائِه، إلَّا ما حَصَل ضَرُورَةً، بخِلافِ الاعْتِكافِ. وأمّا الحَدِيثُ، فقال ابنُ عبدِ البَرِّ: لا أعْلَمُ أحَدًا مِن الفُقَهاءِ قال به. على أنَّ الخَبَرَ إنَّما هو في التَّطَوُّعِ، فمتى شاء دَخَل (2)، وفى مَسْألَتِنا نَذَر شَهْرًا، فَيَلْزَمُه اعْتِكافُ شَهْرٍ كامِلٍ، ولا يَحْصُلُ إلَّا أن يَدْخُلَ فيه قبلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِن أوَّلِه، ويَخْرُجَ بعدَ غُرُوبِها مِن آخِرِه، فأشْبَهَ ما لو نَذَر اعْتِكافَ يومٍ، فإنَّه، يَلْزَمُه الدُّخُولُ فيه قبلَ طُلُوعِ فَجْرِه، ويخرُجُ بعدَ غُروبِ شَمْسِه. وقولُه:
(1) تقدم تخريجه في صفحة 564، 565، من حديث عائشة.
(2)
آخر الجزء الثانى من نسخة مكتبة محمد بن فيصل آل سعود المشار إليها بالرمز «ص» .
ومن هنا إلى أول كتاب المناسك لم يتيسر من النسخ الخطية ما يغطيها، ولذلك سنسترشد في تحقيق ما بقى من كتاب الاعتكاف بكتاب «المبدع شرح المقنع» لابن مفلح مع «المغنى» لابن قدامة. والله الموفق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنَّ الاعْتِكافَ لا يَصِحُّ بغيرِ صَوْمٍ. قد أَجَبْنا عنه فيما مَضَى.
فصل: وإن أحَبَّ اعْتِكافَ العَشْرِ الأواخِرِ تَطَوُّعًا، ففيه رِوايَتان؛ إحداهما، يَدْخُلُ قبلَ غُروبِ الشَّمْسِ مِن لَيْلَةِ إحْدَى وعِشْرِينَ؛ لِما رُوِىَ عن أبى سعيدٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوْسَطَ مِن رمضانَ، حتى إذا كان لَيْلَةُ إحْدَى وعِشْرِين، وهى اللَّيْلَةُ التى يَخْرُجُ مِن صَبِيحَتِها مِن اعْتِكافِه، قال:«مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ (1) معِى، فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأوَاخِرَ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ولأَنَّ العَشْرَ بغَيْرِ هاءٍ عَدَدُ اللَّيَالِى، فإنّها عَدَدُ المُؤَنَّثِ، قال اللهُ تعالى:{وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (3). وأولُ اللَّيالِى العَشْرِ لَيْلَةُ إحْدَى وعِشْرِينَ. والرِّوايَةُ الثّانِيَةُ، يَدْخُلُ بعد صَلاةِ الصُّبْحِ، قال حَنْبَلٌ، قال أحمدُ: أحَبُّ إلَىَّ أن يَدْخُلَ قبلَ اللَّيْلِ. ولكنْ حَدِيثُ عائِشَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّى الفَجْرَ، ثم يَدْخُلُ مُعْتَكَفَه. وبهذا قال الأوْزاعِىُّ، وإسحاقُ. ووَجْهُه ما رَوَتْ عَمْرَةُ، عن عائِشَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صَلَّى الصُّبْحَ دَخَل مُعْتَكَفَه. مُتَّفَقٌ عليه (4). وإن نَذَر اعْتِكافَ العَشْرِ، فَفى وَقتِ دُخُولِه الرِّوايَتان.
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 562.
(3)
سورة الفجر 2.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 564، 565 من حديث عائشة.