الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ. وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ. فَعَلَى هَذَا، لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَا بَعْضِ يَوْمٍ.
ــ
لأَعْمالِه الكثيرَةِ، وقد نُهِينا عن إضاعَةِ المالِ، وإبْطالِ الأعْمالِ، وليس في تَرْكِ الاعْتِكافِ بعدَ الشُّرُوعِ فيه مالٌ يَضِيعُ، ولا عَمَلٌ يَبْطُلُ، فإنَّ ما مَضَى مِن اعْتِكافِه لا يَبْطُلُ بتَرْكِ اعْتِكافِ المُسْتَقْبَلِ، ولأنَّ النُّسُكَ يَتَعَلَّقُ بالمَسْجِدِ الحَرامِ على الخُصُوصِ، والاعْتِكَافُ بخِلافِه.
1108 - مسألة: (ويَصِحُّ بغيرِ صومٍ. وعنه، لا يَصِحُّ. فعلى هذا، لا يَصِحُّ في ليلةٍ مُفْرَدَةٍ، ولا بعضِ يومٍ)
ظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّ الاعْتِكافَ يَصِحُّ بغيرِ صومٍ، يُرْوَى ذلك عن عليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وعُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، والحسنِ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، والشافعىِّ، وإسْحاقَ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الصومَ شَرْطٌ فيه، قال: إذا اعْتَكَفَ يَجِبُ عليه الصومُ. يُرْوَى ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، وعائِشَةَ. وبه قال الزُّهْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، ومالكٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، والحسنُ بنُ حَىٍّ (1)؛ لِما رُوِىَ عن عائشةَ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ» (2). وعن ابنِ عُمَرَ، أنَّ عُمَرَ جَعَل عليه أن يَعْتَكِفَ في الجاهِلِيَّةِ، فسَأَلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ:«اعْتَكِفْ، وصُمْ» . رَواه أبو داودَ (3). ولأَنَّه لُبْثٌ في مَكانٍ مَخْصُوصٍ، فلم يَكُنْ بمُجَرَّدِه قُرْبَةً، كالوُقُوفِ. ولَنا، ما رُوِىَ عن عُمَرَ، أنَّه قال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي نَذَرْتُ في الجاهِلِيَّةِ أن أعْتَكِفَ ليلةً في المَسْجِدِ الحَرامِ، فقالَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْفِ بِنَذْرِكَ» . رَواه البخارىُّ (4). ولو كان الصومُ شَرْطًا، لَمَا صَحَّ اعْتِكافُ
(1) هو الحسن بن صالح بن حى الهمدانى الكوفى، الفقيه العابد، قال ابن حبان: كان فقيها ورعا من المتقشفة وممن تجرد للعبادة ورفض الرياسة، على تشيع فيه. ولد سنة مائة، وتوفى سنة تسع وستين ومائة. تهذيب الكمال 7/ 361 - 371.
(2)
أخرجه الدارقطنى، في: باب الاعتكاف، من كتاب الصيام. سنن الدارقطني 2/ 200. وقال: تفرد به سويد عن سفيان بن حسين. وأخرجه البيهقى، في: باب المعتكف يصوم، من كتاب الصيام. السنن الكبرى 4/ 317. وقال: هذا وهم من سفيان بن حسين أو من سويد بن عبد العزيز، وسويد بن عبد العزيز ضعيف بمرة لا يقبل منه ما تفرد به.
(3)
في: باب المعتكف يعود المريض، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 576. وحكى البيهقى تضعيفه. انظر: السنن الكبرى 4/ 316، 317. وقال ابن حجر: من طريق عبد الله بن بديل وهو ضعيف. فتح البارى 4/ 274.
كما أخرجه الدارقطني، في: باب الاعتكاف، من كتاب الصيام. سنن الدارقطنى 2/ 200. وقال: تفرد به ابن بديل عن عمرو، وهو ضعيف الحديث.
(4)
تقدم تخريجه قي صفحة 563.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللَّيْلِ (1)؛ لأَنَّه لا صِيامَ فيه، ولأَنَّه عِبادَةٌ تَصِحُّ في اللَّيْلِ، فلم يُشْتَرَطْ له الصيامُ، كالصلاةِ، وسائِرِ العِباداتِ، ولأنَّ إيجابَ الصومِ حُكْمٌ لا يَثْبُتُ إلَّا بالشَّرْعِ، ولم يَصِحَّ فيه نَصٌّ ولا إجْماعٌ، فإنَّ أحادِيثَهم لا تَصِحُّ. أمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فتَفَرَّدَ به ابنُ بُدَيْلٍ (2). وهو ضَعِيفٌ. قال أبو بَكْرٍ النَّيْسابُورِىُّ: هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. والصَّحِيحُ ما رَوَيْناه. أخْرَجَه البخارىُّ، والنَّسَائِىُّ، وغيرُهما. وحَدِيثُ عائِشَةَ مَوْقُوفٌ عليها، ومَن رَفَعَه فقد وَهِمَ، ثمَّ لو صَحَّ فالمُرادُ به الاسْتِحْبابُ؛ فإنَّ الصومَ فيه أَفْضَلُ،
(1) وقع في رواية شعبة عن عبيد الله عند مسلم: يوما. انظر صحيح مسلم 3/ 1277.
(2)
هو عبد الله بن بديل بن ورقاء، صدوق يخطئ. تقريب التهذيب 1/ 155.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقِياسُهم يَنْقَلِبُ عليهم، فإنَّه لُبْثٌ في مَكانٍ مَخْصُوصٍ، فلم يُشْتَرَطْ له الصومُ، كالوُقُوفِ، ثمَّ نَقُولُ بمُوجِبِه، فإنَّه لا يَكُونُ قُرْبَةً بمُجَرَّدِه، بل بالنِّيَّةِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يُسْتَحَبُّ أن يَصُومَ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يَعْتَكِفُ وهو صائِمٌ، ولأنَّ المُعْتَكِفَ يُسْتَحَبُّ له التَّشاغُلُ بالعِباداتِ والقُرَبِ، والصومُ مِن أَفْضَلِها، ويَتَفَرَّغُ به مِمَّا يَشْغَلُه عن العِباداتِ، ويَخْرُجُ به مِن الخِلافِ.
فصل: وإذا قُلْنا باشْتِراطِ الصومِ، لم يَصِحَّ اعْتِكافُ لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، ولا بعضِ يَوْمٍ، ولا ليلةٍ وبعضِ يَوْمٍ؛ لأنَّ الصومَ المُشْتَرَطَ لا يَصِحُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في أقَلَّ مِن يومٍ، ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ في بَعْضِ اليومِ، إذا صام اليومَ كُلَّه؛ لأنَّ الصومَ المَشْرُوطَ وُجِد في زمانِ الاعْتِكافِ، ولا يُعْتَبَرُ وُجُودُ المَشْرُوطِ في زَمَنِ الشَّرْطِ كُلِّه.