الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ كَانَ مِنَ الأَثْمَانِ، فَكَذَلِكَ فِى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالأُخْرَى، إِذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا مِنَ الذَّهَبِ، فَهُوَ غَنِىٌّ.
ــ
992 - مسألة: (وإن كان مِن الأثْمانِ، فكذلك في إحْدَى الرِّوايَتَيْن. والأُخْرَى، إن مَلَك خَمْسِين دِرْهَمًا أو قِيمَتَها مِن الذَّهَبِ، فهو غَنِىٌّ)
لا يجوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلى غَنِىٍّ لأجْلِ الفَقْرِ والمَسْكَنَةِ بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَلَها للفُقَراءِ والمَساكِينِ، والغَنِىُّ غيرُ داخِلٍ فيهم، ولقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِىٍّ، وَلَا لِقَوِىٍّ مُكْتَسِبٍ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واخْتَلفَ العلماءُ في الغِنَى المانِع مِن أخْذِ الزَّكاةِ، فنُقِلَ عن أحمدَ فيها رِوايَتان؛ إحْداهما، أنَّه مِلْكُ خَمْسِين دِرْهَمًا، أو قِيمتِها مِن الذَّهَبِ، أو وُجُودُ ما تَحْصُلُ به الكِفايَةُ على الدَّوامِ؛ مِن مَكْسَبٍ، أو تِجارَةٍ، أو أجْرٍ، أو عَقارٍ، أو نحوِ ذلك. ولو مَلَك مِن الحُبُوبِ، أو العُرُوضِ، أو العَقارِ، أو السّائِمَةِ، ما لا تَحْصُلُ به الكِفايَةُ، لم يكنْ غَنِيًّا. اخْتارَه الخِرَقِىُّ. وهذا قَوْلُ الثَّوْرِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وابنِ المُبارَكِ، وإسحاقَ. ورُوِىَ عن علىٍّ، وابنِ مسعودٍ، أنَّهما قالا: لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لمَن له خَمْسُون دِرْهَمًا، أو قِيمَتُها، أو عِدْلُها مِن الذَّهَب (1). لِما روَى عبدُ اللَّهِ ابنُ مسعودٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَتْ مَسْأَلَتهُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُمُوشًا، أوْ خُدُوشًا، أوْ كُدُوحًا (2) فِى وَجْهِهِ» .
(1) أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب من قال: لا تحل له الصدقة إذا ملك خمسين درهما، من كتاب الزكاة. المصنف 3/ 180.
(2)
الخموش والخدوش والكدوح: ألفاظ متقاربة، بمعنى خدش الوجه بظفر أو حديدة أو نحوها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقيل: يا رسولَ اللَّهِ، ما الغِنَى؟ قال:«خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ» . رَواه أبو داودَ، والتِّرمذِىُّ (1)، وقال: حديثٌ حسنٌ. فإن قيل: هذا يَرْوِيه حَكِيمُ بنُ جُبَيْرٍ، وكان شُعْبَةُ لا يَرْوِى عنه، وليس بقَوِىٍّ في الحديثِ. قُلْنا: قد قال عبدُ اللَّهِ بنُ عُثمانَ لسُفْيانَ: حِفْظِى أنَّ شُعْبَةَ لا يَرْوِى عن حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ. فقال سُفْيانُ: حَدَّثَناه زُبَيْدٌ عن محمدِ ابنِ عبدِ الرحمنِ. وقد قال علىٌّ وعبدُ اللَّه مِثْلَ ذلك. الثَّانيةُ، أنَّ الغِنَى ما تَحْصُلُ به الكِفايَةُ، فإذا لم يكنْ مُحْتاجًا حَرُمَتْ عليه الصَّدَقَةُ، وإن لم يَمْلِكْ شيئًا، وإن كان مُحْتاجًا حَلَّتْ له المَسْألَةُ، وإن مَلَك نِصابًا.
(1) أخرجه أبو داود، في: باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 377. والترمذى، في: باب ما جاء من تحل له الزكاة، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 148، 149 كما أخرجه النسائى، في: باب حد الغنى، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 72، 73. وابن ماجه، في: باب من سأل عن ظهر غنى، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 589. والدارمى، في: باب من تحل له الصدقة، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 386. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 441، 466.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأثْمانُ وغيرُها في هذا سَواءٌ. وهذا اخْتِيارُ أبى الخَطّاب، وابنِ شِهابٍ العُكْبَرِىِّ، وقَوْلُ مالكٍ، والشافعىِّ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لقَبِيصَةَ بنِ المُخارِقِ:«لَا تَحِلُّ المَسْألَةُ إلَّا لِأحَدِ ثَلَاثَةٍ؛ رَجُل أصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِى الحِجَا مِنْ قَوْمِه: قَدْ أصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» . رَواه مسلمٌ (1). فمَدَّ إباحَةَ المَسْألَةُ إلى وُجُودِ إصَابَةِ القِوامِ أو السِّدادِ، ولأنَّ الحاجَةَ هى الفَقْرُ، والغِنَى ضِدُّها، فمَن كان مُحْتاجًا فهو فَقِير، فيَدْخُلُ في عُمُومِ النَّصِّ، ومَن اسْتَغْنَى دَخَل في عمُومِ النُّصُوصِ والمُحَرِّمَةِ، والحديثُ الأوَّلُ فيه ضَعْفٌ، ثم يَجُوزُ أن تَحْرُمَ المَسْألَةُ ولا يَحْرُمَ أخْذُ الصَّدَقَةِ إذا جَاءَتْه مِن غيرِ مَسْألَةٍ، فإنَّ المَذْكُورَ فيه تَحْرِيمُ المَسْألَةُ، فنقْتَصِرُ عليه. وقال
(1) في: باب من تحل له المسألة، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 722. كما أخرجه أبو داود، في: باب ما تجوز فيه المسألة، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 381. والنسائى، في: باب الصدقة لمن تحمل بحمالة، وباب فضل من لا يسأل الناس شيئًا، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 67، 72. الدارمى، في: باب من تحل له الصدقة، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 396. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 477، 5/ 60.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحسنُ، وأبو عُبَيْدٍ: الغِنَى مِلْكُ أُوقِيَّةٍ، وهى أرْبَعُون دِرْهَمًا؛ لِما روَى أبو سَعِيدٍ الخُدْرِىُّ، قال: قالْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأْلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ» . وكانتِ الأُوقِيَّةُ على عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أرْبَعِين دِرْهَمًا. رَواه أبو داودَ (1). وقال أصحابُ الرَّأْى: الغِنَى المانِعُ مِن أخْذِ الزَّكاةِ هو المُوجِبُ لها، وهو مِلْكُ نِصابٍ تَجِبُ فيه الزكاةُ، مِن الأثْمانِ، أو العُرُوضِ المُعَدَّةِ للتِّجارَةِ، أو السّائِمَةِ، أو غيرِها؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم لمُعاذٍ:«أَعْلِمْهُمْ أنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ في فُقَرَائِهِمْ» (2). فجَعَلَ الأغْنِياءَ مَن تَجِبُ عليهم الزكاةُ، فدَلَّ ذلك على أنَّ مَن تَجِبُ عليه غَنِىٌّ، ومَن لا تَجِبُ عليه ليس بغَنِىٍّ، فيكونُ فَقِيرًا، فتُدْفَعُ الزكاةُ إليه؛ لقَوْلِه:«فتُرَدُّ في فُقَرَائِهِمْ» . ولأنَّ المُوجِبَ للزكاةِ غِنًى، والأصْلُ عدَمُ الاشْتِراكِ، ولأنَّ مَن لا نِصَابَ له لا تَجِبُ عليه الزكاةُ، فلا يُمْنَعُ منها، كمَن له دُونَ الخَمْسِين. ووَجْهُ الرِّواية الأُولَى، أنَّه يجوزُ أن
(1) في: باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 378 كما أخرجه النسائى، في: باب من الملحف، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 73. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 7، 9.
(2)
تقدم تخريجه في 2/ 99، 6/ 291.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يكونَ الغِنَى المانِعُ مِن أخْذِ الزَّكاةِ غيرَ المُوجِبِ لها، بدَلِيلِ حديثِ ابنِ مَسْعُودٍ، وهو أخَصُّ مِن حَدِيثِهم، فيَجِبُ تَقْدِيمُه، ولأنَّ فيما ذَكرْنا جَمْعًا بينَ الحَدِيثَيْن، وهو أوْلَى مِن التَّعارُضِ، ولأنَّ حديثَ مُعاذٍ إنَّما يَدُلُّ على أنَّ مَن تَجِبُ عليه الزكاةُ غَنِىٌّ، أمّا أنَّه يَدُلُّ على أنَّ مَن لا تَجِبُ؛ عليه الزكاةُ فَقِيرٌ، فلا. وعلى هذا فلا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ الغِنَى وُجودُ الفَقْرِ، فلا يَدُلُّ على جَوازِ الدَّفْعِ إلى غيرِ الغَنِىِّ إذا لم يَثْبُتْ فَقْرُه. وقَوْلُهم: الأصْلُ عَدَمْ الاشْتِراكِ. قُلْنا: قد قام دَلِيلُه بما ذَكَرْنا، فيَجِبُ الأَخْذُ به. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: فمَن قال: إنَّ الغِنَى هو الكِفايَةُ. سَوَّى بينَ الأثْمانِ وغيرِها، وجَوَّزَ الأخْذَ لكلِّ مَن لا كِفايَةَ له، وإن مَلَكَ نُصُبًا (1) مِن جَمِيع الأمْوالِ. ومَن قال بالرِّوايَةِ الأُخْرَى، فَرَّقَ بينَ الأثْمانِ وغيرِها، لحديثِ بنِ مَسْعُودٍ، ولأنَّ الأثمانَ آلةُ الإِنْفاقِ المُعَدَّةُ له دُونَ غيرِها، فجَوَّزَ الأخْذَ لكلِّ مَن لا يَمْلِكُ خَمْسِين دِرْهَمًا، ولا قِيمَتَها مِن الذَّهَبِ، ولا ما تَحْصُلُ بها الكِفايَةُ، مِن مَكْسَب، أو أُجْرَةِ عَقارٍ، أو غيرِه. فإن كان له مالٌ مُعَدٌّ للإِنْفاقِ مِن غيرِ الأثْمانِ، فيَنْبَغِى أن تُعْتَبَرَ الكِفايَةُ في حَوْلٍ كامِلٍ؛ لأنَّ الحَوْلَ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الزَّكاةِ بتَكَرُّرِه، فيَأْخُذُ منها كلَّ حَوْلٍ ما يَكْفِيه إلى مِثْلِه. واللَّهُ أعلمُ.
(1) في الأصل: «نصابًا» .