الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِىَ الْجَمَاعَةَ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ، وَالْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ.
ــ
لابنِ عُمَرَ: البُرُّ أفْضَلُ مِن التَّمْرِ. فلم يُنْكِرْه ابنُ عُمَرَ، وإنَّما عَدَل عنه اتِّباعًا لأصْحابِه، وسُلُوكَ طَرِيقَتِهم، ولهذا عَدَل نِصْفَ صاعٍ منه بصاعٍ مِن غيرِه. وتَفْضِيلُ التَّمْرِ إنَّما كان لاتِّباعِ الصَّحابَةِ، فيَبْقَى فيما عَداه على قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ الأفْضَلُ بعدَ التَّمْرِ ما كان أعْلَى قِيمَةً وأكْثَرَ نَفْعًا؛ لما ذَكَرْنا مِن الحَدِيثِ.
967 - مسألة: (ويَجُوزُ أن يُعْطِىَ الجَماعَةَ ما يَلْزَمُ الواحِدَ، والواحِدَ ما يَلْزَمُ الجَماعَةَ)
أمّا إعْطاءُ الجَماعَةِ ما يَلْزَمُ الواحِدَ فلا نَعْلَمُ فيه خِلافًا إذا أعْطَى مِن كلِّ صِنْفٍ ثَلاثَةً؛ لأنَّه دَفَع الصَّدَقَةَ إلى مُسْتَحِقِّها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمّا إعْطاءُ الواحِدِ ما يَلْزَمُ الجَماعَةَ، فإنَّ الشافعىَّ ومَن وافَقَه أوْجَبُوا تَفْرِيقَ الصَّدَقَةِ على سِتَّةِ أصْنافٍ، مِن كلِّ صِنْفٍ ثَلاثةٌ. وقد رُوِى مثلُ هذا عن أحمدَ، وسَنَذْكُرُ ذلك فيما بعدَ هذا البابِ، إن شاء اللَّهُ تعالى. وظاهِرُ المَذْهَبِ الجَوازُ، وبه قال مالك، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْى، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّها صَدَقَةٌ لغير مُعَيَّنٍ، فجاز صَرْفُها إلى واحِدٍ، كالتَّطَوُّعِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَصْرِفُ صَدَقَةِ الفِطْرِ مَصْرِفُ سائِرِ الزَّكَواتِ؛ لعُمُومِ قَوْلِه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (1). الآيةُ. ولأنَّها زكاة، أشْبَهَتْ زكاةَ المالِ، فلا يَجُوزُ دَفْعُها إلى مَن لا يجوزُ دَفْعُ زكاةِ المالِ إليه. وبهذا قال مالكٌ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ: يَجوزُ. وعن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ، وعَمْرِو بنِ شُرَحْبِيل، ومُرَّةَ الهَمْدانِىِّ (2)، أنَّهم كانوا يُعْطُون منها الرّهْبانَ. ولَنا، أنَّها زكاةٌ، فلم يَجُزْ دَفْعُها إلى غيرِ المُسْلِمِين، كزكاةِ المالِ، وزَكاةُ المالِ لا يجوزُ دَفْعُها إلى غيرِ المُسْلِمِين إجْماعًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّه لا يَجُوزُ أن يُعْطِىَ مِن زكاةِ المالِ أحَدًا مِن أهْلِ الذِّمَّةِ.
فصل: فإن دَفَعَها إلى مُسْتَحِقها، فأخْرَجَها آخِذُها إلى دافِعِها، أو جُمِعَتِ الصَّدَقَة عندَ الإِمامِ، ففَرَّقَها على أهْلِ السُّهْمانِ، فعادَتْ إلى إنْسانٍ
(1) سورة التوبة 60.
(2)
مرة بن شراحيل الهمدانى، المعروف بمرة الطيب ومرة الخير، لقب بذلك لعبادته، تابعيى توفى في زمان الحجاج بعد دير الجماجم، وقيل: توفى سنة ست وسبعين. تهذيب التهذيب 10/ 88، 89.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَدَقَتُه. فاخْتارَ القاضى جَوازَ ذلك، قال: لأنَّ أحمدَ نَصَّ في مَن له نِصابٌ مِن الماشيَةِ والزُّرُوعِ، أنَّ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ منه، وتُرَدُّ إليه، إذا لم يكنْ له قَدْرُ كِفايَتِه. وهو مَذْهَبُ الشافعىِّ؛ لأنَّ قَبْضَ الإِمامِ أو المُسْتَحِقِّ أزالَ مِلْكَ المُخْرجِ، وعادَتْ إليه بسَبَبٍ آخَرَ، أَشْبَهَ ما لو عادَتْ إليه بمِيراثٍ. وقال أبو بكر: مَذْهَبُ أحمدَ أنَّه لا يَحِلُّ له أخْذُها؛ لأنَّها طُهْرَةٌ، فلم يَجُزْ له أخْذُها، كشِرائِها؛ لأنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أراد أن يَشتَرِى الفَرَسَ الذى حَمَلَ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ، فقال له النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَشْتَرِهَا، وَلَا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ، فَإنَّ الْعائِدَ في صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ في قَيْئهِ» (1). فإن عادَتْ إليه بالشِّراءِ، ففيه مِن الخِلافِ مثلُ ما ذَكَرْنا، والمَنْصُوصُ أنَّه لا يجوزُ، فإن عادَتْ إليه بالمِيراثِ، فله أخْذُها؛ لأنَّها رَجَعَتْ إليه بغيرِ فِعْلٍ منه، واللَّهُ تعالى أعلمُ.
(1) تقدم تخريجه في 6/ 544.