الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِه، إِذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِةِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ صَاعٌ، وَإنْ كَانَ مُكَاتبًا.
ــ
الزكاةُ إلى الفِطْرِ؛ لأنَّها تَجِبُ بالفِطْرِ مِن رَمضانَ. قال ابنُ قُتَيْبَةَ (1): وقِيلَ لها فِطْرَة؛ لأنَّ الفِطْرَةَ الخِلْقَةُ، قال اللَّهُ تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (2). وهذه يُرادُ بها الصَّدَقَةُ عن البَدَنِ والنَّفْسِ. قال بعضُ أصْحابِنا: وهل تُسَمَّى فَرْضًا مع القَوْلِ بوُجُوبِها؟ على رِوايَتَيْن. والصَّحِيحُ أنَّها فرْضٌ؛ لقَوْلِ ابنِ عُمَرَ: فَرَض رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطْرِ. ولأنَّ الفَرْضَ إن كان الواجِبَ فهى واجِبَةٌ، وإن كان الواجِبَ المُتَأكِّدَ فهى مُتَأكَّدَةٌ مُجْمَعٌ عليها، على ما حَكاه ابنُ المُنْذِرِ.
946 - مسألة: (وهى واجِبَة على كُلِّ مُسْلِمٍ تَلْزَمُه مُؤْنَةُ نَفْسِه، إذا فَضَل عِنْدَه عن قوتِه وقُوتِ عِيالِه يَوْمَ العِيدِ ولَيْلَتَه صاعٌ، وإن كان مُكَاتبًا)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ زكاةَ الفِطْرِ تَجِبُ على كُلِّ مسلم، تَلْزَمُه مُؤْنَةُ نَفْسِه صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا، حُرًّا أو عَبْدًا، ذَكَرًا أو أنْثَى؛ لِما ذَكَرْنا مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ. وهذا قَوْلُ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. وتَجِبُ على اليَتيمِ،
(1) غريب الحديث 1/ 184.
(2)
سورة الروم 30.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويُخْرِجُ عنه وَلِيُّه مِن مالِه، لا نَعْلَمُ أحَدًا خالَفَ فيه، إلَّا محمدَ بنَ الحسنِ، قال: ليس في مالِ الصَّغِيرِ صَدَقَةٌ. وقال الحسنُ: صَدَقَةُ الفِطْرِ على مَن صام مِن الأحْرارِ، وعلى الرَّقِيقِ. وعُمُومُ حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ يَقْتَضِى وُجُوبَها على اليَتيمِ والصَّغِيرِ مُطْلَقًا، ولأنَّه مُسْلِمٌ فوَجبت فِطْرَتُه، كما لو كان له أبٌ.
فصل: وتَجِبُ صَدَقَةُ الفِطْرِ على أهْلِ البادِيَةِ في قَوْلِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. رُوِىَ ذلك عن ابنَ الزُّبَيْرِ. وهو قَوْلُ الحسنَ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصْحابِ الرَّأْى. وقال عَطاءٌ، والزُّهْرِىُّ، ورَبِيعَةُ: لا صَدَقَةَ عليهم. ولَنا، عُمُومُ الحَدِيثِ، ولأنَّها زَكاةٌ فوَجبت عليهم كزكاةِ المالِ، ولأنَّهم مسلمون، أشْبَهُوا أهْلَ الأمْصارِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا تَجِبُ على كافِرٍ أصْلِىٍّ، حُرًّا كان أو عَبْدًا، أمّا المُرْتَدُّ ففى وُجُوبِها عليه اخْتِلافٌ ذَكَرْناه فيما مَضَى (1). قال شيخُنا (2): ولا نَعْلَمُ خِلافًا بينَهم في الحُرِّ البالِغِ الكافِرِ أنَّها لا تَجِبُ عليه. وقال إمامُنا، ومالكٌ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ: لا تَجِبُ على العَبْدِ أيضًا، ولا على الصَّغِيرِ. ويُرْوَى عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزِيزِ، وعَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، وسعِيدِ ابنِ جُبَيْر، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِىِّ، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأْى، أن على السَّيِّدِ المسلمِ إخْراجَ الفِطْرَةِ عن عَبْدِه الذِّمِّىِّ. وقال أبو حنيفةَ: يُخْرِجُ عن ابْنِه الصَّغِيرِ إذا ارْتَدَّ. ورَوَوْا أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وعَبْدٍ، صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ، يَهُودِىٍّ أو نَصْرَانِىٍّ، أو مَجُوسِىٍّ، نِصْفَ صَاعٍ منْ بُرٍّ» (3). ولأنَّ كُلَّ زَكاةٍ وَجَبَتْ بسَبَبِ عَبْدِه المسلمِ، وَجَبَتْ سبَبِ عبدِه الكافِرِ، كزكاةِ التِّجارَةِ. ولَنا، قَوْلُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في حَدِيثِ عن عُمَرَ:«مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وروَى أبو داودَ (4)، عن ابنِ عباسٍ،
(1) انظر ما تقدم في 6/ 332.
(2)
في: المغنى 4/ 283.
(3)
أخرجه الدارقطنى، في: باب زكاة الفطر، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 150 من حديث ابن عباس. وقال: سلام الطويل متروك الحديث، ولم يسنده غيره. اهـ. وأورده ابن الجوزى في الموضوعات 2/ 149. وانظر الكلام عليه في: نصب الراية 2/ 412.
(4)
في: باب زكاة الفطر، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 373.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب صدقة الفطر، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 585.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: فَرَض رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً للصَّائِمِ مِن الرَّفَثِ واللَّغْوِ، وطُعْمَةً للمَساكينِ، من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهى زَكاةٌ مَقْبُولَةٌ، ومَن أدَّاهَا بعدَ الصَّلاةِ فهى صَدَقَةٌ مِن الصَّدَقاتِ. وحَدِيثُهم لم نَعْرِفْه، ولم يَذْكُرْه أصحابُ السُّنَنِ، وزكاةُ التِّجارَةِ تَجِبُ عن القِيمَةِ، ولذلك تَجِبُ في سائِرِ الحَيَواناتِ وسائِرِ الأمْوالِ، وهذه طُهْرَةٌ للبَدَنِ، ولهذا اخْتُصَّ بها الآدَمِيُّون، بخلافِ زكاةِ التِّجارَةِ.
فصل: فأن كان لكافِرٍ عَبْدٌ مسلمٌ، وهَلَّ هِلالُ شَوّالٍ وهو في (1) مِلْكِه، فحُكِىَ بن أحمدَ أنَّ على الكافِرِ إخْراجَ صَدَقَةِ الفِطْرِ عنه. واخْتارَه القاضى. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أن لا تَجِبَ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العلمِ أن لا صَدَقَةَ على الذِّمِّىِّ في عَبْدِه المسلمِ؛ لقَوْلِه عليه السلام: «مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . ولأنَّه كافِرٌ، فلم تَجِبْ عليه الفِطْرَةُ كسائِرِ الكُفّارِ، ولأنَّها زكاةٌ فلم تَجِبْ على الكَفَرَةِ، كزَكاةِ المالِ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووَجْهُ الأُولَى، أنَّ العَبْدَ مِن أهْلِ الطُّهْرَةِ، فوَجَبَ أن تُؤَدَّى عنه الفِطْرَةُ، كما لو كان سَيِّدُه مسلمًا، وقَوْلُه:«مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . يَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ به المُؤَدَّى عنه، بدَلِيلِ أنَّه لو كان للمسلمِ عَبْدٌ كافِرٌ لم تَجِبْ. فِطْرَتُه، ولأنَّه ذَكَر في الحَدِيثِ كُلَّ عَبْدٍ وصَغِيرٍ، وهذا يَدُلُّ على أنَّه أرادَ المُؤَدَّى عنه، لا المُؤَدِّى ولأصْحاب الشافعىِّ في هذا وَجْهان كالمَذْهَبَيْن.
فصل: وهى واجِبَةٌ على مَن قَدَر عليها، ولا يُعْتَبَرُ في وُجُوبِها النِّصابُ. وبهذا قال أبو هُرَيْرَةَ، وأبو العالِيَةِ، والشَّعْبِىُّ، وعطاء، وابنُ سيرِينَ، والزُّهْرِىّ، ومالكٌ، وابنُ المُبارَكِ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أصْحابُ الرَّأْى: لا تَجِبُ إلَّا على مَن يَمْلِكُ مائَتَى دِرْهَمٍ، أو ما قِيمَتُه نِصابٌ فاضِلًا عن مَسْكَنِه؛ لقَوْلِه عليه السلام:«لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» (1). والفَقِيرُ (2) لا غِنَى له، فلا تَجِبُ عليه، ولأنَّه تَحِلُّ له
(1) تقدم تخريجه في 6/ 339.
(2)
في م: «الفقر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّدَقَةُ، فلا تَجِبُ عليه، كالعاجزِ عنها. ولَنا، ما روَى ثَعْلَبَةُ بنُ أبى صُعَيْرٍ، عن أبِيه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«أدُّوا صَدَقَةَ (1) الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ» . أوْ قال: «بُرٍّ، عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ، صَغِيرٍ أوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أوْ مَمْلُوكٍ، غَنِىٍّ أوْ فَقِيرٍ، ذَكَرٍ أوْ أنْثَى، أمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّه، وَأمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِ أكْثَرَ مِمَّا أعْطَى» (2). وفى رِوايَةِ أبى داودَ: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أوْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ» . ولأنَّه حَقُّ مالٍ لا يَزِيدُ بزِيادَةِ المَالِ، فلم يُعْتَبَرْ وُجُودُ النِّصابِ له، كالكَفّارَةِ، ولا يَمْتَنِعُ أن يُؤْخَذَ منه ويُعْطَى، كمَن وَجَبَ عليه العُشْرُ. والقِياسُ على العاجِزِ لا يَصِحُّ، وحَدِيثُهم مَحْمُولٌ على زكاةِ المالِ.
فصل: ومَن له دارٌ يَحْتاجُ إليها لسُكْناه، أو إلى أجْرِها لنَفَقَتِه، أو ثِيابُ بذْلَةٍ له، أو لمَن تَلْزَمُه مُؤْنَتُه، أو رَقِيقٌ يَحْتاجُ إلى خِدْمَتِهم هو أو مَن يَمُونُه، أَو بَهائِمُ يَحْتاجُون إلى رُكُوبِها والانْتِفاعِ بها في حَوائِجِهم الأصْلِيَّةِ، أو سائِمَةٌ يَحْتاجُ إلى نَمائِها لذلك، أو بضاعَة يَخْتَلّ رِبْحُها الذى يَحْتاجُ إليه بإخْراجِ الفِطْرَةِ منها، فلا فِطْرَةَ عليه لذلك؛ لأنَّ هذا مما تَتَعَلَّقُ به حاجَتُه
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب من روى نصف صاع من قمح، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 375. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 432.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصْلِيَّةُ، فلم يَلْزَمْه بَيْعُه، كمُؤْنَةِ نَفْسِه يَوْمَ العِيدِ. ومَن له كُتُبٌ يَحْتاجُ إليها للنَّظَرِ فيها والحِفْظِ منها، لا يَلْزَمُه بَيْعُها. والمرأةُ إذا كان لها حَلْىٌ للُّبْسِ أو الكِراءِ المُحْتاجِ إليه، لم يَلْزَمْها بَيْعُه في الفِطْرَةِ. وما فَضَل مِن ذلك كُلِّه عن حَوائِجِه الأصْلِيَّةِ، وأمْكَنَ بَيْعُه أو صَرْفُه في الفِطْرَةِ، وَجَبَتِ الفِطْرَةُ به؛ لأنَّه أمْكَنَه أداؤُها مِن غيرِ ضَرَرٍ أصْلِىٍّ أشْبَهَ ما لو مَلَك مِن الطَّعامِ ما يُؤَدِّيه فاضِلًا عن حاجَتِه.
فصل: وليس على السَّيِّدِ في مُكاتَبِه زكاةُ الفِطْرِ. وهذا قَوْلُ أبى سَلَمَةَ ابنِ عبدِ الرحمنِ، والثَّوْرِىِّ، والشافعىِّ، في أشْهَرِ قَوْلَيْه، وأَصْحابِ الرَّأْى. وقال عَطاء، ومالكٌ، وابن المُنْذِرِ: على السَّيِّدِ؛ لأنَّه عَبْدٌ، أشْبَهَ سائِرَ العَبيدِ. ولَنا، قَوْلُه عليه السلام:«مِمَّنْ تَمُونونَ» (1). وهذا لا يَمُونُه، ولأَنَّه لا تَلْزَمُه مُؤْنته، أشْبَهَ الأجْنَبِىَّ، وبهذا فارَقَ سائِرَ عَبِيدِه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ على المُكاتَبِ فِطْرَةَ نَفْسِه، وفِطْرَةَ مَن تَلْزَمُه نَفَقَتُه،
(1) أخرجه الدارقطنى، في: باب زكاة الفطر، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 141. والبيهقى، في: باب إخراج زكاة الفطر عن نفسه وغيره، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 161.
كلاهما من حديث ابن عمر مرفوعًا. وروى البيهقى نحوه من رواية على بن أبى طالب مرفوعًا كذلك.
وانظر: نصب الراية 2/ 413.