الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا نَصَّ في الفِطْرِ به، ولا يَصِحُّ قِياسُه على إنْزالِ المَنِىِّ؛ لمُخالَفَتِه إيّاه في الأحْكام، فيَبْقَى على الأصْلِ. وفيه قولٌ آخَرُ، أنّه يُفْطِرُ؛ لأنَّه خارِجٌ بسَبَبِ الشَّهْوَةِ، أشْبَهَ المَنِىَّ، ولأنَّ السَّبَبَ الضَّعِيفَ إذا تَكَرَّرَ تَنَزَّلَ بمَنْزِلَةِ السَّبَبِ القَوِىِّ، فإنَّ مَن أعاد الضَّرْبَ بعَصًا صغيرةٍ فقَتَلَ، وَجَب عليه القِصاصُ، كالضَّرْبِ بالعَصا الكَبِيرَةِ. والأوَّلُ ظاهِرُ المَذْهَبِ.
فصل: فأمّا إن صَرَف نَظَرَه لم يَفْسُدْ صَومُه، أنْزَلَ أو لم يُنْزِلْ. وقال مالكٌ: يَفْسُدُ صومُه إن أنْزَلَ، كما لو كَرَّرَه. ولَنا، أنَّ النَّظْرَةَ الأُولَى لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منها، فلا يُفْسِدُ الصومَ ما أفْضَتْ إليه، كالفِكْرَةِ، وعليه يُخَرَّجُ التَّكْرارُ.
1062 - مسألة؛ قال: (أو حَجَم، أو احْتَجمَ)
الحِجامَةُ يُفْطِرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بها الحاجِمُ والمَحْجُومُ. وبه قال إسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ، ومحمدُ بنُ إسحاقَ بنِ (1) خُزَيْمَةَ، وعَطاءٌ، وعبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِىٍّ. وكان مَسْرُوقٌ، والحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، لا يَرَوْنَ للصائِمِ أن يَحْتَجِمَ. وكان جماعةٌ من الصحابةِ يَحْتَجِمُونَ لَيْلًا في الصومِ؛ منهم ابنُ عُمَرَ، وابنُ عباسٍ، وأبو موسى، وأنَسُ بنُ مالكٍ. ورَخَّصَ فيها أبو سعيدٍ الخُدْرِىُّ، وابنُ مسعودٍ، وأمُّ سَلَمَةَ، والحسين بنُ علىٍّ، وعُرْوَةُ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ. وقال مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعىُّ: يَجُوزُ للصائِمِ أن يَحتَجمَ، ولا يُفْطِرُ؛ لِما روَى البُخارِىُّ (2)، عن ابنِ عباسٍ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهو صائِمٌ. ولأنَّه دَمٌ خارِج مِن البَدَنِ، أشْبَهَ الفَصْدَ. ولَنا،
(1) في م: «وابن» .
وهو محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلمى النيسابورى أبو بكر شيخ الإسلام، صاحب التصانيف، ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وعنى في حداثته بالحديث والفقه حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان، ولقب بإمام الأئمة، وتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 14/ 365 - 382.
(2)
في: باب الحجامة والقئ للصائم، وفى: باب أي ساعة يحتجم، من كتاب الطب. صحيح البخاري 3/ 42، 43، 7/ 161.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرخصة في ذلك (في الحجامة)، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 553، 554. والترمذى، في: باب ما جاء من الرخصة في ذلك (في الحجامة)، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 305. وابن ماجه بألفاظ مختلفة، في: باب ما جاء في الحجامة للصائم، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 537. والامام أحمد، في: المسند 1/ 244، 248، 286، 344.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ» (1). رَواه عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، قال أحمدُ: حديثُ شَدّادِ بنِ أوْسٍ مِن أصَحِّ حديثٍ يُرْوَى في هذا البابِ، وإسْنادُ حديثِ رافِع إسْنادٌ جَيِّدٌ. وقال: حديثُ ثَوْبانَ وشَدّادٍ صَحِيحانِ. وقال علىُّ بنُ المَدِينِىِّ: أصَحُّ شيءٍ في هذا البابِ حديثُ شَدّادٍ وثَوْبانَ. وحديثُهم مَنْسُوخٌ بحَدِيثِنا، بدَلِيلِ ما روَى ابنُ عباسٍ، أنَّه قال: احْتَجَمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقاحَةِ (2) بقَرْنٍ ونابٍ، وهو مُحْرِمٌ صائِمٌ، فوَجَدَ لذلك ضَعْفًا شَدِيدًا، فنَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يَحْتَجِمَ الصائِمُ. رَواه أبو إسحاقَ الجُوزَجانِىُّ في «المُتَرْجَمِ» (3).
(1) أخرجه البخاري، في: باب الحجامة والقئ للصائم، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 42. وأبو داود، في: باب في الصائم يحتجم، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 552، 553. والترمذى، في: باب كراهية الحجامة للصائم، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 303. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الحجامة للصائم، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 537. والدارمى، في: باب الحجامة تفطر الصائم، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 14. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 364، 3/ 465، 474، 480، 4/ 123 - 125، 5/ 210، 276، 277، 280، 282، 283، 6/ 12، 157، 258.
(2)
القاحة: موضع على ثلاث مراحل من المدينة، قبل السقيا بنحة ميل. معجم البلدان 4/ 5.
(3)
وانظر رواية الإمام أحمد في: المسند 1/ 248. وتقدم تخريجه قريبا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعن الحَكَمِ، قال: احْتجَمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فضَعُفَ، ثم كُرِهَتِ الحِجامَةُ للصائِمِ. وكان ابنُ عباسٍ، وهو راوى حَدِيثِهم، يُعِدُّ الحَجّامَ والمَحاجِمَ، فإذا غابَتِ الشمسُ احْتَجَمَ. كذلك رَواه الجُوزَجانِىُّ. وهذا يَدُلُّ على أنَّه عَلِم نَسْخَ الحَدِيثِ الذي رَواه. ويَحْتَمِلُ أنَّه احْتَجَمَ فأفْطَرَ، كما رُوِىَ عنه، عليه السلام، أنَّه قاء فأفْطَرَ (1). فإن قِيلَ: فقد رُوِىَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى الحاجِمَ والمُحْتَجِمَ يَغْتابانِ، فقالَ ذلك. قُلْنا: لم تَثْبُتْ صِحَّةُ هذه الرِّوايَةِ، مع أنَّ اللَّفْظَ أَعَمُّ مِن السَّبَبِ، فيَجِبُ الأَخْذُ بعُمُومِ اللَّفْظِ دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ، على أنَّنا قد ذَكَرْنا الحَدِيثَ الذي فيه بَيانُ عِلَّةِ النَّهْىِ عن الحِجامَةِ، وهي الخَوْفُ مِن الضَّعْفِ، فيَبْطُلُ التَّعْلِيلُ بما سِواه، أو تَكُونُ كلُّ واحِدَةٍ منهما عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً. على أنَّ الغِيبَةَ لا تُفَطِّرُ الصائِمَ إجْماعًا، فلا يَصِحُّ حَمْلُ الحديثِ عليها. قال أحمدُ: لَأن يكونَ الحديثُ على ما جاء عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: «أفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . أحَبُّ إلينا مِن أن يَكُونَ مِن الغِيبَةِ؛ لأنَّ مَن أراد أن يَمْتَنِعَ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب الصائم يستقئ عامدًا، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 555. والدارمى، في: باب القئ للصائم، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 14. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 195، 276، 277، 283، 6/ 443.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن الحِجامَةِ امْتَنَعَ، وهذا أَشَدُّ على النّاسِ، مَن يَسْلَمُ مِن الغِيبَةِ! فإن قِيلَ: إذا كانت عِلَّةُ النَّهْىِ ضَعْفَ الصائِمِ بها فلا يَقْتَضِى ذلك الفِطْرَ، إنما يَقْتَضِى الكَراهَةَ، ومَعْنَى قولِه:«أفْطَرَ الْحَاجِمُ والْمَحْجُومُ» . أي قَرُبَا مِن الفِطْرِ. قُلْنا: هذا تَأْوِيلٌ يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ، مع أنَّه لا يَصِحُّ في حَقِّ الحاجِمِ؛ لأنَّه لا يُضْعِفُه.
فصل: وإنَّما يُفْطِرُ بما ذَكَرْنا إذا فَعَلَه (عامِدًا، ذاكِرًا لصَوْمِه، وإن فَعَل) شيئًا مِن ذلك (ناسِيًا لم يَفْسُدْ) صومُه. رُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ الله عنه: لا شئَ على مَن أكَلَ ناسِيًا. وهو قولُ أبي هُرَيْرَةَ، وابنِ عُمَرَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعطاءٍ، وطاوُسٍ، وابنِ أبى ذِئْبٍ، والأوْزاعِىِّ، والثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ، وإسحاقَ. وقال رَبِيعَةُ، ومالكٌ: يُفْطِرُ؛ لأنَّ ما لا يَصِحُّ الصومُ مع شيءٍ مِن جِنْسِه عَمْدًا، لا يَجُوزُ مع سَهْوِه، كالجماعِ، وتَرْكِ النِّيَّةِ. ولَنا، ما روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ أوْ شَرِبَ نَاسِيًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» . مُتَّفَقٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه (1). وفى لَفْظٍ: «مَنْ أكلَ أوْ شَرِبَ نَاسِيًا، [فَلَا يُفْطِرْ] (2)، فَإنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ» (3). ولأنَّها عِبادَةٌ ذاتُ تَحْلِيلٍ وتَحْرِيمٍ، فكان في مَحْظُوراتِها ما يَخْتَلِفُ عَمْدُه وسَهْوُه، كالصلاةِ والحَجَّ. فأمَّا النِّيَّةُ فليس
(1) أخرجه البخاري، في: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا. من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 40. ومسلم، في: باب أكل الناسى وشربه وجماعه لا يفطر. من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 809. كما أخرجه أبو داود، في: باب من أكل ناسيا، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 559. والدارمى، في: باب في من أكل ناسيا، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 13. وابن ماجه، في: باب ما جاء في من أفطر ناسيا، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 535. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 425، 489، 491، 493.
(2)
سقط من: م.
(3)
أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في الصائم يأكل أو يشرب ناسيا، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 246، 247.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَرْكُها فِعْلًا، ولأنَّها شَرْطٌ، والشُّرُوطُ لا تَسْقُطُ بالسَّهْوِ، بخِلافِ المُبْطِلاتِ، والجِماعُ حُكْمُه أغْلَظُ، ويُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عنه.