الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُؤَدِّى عَنْ جَمِيعِهِمْ، بَدَأَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِامْرَأَتِه، ثُمَّ بِرَقِيقِهِ، ثُمَّ بِوَلَدِهِ،
ــ
ففِطْرَتُهم على السَّيِّدِ، لأنَّهم مِلْكُه. وهذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وقَوْلُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأصحابِ الرَّأْى. وإن قُلْنا: يَمْلِكُ بالتَّمْلِيكِ. فقد قِيلَ: لا تَجِبُ فِطْرَتُهم على أحَدٍ؛ لأنَّ السَّيِّدَ لا يَمْلِكُهم، ومِلْكُ العَبْدِ ناقِصٌ. والصَّحِيحُ وُجُوبُ فِطْرَتِهم على العَبْدِ؛ لأنَّ نَفَقَتَهم واجِبَةٌ عليه، فكذلك فِطْرَتُهم. وعَدَمُ تَمامِ المِلْك لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الفِطْرَةِ، بدَلِيل وُجُوبِها على المُكاتَبِ عن نَفْسِه وعَبِيدِه، مع نقْصِ مِلْكِه.
فصل: وأمّا زَوْجَةُ العَبْدِ، فذَكَرَ أصحابُنا المُتَأخِّرُونَ أنَّ فِطْرَتَها على نَفْسِها إن كانت حُرَّةً، وعلى سَيِّدِها إن كانت أمَةً. قال شيخُنا (1)، رحمه الله: وقِياسُ المَذْهَبِ عندِى وُجُوبُ فِطْرَتِها على سَيِّدِ العَبْدِ؛ لوُجُوبِ نَفَقَتِها عليه، كما أنَّه يَجِبُ على الزَّوْجِ نَفَقَةُ خادِمِ امْرَأتِه، مِع أنَّه لا يَمْلِكُها؛ لوُجُوبِ نَفَقَتِها، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أدُّوا صَدَقةَ الفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» (2). وهذه مِمَّن يَمُونُ. وهكذا لو زَوَّجَ الابنُ أباه، وكان ممَّن تَجِبُ عليه نَفَقَتُه ونَفَقَةُ امرأتِه، فعليه فِطْرَتُهما.
949 - مسألة: (فإن لم يَجِدْ ما يُؤَدِّى عن جَمِيعِهم، بَدَأ بنَفْسِه
،
(1) في: المغنى 4/ 305.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 87.
ثُمَّ بأُمِّهِ، ثُمَّ بِأَبِيهِ، ثُمَّ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ في الْمِيرَاثِ.
ــ
ثم بامرأتِه، ثم برَقِيقِه، ثم بوَلَدِه، ثم بأُمِّه، ثم بأبِيه، ثم بالأقْرَبِ فَالأقْرَبِ في المِيراثِ) إذا لم يَفْضُلْ عندَه إلَّا صاعٌ أخرَجَه عن نَفْسِه؛ لقَوْلِه عليه السلام:«ابْدَأ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» (1). ولأنَّ الفِطْرَةَ تَنْبَنِى على النَّفَقَةِ، فكما أنَّه يَبْدَأُ بنَفْسِه في النَّفَقَةِ، فكذلك في الفِطْرَةِ. فإن فَضَل صاعٌ آخَرُ (2) أخْرَجَه عن امْرأتِه؛ لأنَّ نَفَقَتَها آكَدُ؛ لأنَّها تَجِبُ على سَبِيلِ المُعاوَضَةِ مع اليَسارِ والإِعْسارِ، ونفَقَةُ الأقارِبِ صِلَةٌ إنَّما تَجِبُ مع اليَسارِ. فإن فَضَل آخَرُ، أخْرَجَه عن رَقِيقِه؛ لوُجُوبِ نَفَقَتِهم في الإِعْسارِ أيضًا. قال ابنُ عَقِيلٍ: ويَحْتَمِلُ تَقْدِيمُهم على الزَّوْجَةِ؛ لأنَّ فِطْرَتَهُم مُتَّفَقٌ عليها، وفِطْرَتُها مُخْتَلَفٌ فيها. فإن فَضَل آخَرُ أخْرَجَه عن وَلَدِه الصَّغِيرِ؛ لأنَّ نَفَقَتَه مَنْصُوصٌ عليها، ومُجْمَع عليها. وفى الوالِدِ والوَلَدِ الكَبِيرِ وَجْهان؛ أحَدُهما، يُقَدَّمُ الوَلَدُ؛ لأنَّه كبَعْضِه، أشْبَهَ الصَّغِيرَ. والثانِى، الوالِدُ؛ لأنَّه كبعضِ ولَدِه. ويقَدِّمُ فِطْرَةَ الأُمِّ على فِطْرَةِ الأبِ؛ لأن الأمَّ مُقدَّمَةٌ في البِرِّ، بدَلِيلِ قَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم للأعْرابِىِّ حِينَ
(1) تقدم تخريجه في 6/ 340.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: مَن أبَرُّ؟ قال: «أُمُّكَ» . قال: ثم مَن؟ قال: «أُمُّكَ» . قال: ثم مَن؟ قال: «أُمُّكَ» . قال: ثم مَن؟ قال: «ثُمَّ (1) أبُوكَ» (2). ولأنَّها ضَعِيفَةٌ عن الكَسْبِ. ويَحْتَمِلُ تَقْدِيمُ فِطْرَةِ الأبِ، وحكاه ابنُ أبى موسى رِوايَةً عن أحمدَ؛ لقَوْلِه عليه السلام:«أنْتَ وَمَالُكَ لأبِيكَ» (3). ثم بالجَدِّ، ثم بالأقْرَبِ فالأقْرَبِ (4)، على تَرْتِيبِ المِيراثِ. ويَحْتَمِلُ تَقْدِيمُ فِطْرَةِ الوَلَدِ على فِطْرَةِ المرأةِ؛ لِما روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: أمَر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالصَّدَقَةِ، فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللَّهِ، عندِى دِينارٌ. قال:«تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ» . قال: عندِى آخَرُ: قال: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ» . قال: عندِى آخَرُ. قال: «تَصَدَّق بِهِ عَلَى زَوْجِكَ» .
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه البخاى، في: باب من أحق الناس بحسن الصحبة، من كتاب الأدب. صحيح البخارى 8/ 2. ومسلم، في: باب بر الوالدين وأنهما أحق به، من كتاب البر والصلة. صحيح مسلم 4/ 1974. وأبو داود، في: باب في بر الوالدين، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 629. والترمذى، في: باب ما جاء في بر الوالدين، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى 8/ 92. وابن ماجه، في: باب النهى عن الإمساك في الحياة. . .، من كتاب الوصايا، وفى: باب بر الوالدين، من كتاب الأدب. سنن ابن ماجه 2/ 903، 1207. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 327، 391، 402، 5/ 3، 5.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يأكل من مال ولده، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 259. وابن ماجه، في: باب ما للرجل من مال ولده، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 769. والإمام أحمد، في: المسند: 2/ 179، 204، 214.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: عندِى آخَرُ. قال: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ» . قال: عندِى آخَرُ. قال: «أَنْتَ أبْصَرُ» (1). فقَدَّمَ الوَلَدَ في الصَّدَقَةِ عليها، فكذلك في (2) الصَّدَقَةِ عنه. ولأنَّ الوَلَدَ كبَعْضِه، فيُقَدَّمُ كتَقْدِيمِ نَفْسِه، ولأنَّه إذا ضَيَّعَ وَلَدَه لم يَجِدْ مَن يُنْفِقُ عليه، والزَّوْجَةُ إذا لم يُنْفِقْ عليها فُرِّقَ بينَهما، وكان لها مَن يَمُونُها، مِن زَوْجٍ أو ذى رَحِمٍ، ولأنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ على سَبِيلِ المُعاوَضَةِ، فكانت أضْعَفَ في اسْتِتْباعِ الفِطْرَةِ مِن النَّفَقَةِ الواجِبَةِ على سَبِيلِ الصِّلَةِ؛ لأنَّ وُجُوبَ [العِوَضِ المُقَدَّرِ لا يَقْتَضِى وُجُوبَ](3) زِيادَةٍ عليه يَتَصَدَّقُ بها عنه، ولذلك لم تَجِبْ فِطْرَةُ الأجِيرِ المَشْرُوطِ نَفَقَتُه، بخلافِ القَرابَةِ، فإنَّها كما اقْتَضَتْ صِلَتَه بالإنْفاقِ عليه، اقْتَضَتْ صِلَتَه بتَطْهِيرِه بإخْراجِ الفِطْرَةِ عنه. واللَّه أعلمُ.
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في صلة الرحم، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 393. والنسائى، في: باب تفسير الصدقة عن ظهر غنى، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 47. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 251، 471.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: م.