الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ إِخْرَاجَ الزَكَاةِ
لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقتِ وُجُوبِهَا مَعَ إِمكَانِهِ إِلَّا لِضَرَرٍ؛ مِثْلَ أَنْ يَخشَى رُجُوعَ السَّاعِى عَلَيْهِ، وَنحْوَ ذَلِكَ.
ــ
بابُ إِخْراجَ الزَّكاةِ
(لا يَجُوزُ تَأخِيرُه عن وَقْتِ وُجُوبِها مع إمْكانِه إلَّا لضَرَرٍ؛ مثلَ أن يَخْشَى رُجُوعَ السّاعِى عليه أو نحوَ ذلك) الزكاةُ واجِبَةٌ على الفَوْرِ، فلا يجوزُ تَأْخِيرُ إخْراجِها مع القُدْرَةِ عليه، إذا لم يَخْشَ ضَرَرًا. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: له التَّأْخِيرُ ما لِم يُطالَبْ؛ لأنَّ الأمْرَ بأدائِها مُطْلَقٌ، فلا يَتَعَيَّنُ الزَّمَنُ الأوَّلُ (1) للأداءِ دُون غيرِه، كما لا يَتَعَيَّنُ المكانُ. ولَنا، أنَّ الأمْرَ المُطْلَقَ يَقْتَضِى الفَوْرَ، على ما يُذكَرُ في مَوْضِعِه، ولذلك يَستَحِقُّ مُؤَخِّرُ الامْتِثالِ العِقابَ، بدَلِيلِ أنَّ اللَّه تعالى أخْرَجَ إبْلِيسَ، وسَخِط عليه بامْتِناعِه مِن السُّجُودِ. ولو أنَّ رُجُلًا أمَرَ عَبْدَه أن يَسْقِيَه فأخَّرَ ذلك،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ، ولأنَّ جَوازَ التَّأْخِيرِ يُنافِى الوُجُوبَ، لكَوْنِ الواجِبِ ما يُعاقَبُ على تَرْكِه، ولو جاز التَّأْخِيرُ، لجاز إلى غيرِ غايَةٍ، فتَنْتَفِى العُقُوبَةُ بالتَّرْكِ. ولو سَلَّمْنا أنَّ مُطْلَقَ الأمْرِ لا يَقْتَضِى الفَوْرَ، لاقْتَضاه في مَسْألَتِنا، إذ لو جاز التَّأْخِيرُ ههُنا لَأخّرَه بمُقْتَضَى طَبْعِه، ثِقَةً منه بأنَّه لا يَأْثَمُ بالتَّأْخِيرِ، فيَسْقُطُ عنه بالمَوْتِ، أو بتَلَفِ مالِه، أو بعَجْزِه عن الأداءِ، فيَتَضَرَّر الفُقَراءُ، ولأنَّ ههُنا قرِينَةً تَقْتَضِى الفَوْرَ، وهو أنَّ الزكاةَ وَجَبَتْ لحاجَةِ الفُقَراءِ، وهى ناجزَةٌ، فيَجِبُ أن يكونَ الوُجُوبُ ناجِزًا، ولأنَّها عِبادَةٌ تَتَكَرَّرُ، فلم يَجُزْ تَأْخِيرُها إلى وقْتِ وُجُوبِ مثلِها، كالصلاةِ والصومِ. قال الأثْرَمُ: سمعتُ أَبا عبدِ اللَّه يُسْألُ عن الرَّجل يَحُولُ الحَوْلُ على مالِه، فيُؤَخِّرُ عن وقتِ الزكاةِ؟ فقال: لا، ولِمَ يُؤَخِّرُ إخْراجَها؟ وشَدَّدَ في ذلك. قِيلَ: فابْتَدَأ في إخْراجِها، فجَعَلَ يُخْرِجُ أوَّلًا فأوَّلًا. فقال: لا، بل يُخْرِجُها كلَّها إذا حال الحَوْلُ. فأمّا إن كان يَتَضَرَّرُ بتَعْجِيل الإِخْراجِ، مثلَ أن يَخْشَى إن أخْرَجَها بنَفْسِه أخَذَها السّاعِى منه مَرَّةً أُخْرَى، فله تَأْخِيرُها. نَصَّ عليه أحمدُ. وكذلك إن خَشِى في إخراجِها ضَرَرًا في نَفْسِه، أو مالٍ له سِواها، فله تَأْخِيرُها؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (1). ولأنَّه إذا جاز تَأْخِيرُ دَيْنِ الآدَمِىِّ لذلك (2)، فتَأْخِيرُ الزكاةِ أوْلَى.
(1) تقدم تخريجه في 6/ 368.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن أخَّرَها ليَدْفَعَها إلى مَن هو أحَقُّ بها، مِن ذى قَرابَةٍ، أو حاجَةٍ شَدِيدَةٍ، فإن كان شيئًا يَسِيرًا فلا بَأْسَ، وإن كان كَثِيرًا لم يَجُزْ. قال أحمدُ: لا يُجَزِّئُ على أقْرَابِه مِن الزكاةِ في كلِّ شَهْرٍ. يَعْنِى لا يُؤَخِّرُ إخْراجَها حتَّى يَدْفَعَها إليهم مُفَرَّقَةً، في كلِّ شَهرٍ شيئًا، فأمّا إن عَجَّلَها فَدَفَعَها إليهم أو (1) إلى غيرِهم مُفَرَّقَةً أو مَجْمُوعَةً، جاز؛ لأنَّه لم يُؤَخِّرْها عن وَقْتِها، وكذلك إن كانت عندَه أمْوالٌ أحْوالُها مُخْتَلِفَةٌ، مثلَ أن يكونَ عندَه نِصابٌ، وقد اسْتَفادَ في أثْناءِ الحَوْلِ مِن جِنْسِه، لم يَجُزْ تَأْخِيرُ الزكاةِ ليَجْمَعَها كلَّها؛ لأنَّه يُمْكِنُه جَمْعُها بتَعْجِيلِها في أوَّلِ واجِبٍ منها.
(1) في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن أخْرَجَ الزكاةَ، فضاعَتْ قبلَ دَفْعِها إلى الفَقِيرِ، لم تَسْقُطْ عنه. وهذا قولُ الزُّهْرِىِّ، وحَمّادٍ، والثَّوْرِىِّ، وأبى عُبَيْدٍ، والشافعىِّ، إلَّا أنَّه قال: إن لم يكنْ فَرَّطَ في إخراجِ الزكاةِ، وفى حِفْظِ ذلك المُخْرَجِ