الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا أَمِينًا، مِنْ غَيْرِ ذَوِى الْقُرْبَى، وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَلَا فَقْرُهُ. وَقَالَ الْقَاضِى: لَا يُشْتَرَطُ إِسْلَامُهُ، وَلَا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِى الْقُرْبَى.
ــ
994 - مسألة: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا أَمِينًا، مِنْ غَيْرِ ذَوِى الْقُرْبَى، وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَلَا فَقْرُهُ. وَقَالَ الْقَاضِى: لَا يُشْتَرَطُ إِسْلَامُهُ، وَلَا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِى الْقُرْبَى)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مِن شَرْطِ العامِلِ أن يكونَ بالِغًا عاقِلًا أمِينًا؛ لأنَّ ذلك ضَرْبٌ مِن الوِلايَةِ، والوِلايةُ يُشْتَرطُ ذلك فيها، ولأنَّ الصَّبِىَّ والمَجْنُونَ لا قَبْضَ لهما، والخائِنَ يَذْهَبُ بمالِ الزَّكاةِ ويُضَيِّعُه. ويُشْتَرَطُ إسْلامُه. اخْتارَه شيخُنا (1)، وأبو الخَطّابِ. وذَكَر الخِرَقِىُّ، والقاضى، أنَّه لا يُشْتَرَطُ إسْلامُه؛ لأَنَّه إجارَةٌ على عَمَلٍ، فجازَ أن يَتَولَّاه الكافِرُ، كجِبايَةِ الخَراجِ. وقِيلَ عن أحمدَ في ذلك رِوايتان.
(1) في: المغنى 9/ 313.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولَنا، أنَّه يُشْتَرَطُ له الأمانَةُ، فاشْتُرِطَ له الإِسْلامُ، كالشَّهادَة، ولأنَّه وِلايَةٌ على المُسْلِمِين، فاشْتُرِطَ لها الإسْلامُ، كسائِرِ الوِلاياتِ، ولأنَّ الكافِرَ ليس بأمِينٍ، ولهذا قال عُمَرُ: لا تَأْمَنُوهم وقد خَوَّنَهم اللَّهُ. وأَنْكَرَ على أبى مُوسى تَوْلِيَةَ الكِتابَةِ نَصْرَانِيًّا (1). فالزكاةُ التى هى رُكْنُ الإِسْلامِ أوْلَى. ويُشْتَرَطُ كَوْنُه مِن غيرِ ذَوِى القُرْبَى، إلَّا أن تُدْفَعَ إليه أُجْرَتُه مِن غيرِ الزَّكاةِ. وقال أصحابُنا: لا يُشْتَرَطُ؛ لأنَّها إجْرَةٌ على عَمَلٍ تَجُوزُ للغَنِىِّ، فجازَتْ لذَوِى القُرْبَى، كأُجْرَةِ النَّقَّالِ. وهذا أحَدُ الوَجْهَيْن لأصحابِ الشافعىِّ. ولَنا، أنَّ الفَضْلَ بنَ عباسٍ والمُطَّلِبَ بنَ رَبِيعَةَ بنِ الحارِثِ سَألا النبىَّ صلى الله عليه وسلم أن يَبْعَثَهما على الصَّدَقَةِ، فأبَى أن يَبْعَثَهما، وقال:«إنَّمَا هَذِهِ الصَّدَقَةُ أوْسَاخُ النَّاسِ، وَإنَّهَا لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لآلِ مُحَمَّدٍ» (2). وهذا ظاهِرٌ في تَحْرِيمِ أخْذِهم لها عِمالةً، فلا تَجوزُ مُخالَفَتُه. ويُفارِقُ النَّقَّالَ والحَمَّالَ،
(1) أخرجه البيهقى، في: باب لا ينبغى للقاضى ولا للوالى. . .، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى 10/ 127.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب ترك استعمال آل النبى صلى الله عليه وسلم على الصدقة، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 752 - 754. وأبو داود، في: باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوى القربى، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 133. والنسائى، في: باب استعمال آل النبى صلى الله عليه وسلم على الصدقة، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 80. والإمام مالك، في: باب ما يكره من الصدقة، من كتاب الصدقة. الموطأ 2/ 1000. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 166.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّه يَأْخُذُ أُجْرَةً لحَمْلِه لا لعِمالَتِه. ولا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُه؛ لأنَّ العَبْدَ يَحْصُلُ منه المَقْصُودُ، فأشْبَهَ الحُرَّ. ولا كَوْنُه فَقِيهًا إذا كُتِبَ له ما يَأْخُذُه، وحُدَّ له، كما كَتَب النبىُّ صلى الله عليه وسلم لعُمّالِه فَرائِضَ الصَّدَقَةِ، وكذلك كَتَب أبو بكرٍ لعُمالِه، أو بَعَث معه مَن يُعَرِّفُه ذلك. ولا يُشْتَرَطُ كَوْنُه فَقِيرًا؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَل العامِلَ صِنْفًا غيرَ الفُقراءِ والساكِينِ، فلا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَعْناهما فيه كما لا يُشْتَرَطُ مَعْناه قيهما، وقد رُوِى عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِىٍّ، إلَّا لِخَمْسَةٍ؛ لغَازٍ في سَبِيلِ اللَّهِ، أوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أوْ لِغَارِمٍ، أوْ لِرَجُلٍ ابْتَاعَهَا بِمَالِه، أوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جارٌ (1) مِسْكِينٌ فتُصُدِّقَ عَلَى المِسْكِينِ، فَأهْدَى المِسْكِينُ إلَى الغَنِىِّ» . رَواه أبو داودَ (2). وذَكَر أصحابُ الشافعىِّ أنَّه تُشْتَرَطُ الحُرِّيَّةُ؛ لأنَّه وِلايةٌ، فنافاها الرِّقُّ، كالقَضاءِ، ويُشْتَرَطُ الفِقْهُ؛ ليَعْلَمَ قَدْرَ الواجبِ وصِفَتَه. ولَنا، ما ذَكَرْنا، ولا نُسَلِّمُ مُنافاةَ الرِّقِّ للوِلاياتِ الدِّيِنيَّةِ، فإنَّه يَجُوزُ أَنْ يكونَ إمامًا في الصَّلاةِ، ومُفْتِيًا، وراوِيًا للحديثِ،
(1) في م: «رجل» .
(2)
في: باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غنى، من باب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 380؛ كما أخرجه ابن ماجه، في: باب من تحل له الصدقة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 590. والإمام مالك، في: باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 268. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 56.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وشاهِدًا، وهذه مِن الوِلاياتِ الدِّينيَّةِ. وأمّا الفِقْهُ فإنَّما يَحْتاجُ إليه في مَعْرِفَةِ ما يَأْخُذُه ويَتْرُكُه، ويَحْصُلُ ذلك بالكتابةِ له كما فَعَل النبىُّ صلى الله عليه وسلم وصاحِبُه، رَضِىَ اللَّهُ عنه.
فصل: ذَكَر أبو بكرٍ في «التَّنْبِيهِ» في قَدْرِ ما يُعْطىَ العامِلُ رِوايَتْين؛ إحداهما، يُعْطَى الثُّمْنَ ممّا يَجْبيه. والثانيةُ، يُعْطَى بقَدْرِ عملِه. فعلى هذه الرِّوايَةِ يُخَيَّرُ الإِمامُ بينَ أن يَسْتَأْجَرَ العامِلَ إجارَةً صَحِيحَةً، بأَجْرٍ معلومٍ، إمّا على عملٍ معلومٍ، أو مُدَّةٍ معلومةٍ، من وبينَ أن يَجْعَلَ له جُعْلًا معلومًا على عَمَلِه، فإذا فَعَلَه اسْتَحَقَّ الجُعْلَ، وإن شاء بَعَثَه مِن غيرِ تَسْمِيَةٍ: ثم أعْطاه؛ فإنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: بَعَثَنِى النبىُّ صلى الله عليه وسلم على الصَّدَقَةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلمّا رَجَعْتُ عَمَّلَنِى (1)، فقلتُ: أعْطِه مَن هو أحْوَجُ إليه مِنِّى. وذكَر الحديثَ (2).
فصل: ويُعْطِى منها أُجْرَةَ الحاسِبِ والكاتِبِ والحاشِرِ والخازِنِ والحافِظِ والرّاعِى ونحوِهم؛ لأنَّهم مِن العامِلِين، ويَدْفَعُ إليهم مِن حِصَّةِ العامِلِين، فأمّا الكَيَّالُ والوَزَّانُ ليَقْبِضَ العامِلُ الزَّكاةَ فعلى رَبِّ المالِ؛ لأنَّه مِن مُؤْنَةِ دَفْعِ الزَّكاةِ.
(1) أي: أعطاني أجرة عملى.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب من أعطاه اللَّه شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس، من كتاب الزكاة. صحيح البخارى 2/ 152، 153. ومسلم، في: باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير مسألة ولا إشراف، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 723. وأبو داود، في: باب في الاستعفاف، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 383. والنسائى، في: باب من آتاه اللَّه عز وجل مالًا من غير مسألة، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 77. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 17، 40، 52، 2/ 99.