الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابِعُ، الْمُؤلَّفَةُ قُلُوبُهُم؛ وَهُمُ السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ في عَشَائِرِهِمْ مِمَّنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ، أَوْ يُخْشى شَرُّهُ، أَوْ يُرْجى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إِيمَانِهِ، أَو إِسْلَامُ نَظِيرِهِ، أو جِبَايَةُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا، أَوِ الدَّفْعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ. وَعَنْهُ،
ــ
الصَّدَقَةَ، فلمّا جاءَ قِيلَ له: أين المالُ؟ قال: أوَ للمالِ بَعَثْتَنِى! أخَذْناها كما كنَّا نَأْخُذُها على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ووَضَعْناها حيثُ كُنّا نَضَعُها على عهدِ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَواه أبو داودَ (1). وعن أبى جُحَيْفَةَ، قال: أتانا مُصَدِّقُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فأخَذَ الصَّدَقَةَ مِن أغْنِيائِنا، فوَضَعَها في فُقَرائِنا، وكنتُ غُلامًا يَتيمًا فأعْطانِى منها قَلُوصًا (2). أخْرَجَه التِّرمِذِىُّ (3).
996 - مسألة: (الرَّابِعُ، الْمُؤلَّفَةُ قُلُوبُهُم؛ وَهُمُ السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ في عَشَائِرِهِمْ مِمَّنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ، أَوْ يُخْشى شَرُّهُ، أَوْ يُرْجى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إِيمَانِهِ، أَو إِسْلَامُ نَظِيرِهِ، أو جِبَايَةُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا، أَوِ الدَّفْعُ عَنِ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 173.
(2)
القلوص من الإبل: الفتية المجتمعة الخلق.
(3)
في: باب ما جاء أن الصدقة تؤخذ من الأغنياء فترد في الفقراء، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 148.
أَنَّ حُكْمَهُمُ انْقَطَعَ.
ــ
المسلمين. وعنه، أنَّ حُكْمَهم انْقَطعَ) المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهم قِسْمان؛ كُفّارٌ ومُسْلِمون، وهم جميعًا السّادَةُ المُطاعُون في عشائِرِهم كما ذَكَر. فالكُفّارُ ضَرْبان، أَحَدُهما، مَن يُرْجَى إسْلامُه، فيُعْطى لتَقوَى نِيَّتُه في الإِسْلامِ، وتَمِيلَ نَفْسُه إليه، فيُسْلِمَ؛ فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم يومَ فَتْحِ مَكَّةَ أعْطى صَفْوانَ بنَ أُمَيَّةَ الأمانَ، واسْتَصْبَرَهُ صَفْوانُ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ ليَنْظُرَ في أمْرِه، وخَرَج معه إلى حُنَيْنٍ، فلمّا أعْطَىَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم العَطايا قال صفوانُ: مالِى؟ فأوْمأ النبىُّ صلى الله عليه وسلم إلى وادٍ فيه إبِل مُحَمَّلَةٌ، فقال:«هَذَا لَكَ» . فقال صَفْوانُ: هذا عَطاءُ مَن لا يَخْشَى الفَقْرَ (1). والضَّرْبُ الثَّانِى، مَن يُخْشَى شَرُّه، فيرجَى بعَطِيَّتِه كَفُّ شَرِّه، وكَفُّ شَرِّ غيرِه معه. فرَوَى ابنُ عباسٍ، أنَّ قَوْمًا كانوا يَأْتُونَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فإن أعْطاهم مَدَحُوا الإسْلامَ، وقالوا: هذا دِينٌ حَسَنٌ. وإن مَنَعَهم ذمُّوا وعابُوا (2). وقال أبو حنيفةَ:
(1) أخرجه بنحوه مسلم، في: باب ما سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئًا قط، فقال: لا. وكثرة عطائه، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم 4/ 1806. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 108، 175، 259، 284.
(2)
أخرجه ابن جرير في تفسيره 14/ 313.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انْقطَعَ سَهْمُ هؤلاء. وهو أحدُ أقْوالِ الشافعىِّ؛ لِما رُوِى أنَّ مُشركًا جاء يَلْتَمِسُ مِن عُمَرَ مالًا فلم يُعْطِه، وقال:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (1). ولأنَّه لم يُنْقَلْ عن عُثْمانَ ولا علىٍّ أنَّهم أعْطَوْهم شيئًا مِن ذلك، ولأنَّ اللَّهَ تعالى أظْهَرَ الإِسْلامَ وقَمَع المُشْرِكِين، فلا حاجَةَ بنا إلى التَّأْلِيفِ عليه. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (2). وهذه الآيةُ في سورةِ بَراءة، وهى مِن آخِرِ ما نَزَل مِن القرآنِ، وقد ثَبَت أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أعْطى المُؤَلَّفَةَ مِن المُشْرِكِين والمسلمين (3). وأعْطى أبو بكرٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عَدِىَّ بنَ حاتمٍ، حينَ قَدِم عليه مِن الصَّدَقَةِ بثلاِثمائةِ جَمَلٍ، ثَلاثين بَعِيرًا (4). ومُخالَفَةُ كتابِ اللَّهِ تعالى، وسُنَّةِ رسولِه،
(1) سورة الكهف 29.
وأخرجه ابن جرير بنحوه في تفسيره 14/ 315.
(2)
سورة التوبة 60.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب قوله: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} ، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 6/ 84. ومسلم، في: باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام. . .، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 738. والترمذى، في: باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 171. والنسائى، في: باب المؤلفة قلوبهم، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 65.
(4)
أخرجه البيهقى عن الشافعى بدون إسناد. السنن الكبرى 9/ 17، 20. وانظر إرواء الغليل 3/ 370.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واطِّراحُهما بلا حُجَّةٍ لا يجوزُ، ولا يَثْبُتُ النَّسْخُ بتَرْكِ عُمَرَ وعثمانَ وعلىٍّ إعْطاءَهم، ولَعَلَّهم لم يَحْتاجُوا إليه (1) فتَرَكُوا ذلك لعَدَمِ الحاجَةِ إلى إعْطائِهم، لا لسُقُوطِ سَهْمِهم، ومثلُ هذا لا يَثْبُتُ به النَّسْخُ. واللَّهُ أعلمُ. وأمّا المسلمون فأرْبَعَةُ أضْرُبٍ؛ قومٌ بِن ساداتِ المسلمين لهم نُظرَاءُ مِن الكُفّارِ، أو مِن المسلمين الذين لهم نِيَّةٌ حَسَنَةٌ في الإِسْلامِ، فإذا أُعْطُوا رُجِىَ إسْلامُ نُظرَائِهم وحُسْنُ نِيّاتِهم، فيجوزُ إعْطاوهم؛ لأنَّ أبا بكرٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أعْطَى عَدِىَّ بنَ حاتم، والزِّبْرِقانَ بنَ بَدْرٍ، مع حُسْنِ نِيَّاتِهما وإسْلَامِهما. الضَّرْبُ الثَّانِى، ساداتٌ مُطاعُون في قَوْمِهم، يُرْجَى بعَطِيَّتِهم قُوَّةُ إيمانِهم، ومُناصَحَتُهم في الجِهادِ، فيُعْطَوْن؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أعْطَى عُيَيْنَةَ بنَ حِصْنٍ، والأقْرَعَ بنَ حابِسٍ، وعَلْقَمَةَ بنَ عُلَاثةَ، والطُّلقَاءَ مِن أهْلِ مَكةَ، وقال للأنْصارِ:«يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ عَلى مَا تَأْسَوْنَ؟ عَلَى لُعَاعَةٍ مِن الدُّنْيَا تَأْلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لَا إيمَانَ لَهُمْ، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إيِمَانِكُمْ» (2). وروَى البخارىُّ (3)، عن عَمْرو بنِ تَغْلِبَ، أنَّ النبىَّ
(1) في م: «لهم» .
(2)
أخرجه مسلم، في: باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام. . .، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 738، 739. والنسائى، في: باب المؤلفة قلوبهم، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 65.
(3)
في: باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، من كتاب الجمعة، وفى: باب ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم من الخمر ونحوه. . .، من كتاب الخمس، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. . .} ، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 2/ 13، 4/ 114، 9/ 191.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 69.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم أعْطَى ناسًا وتَرَكَ ناسًا، فبَلَغَه عن الذين تَرَك أنَّهم عَتَبُوا، فصَعِدَ المِنْبَرَ فحَمِدَ اللَّهَ وأثْنَى عليه، ثم قال:«إنِّى أُعْطِى نَاسًا لِمَا في قُلُوبِهِم مِن الجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ نَاسًا إلى ما في قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنَى والْخَيْرِ؛ مِنْهُمْ عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ (1)» . وعن أَنَسٍ، قال: حينَ أفاءَ اللَّهُ على رسولِه أمْوالَ هَوازِنَ، طَفِقَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِى رِجالًا مِن قُرَيْشًا مائةً مِن الإبِلِ، فقال ناسٌ مِن الأنْصارِ: يَغْفِرُ اللَّهُ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُعْطِى قُرَيْشًا ويَمْنَعُنَا، وسُيُوفُنا تَقْطُرُ مِن دِمائِهم. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنِّى أُعْطِى رِجَالًا حَدِيْثِى عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُم» . مُتَّفَقٌ عليه (2). الضَّرْبُ الثالثُ، قومٌ في طَرَفِ بلادِ الإِسْلامِ، إذا أُعْطُوا دَفَعُوا عمَّن يَلِيهم مِن المسلمين. الضَّرْبُ الرابعُ، قَوْمٌ إذا اعْطُوا جَبَوُا الزَّكاةَ مِمّن لا يُعْطِيها إلَّا أن يَخافَ. فكلُّ هؤلاء يجوزُ الدَّفْعُ إليهم مِن الزَّكاةِ، لأنَّهم مِن المُؤلَّفَةِ قُلُوبُهم، فيَدْخُلُون في عُمُومِ
(1) في الأصل: «ثعلب» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم من الخمس ونحوه، من كتاب الخمس. صحيح البخارى 4/ 114. ومسلم، في: باب إعطاء المؤلفة ومن يخاف على إيمانه، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 733 - 737.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 166.