الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَرِيضُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ، وَالْمُسَافِرُ، اسْتُحِبَّ لَهُمَا الْفِطْرُ، فَإِنْ صَامَا أَجزَأَهُمَا.
ــ
القَضاءُ؛ لأنَّ الإِطْعامَ بَدَلُ إياسٍ، وقد بَيَّنّا ذَهابَ الإِياسِ، فأشْبَهَ مَن اعْتَدَّت بالشُّهُورِ عندَ اليَأْسِ مِن الحَيْضِ، فيما إذا ارْتَفَع حَيْضُها لا تَدْرِى ما رَفَعَه، ثم حاضَتْ.
1048 - مسألة: (والمَرِيضُ إذا خاف الضَّرَرَ، والمُسافِرُ، اسْتُحِبَّ لهما الفِطْرُ، فإن صاما أجْزَأهما)
أجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على إِباحَةِ الفِطْرِ للمَرِيضِ في الجُمْلَةِ. والأصْلُ فيه قَوْلُه تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . والمَرَضُ المُبِيحُ للفِطْرِ هو الذى يَزِيدُ بالصومِ، أو يُخْشَى تَباطُؤُ بُرْئِه. قِيلَ لأحمدَ: متى يُفْطِرُ المَرِيضُ؟ قال: إذا لم يَسْتَطِعْ. قيل: مِثْلُ الحُمَّى؟ قال: وأىُّ مَرَضٍ أشَدُّ مِن الحُمَّى! وحُكِىَ عن بعضِ السَّلَفِ، أنَّه أباحَ الفِطْرَ بكلِّ مَرَضٍ، حتى مِن وَجَعِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإِصْبَعِ والضِّرْسِ؛ لعُمُومِ الآيَةِ، ولأنَّ المُسافِرَ يُباحُ له الفِطْرُ مِن غيرِ حاجَةٍ إليه، فكذلك المَرِيضُ. ولَنا، أنَّه شاهِدٌ للشَّهْرِ، لا يُؤْذِيه الصومُ، فلَزِمَه، كالصَّحِيحِ، والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ في المُسافِرِ والمَرِيضِ جَمِيعًا؛ بدَلِيلِ أنَّ المُسافِرَ لا يُباحُ له الفِطْرُ في السَّفَرِ القَصِيرِ، والفَرْقُ بينَ المُسافِرِ والمَرِيضِ، أنَّ السَّفَرَ اعْتُبِرَت فيه المَظِنَّةُ، وهو السَّفَرُ الطَّوِيلُ، حيثُ لم يُمْكِنِ اعْتِبارُ الحِكْمَةِ بنَفْسِها، فإنَّ قَلِيلَ المَشَقَّةِ لا يُبِيحُ، وكَثِيرُها لا ضابِطَ له في نَفْسِه، فاعْتُبِرَت بمظِنَّتِها، وهو السَّفَرُ الطَّوِيلُ، فدارَ الحُكْمُ مع المَظِنَّةِ وُجُودًا وعَدَمًا، والمَرَضُ لا ضابِطَ له؛ فإنَّ الأمْراضَ تَخْتَلِفُ؛ منها ما يَضُرُّ صاحِبَه الصومُ، ومنها ما لا أثَرَ للصومِ فيه، كوَجَعِ الضِّرْسِ، وجُرْحٍ في الإِصْبَعِ، والدُّمَّلِ، والجَرَبِ، وأشْباهِ ذلك، فلم يَصْلُحِ المَرَضُ ضابِطًا، وأمْكَنَ اعْتِبارُ الحِكْمَةِ، وهو ما يُخافُ منه الضَّرَرُ، فوَجَبَ اعْتِبارُه بذلك. إذا ثَبَت هذا، فإن تَحَمَّلَ المَرِيضُ وصام مع هذا، فقد فَعَل مَكْرُوهًا؛ لِما يَتَضَمَّنُه مِن الإِضْرارِ بنَفْسِه، وتَرْكِه تَخْفِيفَ اللَّهِ وقَبُولَ رُخْصَتِه، ويَصِحُّ صومُه، ويُجْزِئه؛ لأنَّه عَزِيمَةٌ أُبِيحَ تَرْكُها رُخْصَةً، فإذا تَحَمَّلَه أجْزَأه، كالمَرِيضِ الذى يُباحُ له تَرْكُ الجُمُعَةِ إذا حَضَرَها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والصَّحِيحُ الذى يَخْشَى المَرَضَ بالصيامِ، كالمَرِيضِ الذى يَخافُ زِيادَةَ المَرَضِ في إباحَةِ الفِطْرِ؛ لأنَّ المَرِيضَ إنَّما أُبِيحَ له الفِطْرُ خَوْفًا مِمّا يَتَجَدَّدُ بصِيامِه مِن زِيادَةِ المَرَضِ وتَطاوُلِه، فالخَوْفُ مِن تَجَدُّدِ المَرَضِ في مَعْناه. قال أحمدُ، في مَن به شَهْوَةٌ غالِبَةٌ للجِماعِ، يَخافُ أن تَنْشَقَّ أُنْثَياه: فله الفِطْرُ. وقال في الجارِيَةِ: تَصُومُ إذا حاضَتْ، فإن جَهَدَها الصومُ فلْتُفْطِرْ، ولْتَقْضِ. يَعْنِى إذا حاضَتْ وهى صَغِيرَةٌ. قال القاضى: هذا إذا كانتْ تَخافُ المَرَضَ بالصِّيامِ، يُباحُ لها الفِطْرُ، وإلَّا فلا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن أُبِيحَ له الفِطْرُ لشِدَّةِ شَبَقِه، إن أمْكَنَه اسْتِدْفاعُ الشَّهْوَةِ بغيرِ الجِماعِ، كالاسْتِمْناءِ بيَدِه، أو يَدِ امْرأَتِه أو جارِيَتِه، لمِ يَجُزْ له الجِماعُ؛ لأنَّه أفْطَرَ للضَّرُورَةِ، فلم يُبَحْ له الزِّيادةُ على ما تنْدَفِعُ به. الضَّرُورَةُ، كأكْلِ المَيْتَةِ عندَ الضَّرُورَةِ. فإن جامَعَ فعليه الكَفّارَةُ. وكذلك إن أمْكَنَه دَفْعُها بما لا يُفْسِدُ صومَ غيرِه، كوطْءِ زَوْجَتِه أو أَمَتِه الصَّغِيرَةِ أو الكِتابِيَّةِ، أو المُباشَرَةِ للكَبِيرَةِ المُسْلِمَةِ دُونَ الفَرْجِ، أو الاسْتِمْناءِ بِيَدِها أو بِيَدِه، لم يُبَحْ له إفْسادُ صَوْمِ غيرِه؛ لأنَّ الضَّرُورَةَ إذا انْدَفَعَتْ لم يُبَحْ ما وَراءَها، كالشِّبَعِ مِن المَيْتَةِ إذا انْدَفَعَتِ الضَّرُورَةُ بسَدِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّمَقِ. وإن لم تَنْدَفِعِ الضَّرُورَةُ إلَّا بإفْسادِ صومِ غيرِه، أُبِيحَ ذلك؛ لأنَّه مِمّا تَدْعُوِ الضَّرُورَةُ إليه، فأُبِيحَ، كفِطْرِه، وكالحامِلِ، والمُرْضِعِ يُفْطِران خوْفًا على وَلَدَيْهما. فإن كان له امْرَأَتان، حائِضٌ، وطاهِرٌ صائِمَةٌ، وَدَعَتْه الضَّرُورَةُ إلى وَطْءِ إحْداهما، احْتَمَلَ وَجْهيْن؛ أحَدُهما، وَطْءُ الصائِمَةِ أَوْلَى؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى نَصَّ على النَّهْى عن وَطْءِ الحائِضِ في كتابِه. والثّانِى، يَتَخَيَّرُ؛ لأنَّ وَطْءَ الصائِمَةِ يُفْسِدُ صِيامَها، فتَتَعارَضُ المَفْسَدَتان، ويَتَساوَيان.
فصل: وحُكْمُ المُسافِرِ حُكْمُ المَرِيضِ، في إباحَةِ الفِطْرِ وكَراهِيَةِ الصومِ، وإجْزائِه إذا فَعَلَه. وإباحَةُ الفِطْرِ للمُسافرِ ثابِتَةٌ بالنَّصِّ، والإِجْماعِ؛ وأكْثَرُ أهلِ العِلْمِ على أنَّه إن صام أجْزَأه. ورُوِىَ عن أبى هُرَيْرَةَ، أنّه لا يَصِحُّ صومُ المُسافِرِ. قال أحمدُ: عُمَرُ، وأبو هُرَيْرَةَ يَأْمُرانِه بالإِعادَةِ. وروَى الزُّهْرِىُّ عن أبى سَلَمَةَ، عن أبيهِ عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه قال: الصائِمُ في السَّفَرِ كالمُفْطِرِ في الحَضَرِ (1). وهو قولُ بعضِ أهلِ الظّاهِرِ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ولأَنَّه عليه السلام أفْطَرَ في السَّفَرِ، فلمَّا بَلَغَه أنَّ قَوْمًا صامُوا، قال:«أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» (3). ورَوَى ابنُ ماجه (4)، بإسْنادِه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«الصَّائِمُ في رَمَضَانَ في السَّفَرِ، كَالمُفْطِرِ في الْحَضَرِ» . وعامَّةُ أهلِ العِلْمِ على خِلافِ هذا القولِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: هذا قولٌ يُرْوَى عن عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ، هَجَرَه الفُقَهاءُ كلُّهم، والسُّنَّةُ تَرُدُّه، وحُجَّتُهم ما رُوِى عن حَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِىِّ،
(1) أخرجه النسائى موقوفا، في: باب ذكر قوله: «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» ، من كتاب الصوم. المجتبى 4/ 154.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر. . .، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 44. ومسلم، في: باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 774.
كما أخرجه أبو داود، في: باب اختيار الفطر، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 561. والترمذى، في: باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 231. والنسائى، في: باب ما يكره من الصيام في السفر، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 146 - 148. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الإفطار في السفر، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 532. والدارمى، في: باب الصوم في السفر، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 9. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 299، 317، 319، 352، 399، 5/ 434.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 232. والترمذى، في: كتاب ما جاء في كراهية الصوم في السفر. من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 230. والنسائى، في: باب ذكر اسم الرجل، من كتاب الصوم. المجتبى 4/ 148.
(4)
في: باب ما جاء في الإفطار في السفر، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 532.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه قال للنبىِّ صلى الله عليه وسلم: أصُومُ في السَّفَرِ؟ وكان كَثِيرَ الصيامِ، قال:«إنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وفى لَفْظٍ رَواه النَّسائِىُّ، أنَّه قال للنبىِّ صلى الله عليه وسلم: أجِدُ قُوَّةً على الصيامِ في السَّفَرِ، فهل عَلَىَّ جُناحٌ؟ قال:«هِىَ رُخْصَةٌ، فَمَنْ أخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أحَبَّ أنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» . وقال أنَسٌ: كُنّا نُسافِرُ مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلم يَعِبِ الصائِمُ على المُفْطِرِ، ولا المُفْطِرُ على الصائِمِ. مُتَّفقٌ عليه (2). وأحاديثُهم مَحْمُولَةٌ على تَفْضِيلِ الفِطْرِ على الصيامِ.
فصل: والفِطْرُ في السَّفَرِ أفْضَلُ، وهو مَذْهَبُ ابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، والشَّعْبِىِّ، والأوْزاعِىِّ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعىُّ: الصومُ أفْضَلُ لمَن قَوِىَ عليه. يُرْوى ذلك
(1) أخرجه البخارى، في: باب الصوم في السفر والإفطار، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 43. ومسلم، في: باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 789، 790.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الصوم في السفر، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 560. والنسائى، في: باب الصيام في السفر، وباب ذكر الاختلاف على عروة في حديث حمزة فيه، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 156، 157، 158. والترمذى، في: باب ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 232. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الصوم في السفر، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 531. والدارمى، في: باب الصوم في السفر، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 8. والإمام مالك، في: باب ما جاء في الصيام في السفر، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 259. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 46، 193، 202، 207.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب لم يعب أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا في الصوم والإفطار، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 44. ومسلم، في: باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان. . .، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 787. كما أخرجه الإمام مالك، في: باب ما جاء في الصيام في السفر، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 295.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن أنَسٍ، وعثمانَ بنِ أبى العاصِ؛ لِما روَى سَلَمَةُ بنُ المُحَبَّقِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«مَنْ كَانَتْ لَهُ حَمُولَةٌ تَأْوِى إلَى شِبَعٍ، فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أدْرَكَهُ» . رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّ مَن خُيِّرَ بينَ الصومِ والفِطْرِ، كان الصومُ أفْضَلَ، كالتَّطَوُّعِ. وقال عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: أفْضَلُ الأمْرَيْن أيْسَرُهما؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (2). ولِما روى أبو داودَ، عن حَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو، قال: قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّى صاحِبُ ظَهْرٍ، أُعالِجُه وأُسافِرُ عليه، وأكْرِيه، وإنَّه رُبَّما صادَفَنِى هذا الشَّهْرُ، يَعْنِى رمضانَ، وأنا أجِدُ القُوَّةَ، وأنا شابٌّ، وأجِدُنِى أن أصومَ، يا رسولَ اللَّهِ، أهْوَنَ عَلَىَّ مِن أن أُؤَخِّرَ، فيَكونَ دَيْنًا عَلَىَّ، أفأَصُومُ يا رسولَ اللَّه أعْظَمُ لأجْرِى، أو أُفْطِرُ؟ قال:«أىَّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ» (3). ولَنا، ما تَقَدَّمَ مِن الأخْبارِ في الفَصْلِ الذى قبلَه،
(1) في: باب من اختار الصيام، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 562.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 476.
(2)
سورة البقرة 185.
(3)
انظر تخريجه المتقدم بتمامه في الصفحة السابقة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورُوِىَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«خَيْركُمُ الَّذِى يُفْطِر في السَّفَرِ وَيَقْصُرُ» (1). ولأنَّ فيه خُرُوجًا مِن الخِلافِ، فكان أفْضَلَ، كالقَصْرِ. وقِياسُهم يَنْتَقِضُ بالمَرِيضِ، وبصومِ الأيّامِ المَكْرُوهِ صومُها.
فصل: وإنَّما يُباحُ الفِطْرُ في السَّفَرِ الطَّوِيلِ الذى يُبِيحُ القَصْرَ، وقد ذَكَرْنا ذلك فيما مَضَى في الصَّلاةِ (2). ثم لا يَخْلُو المُسافِر مِن ثَلَاَثَةِ أحْوالٍ؛ أحَدُها، أن يَدْخلَ عليه شَهْرُ رمضانَ في السَّفَرِ، فلا خِلافَ في إباحَةِ الفِطْرِ له فيما نَعْلَمُ. الثّانى، أن يُسافِرَ في أثْناءِ الشَّهْرِ لَيْلًا، فله الفِطْرُ في صَبِيحَةِ الليْلَةِ التى يَخْرجُ فيَها، وما بعدَها، في قولِ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. وقال عَبِيدَةُ السَّلْمانِىُّ، وأبو مِجْلَزٍ، وسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ (3): لا يُفْطِر مَن سافَرَ بعدَ دُخُولِ، لشَّهْرِ؛ لقَوْلِه تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . وهذا شاهِدٌ. ولَنا، قَوْلُه تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . وروَى ابن عباسٍ، قال: خَرَج رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عامَ الفَتْحِ في شَهْرِ رمضانَ، فصامَ جتى بَلَغ الكَدِيدَ (4)، ثم
(1) أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب من كان يقصر الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف 2/ 449.
(2)
انظر ما تقدم في الجزء الرابع صفحة 36.
(3)
أبو أمية سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفى الكوفى، قدم المدينة حين نفضت الأيدى من دفن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح اليرموك، ثقة، توفى سنة ثمانين. تهذيب التهذيب 4/ 278، 279.
(4)
الكديد: موضع على اثنين وأربعين ميلًا من مكة. معجم البلدان 4/ 245.