الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ فِى الْفَرْجِ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، إِلَّا لِتَرْكِ نَذْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ الْقَاضِى: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ.
ــ
ووَجَبَ الاسْتِئْنافُ؛ لإِخْلالِه بالإِتْيانِ بما نَذَرَه على صِفَتِه. واللهُ أعلمُ.
1127 - مسألة: (وإن وَطِئَ المُعْتَكِفُ في الفَرْجِ، فَسَد اعْتِكافُه، ولا كَفّارَةَ عليه، إلَّا لتَرْكِ نَذْرِه. وقال أبو بَكْرٍ: عليه كَفّارَةُ يَمِين. وقال القاضِى: عليه كَفّارَةُ الظِّهارِ)
الوَطْءُ في الاعْتكافِ مُحَرَّمٌ بالإِجماعِ، والأصْلُ فيه قولُ الله تِعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} . فإنْ وَطِئَ في الفَرْجِ مُتَعَمِّدًا أفْسَدَ اعْتِكافَه بإجْماعِ أهْلِ العِلْمِ. حَكاه ابنُ المُنْذِرِ. ولأنَّ الوَطْءَ إذا حُرِّمَ في العِبادَةِ أفْسَدَها، كالحَجِّ والصومِ، وإن كان ناسِيًا أفْسَدَه أيضًا. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ. وقال الشافعىُّ: لا يَفْسُدُ؛ لأنَّها مُباشَرَةٌ لا تُفْسِدُ الصومَ، فلا تُفْسِدُ الاعتكافَ، كالمُباشَرَةِ فيما دُونَ الفَرْجِ. ولَنا، أنَّ ما حُرِّمَ في الاعتكافِ اسْتَوَى عَمْدُه وسَهْوُه في إفْسادِه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالخُرُوجِ مِن المَسْجِدِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّها لا تُفْسِدُ الصَّومَ، ولأنَّ المُباشَرَةَ دُونَ الفَرْجِ لا تُفْسِدُ الاعتكافَ، إلَّا إذا اقْتَرَنَ بها الإِنْزالُ. إذا ثَبَت هذا، فلا تَجِبُ الكَفّارَةُ بالوَطْءِ في ظاهِرِ المَذْهَبِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، وقولُ عَطاءٍ، والنَّخَعِىِّ، وأهْلِ المَدِينَةِ، ومالكٍ، وأهلِ العِراقِ، والثَّوْرِىِّ، وأهلِ الشّامِ، والأوْزاعِىِّ. ونَقَل حَنْبَلٌ عن الإِمامِ أحمدَ، أنَّ عليه كَفّارَةً. وهو قولُ الحَسَنِ، والزُّهْرِىِّ، واخْتِيارُ القاضِى؛ لأنَّها عِبادَةٌ يُفْسِدُها الوَطْءُ بعَيْنِه، فوَجَبَتِ الكَفّارَةُ بالوَطْء فيها، كالحَجِّ، وصَومِ رمضانَ. ولَنا، أنَّها عِبادَةٌ لا تَجِبُ بأصْلِ الشَّرْعِ، فلم تَجِبْ بإفْسادِها كَفّارَةٌ، كالنَّوافِلِ، ولأنَّها عِبادَةٌ لا يَدْخُلُ المالُ في جُبْرانِها، فلم تَجِبِ الكَفّارَةُ بإفْسادِها، كالصَّلاةِ، ولأنَّ وُجُوبَ الكَفّارَةِ إنَّما يَثْبُتُ بالشَّرْعِ، ولم يَرِدِ الشَّرْعُ بإيجابِها، فيَبْقَى على الأصْلِ. وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بالصلاةِ، وبالصومِ في غيرِ رمضانَ. والقِياسُ على الحَجِّ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه مُباينٌ لسائِرِ العِباداتِ، ولهذا يَمْضِى في فاسِدِه، ويَلْزَمُ بالشُّرُوعِ فيه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَجِبُ بالوَطْءِ فيه بَدَنَةٌ، بخِلافِ غيرِه. ولأنَّه لو وَجَبَتِ الكَفّارَةُ ههُنا بالقِياسِ عليه، لَزِم أن تَكُونَ بَدَنَةً، لأنَّ الحُكْمَ في الفَرْعِ يَثْبُتُ على صِفَةِ الحُكْمِ في الأصْلِ، إذْ كان القِياسُ إنَّما هو تَوْسِعَةُ مَجْرَى الحُكْمِ، فيَصِيرُ النَّصُّ الوارِدُ في الأصْلِ وارِدًا في الفَرْعِ، فيَثْبُتُ فيه الحُكْمُ الثّابِتُ في الأصْلِ بعَيْنِه. وأمّا القِياسُ على الصَّومِ فهو دالٌّ على نَفْىِ الكَفّارَةِ؛ لأنَّ الصومَ كلَّه لا يَجِبُ بالوَطْءِ فيه كَفّارَةٌ، سِوَى رمضانَ، والاعْتِكافُ أشْبَهُ بغيرِ رمضانَ؛ لأنَّه نافِلَةٌ لا يَجِبُ إلَّا بالنَّذْرِ، ثم لا يَصِحُّ قِياسُه على رمضانَ أيضًا؛ لأن الوَطْءَ فيه إنَّما أوْجَبَ الكَفّارَةَ لحُرْمَةِ رمضانَ، ولذلك تَجِبُ على كلِّ مَن لَزِمَه الإِمْساكُ، وإن لم يُفْسِدْ به صَوْمًا. واخْتَلَفَ مُوجِبُو الكَفّارَةِ فيها، فقال القاضِى: تَجِبُ كَفّارَةُ الظِّهارِ. وهو قولُ الحَسَنِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والزُّهْرِىَّ، وظاهِرُ كلام أحمدَ في رِوايَةِ حَنْبَلٍ. قال أبو عبدِ اللهِ: إذا كان نَهارًا وَجَبَتْ عليه الكَفّارَةُ. قال الشَّيْخُ (1)، رحمه الله: ويَحْتَمِلُ أنَّ أبا عبدِ اللهِ إنَّما أوْجَبَ عليه الكَفّارَةَ إذا فَعَل ذلك في رمضانَ؛ لأنَّه اعْتَبَرَ ذلك في النَّهارِ لأجْلِ الصومِ، ولو كان بمُجَرَّدِ الاعْتِكافِ لما اخْتَصَّ الوُجُوبُ بالنَّهارِ، كما لم يَخْتَصَّ الفَسادُ به. وحُكِىَ عن أبى بَكْرٍ، أنَّ عليه كَفَّارَةَ يَمِين. قال شَيْخُنا (2): ولم أرَ هذا عن أبى بَكْرٍ في كتابِ «الشّافِى» ، ولَعَلَّ أبا بَكْرٍ إنَّما أوْجَبَ عليه الكَفّارَةَ في مَوْضِعٍ تَضَمَّنَ الإِفْسادُ الإِخْلالَ بالنَّذْرِ، فوَجَبَ لتَرْكِه نَذْرَه. وهى كَفّارَةُ يَمِين، وأمّا في غيرِ ذلك فلا؛ لأنَّ الكَفّارَةَ إنَّما تَجِبُ بنَصٍّ، أو إجْماعٍ، أو قِياسٍ، وليس ههُنا نَصٌّ، ولا إجْماعٌ، ولا قِياسٌ، فإنَّ نَظِيرَ الاعتكافِ الصومُ، ولا تَجِبُ بإفْسادِه كَفّارَةٌ إذا كان تَطَوُّعًا ولا مَنْذُورًا (3)، ما لم يَتَضَمَّنِ الإِخْلالَ بنَذْرِه،
(1) في: المغنى 4/ 474.
(2)
في: المغنى 4/ 475.
(3)
أى: ولا يجب بإفساده كفارة إذا كان منذورًا.