الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَمَّا الْحَلْىُ الْمُحَرَّمُ، وَالآنِيَةُ، وَمَا أعِدَّ لِلْكِرَاءِ أَوِ النَّفَقَةِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَ نِصَابًا.
ــ
وقَبِيعَةِ (1) السَّيْفِ، وحِلْيَةِ المِنْطَقَة (2)، على الصَّحِيحِ مِن المَذْهَبِ، والجَوْشَنِ (3)، والخُوذَةِ وما في مَعناه، وأَنْف الذَّهَبِ. وكلُّ ما أُبِيحَ للرجلِ، حُكْمُه حُكْمُ حَلْى المرأةِ في عَدَمِ وُجُوبِ الزكاةِ؛ لأنَّه مَصْرُوفٌ عن جِهَةِ النَّماءِ، أشْبَهَ حَلْى المرأةِ.
929 - مسألة: (فأمّا الحَلْىُ المُحَرَّمُ، والآنِيَةُ، وما أُعِدَّ للكِراءِ والنَّفَقَةِ، ففيه الزكاةُ إذا بَلَغ نِصابًا)
كلُّ ما أعِدَّ للكِراءِ والنَّفَقَةِ إذا احْتِيجَ (4) إليه ففيه الزكاةُ؛ لأنَّها إنَّما سَقَطَتْ عن ما أعِدَّ للاسْتِعْمالِ، لصَرْفِه عن جِهَةِ النَّماءِ، ففيما عَداه يَبْقَى كل الأصْلِ. ولأصحابِ
(1) قبيعة السيف: طرف مقبضه.
(2)
ما يشد على الوسط فوق الثياب.
(3)
الجوشن: الدرع.
(4)
في م: «احتاج» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشافعىِّ وَجْهٌ فيما أُعِدَّ للكِراءِ لا زَكاةَ فيه. وكلُّ ما كان اتِّخاذُه مُحَرَّمًا مِن الأثْمانِ ففيه الزكاةُ؛ لأنَّ الأصْل وُجُوبُ الزكاةِ فيها؛ لكَوْنِها مَخْلُوقَةً للتِّجارَةِ والتَّوَسُّلِ بها إلى غيرِها، ولم يُوجَدْ ما يُسْقِطُ الزكاةَ فيها، فبَقِيَتْ على الأصْلِ. قال أحمدُ: ما كان على سَرْجٍ أو لِجامٍ، ففيه الزكاةُ. ونَصَّ على حِلْيَةِ الثَّفَرِ (1) والرِّكابِ واللِّجامِ، أنَّه مُحَرَّمٌ. وقال، في رِوايَةِ الأثْرَمِ: أكْرَهُ رَأْسَ المُكْحلَةِ فِضَّةً. ثم قال: هذا شئٌ تَأوَّلْتُه. وعلى قِياسِ ما ذَكَرَه، حِلْيَةُ الدَّواةِ، والمِقْلَمَة، والسَّرْجِ، ونَحْوِه ممّا على الدّابَّةِ. ولو مَوَّهَ سَقْفَه بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ، فهو مُحَرَّم، وفيه الزكاةُ. وقال أصْحابُ الرَّأْى: يُباحُ؛ لأنَّه تابع للمُبَاحِ، فتَبِعَه في الإِباحَةِ. ولَنا، أنَّه سَرَفٌ، ويُفْضِى إلى الخُيَلاء، وكَسْرِ قُلُوبِ الفُقَراءِ، فحَرُمَ، كاتِّخاذِ الآنِيَةِ، وقد نَهَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن التَّخَتُّمِ بخاتَمِ الذَّهَبِ للرجل (2)،
(1) الثفر، بالتحريك: السير في مؤخر السرج.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر، من كتاب اللباس. صحيح مسلم 3/ 1648. وأبو داود في: باب من كرهه (أى لبس الحرير)، من كتاب اللباس، وفى: باب ما جاء في خاتم الذهب، من كتاب الذهب. سنن أبى داود 2/ 371، 406. والترمذى، في: باب ما جاء في النهى عن القراءة في الركوع، من أبواب الصلاة، وفى: باب ما جاء في كراهية خاتم الذهب، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذى 2/ 65، 7/ 244. والنسائى، في: باب النهى عن القراءة في الركوع، وباب النهى عن القراءة في السجود، من كتاب التطبيق، وفى: باب خاتم الذهب، وباب حديث أبى هريرة والاختلاف على قتادة، من كتاب الزينة. المجتبى 2/ 147، 171، 8/ 146، 148. والإمام مالك، في: باب الحمل في القراءة، من كتاب النداء. الموطأ 1/ 80. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 92، 114، 126، 2/ 153، 4/ 287، 443.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فتمْوِيهُ السَّقْفِ أوْلَى. فإن صار التَّمْويهُ الذى في السَّقْفِ مُسْتَهْلَكًا لا يَجْتَمِعُ منه شئٌ، لم تَحْرُم اسْتِدامَتُه؛ لأنَّه لا فائِدَةَ في إتْلافِه وإزالَتِه، ولا زكاةَ فيه؛ لأنَّ مَالِيَتّهَ ذَهَبتْ، وإن لم تَذْهَبْ مالِيته ولم يكنْ مُسْتَهْلَكًا، حَرُمَتِ اسْتِدامَتُه. وقد بَلَغَنا أن عُمَرَ بنَ عبدِ العزِيزِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، لَمَّا وَلِىَ، أراد جَمْعَ ما في مَسْجِدِ دِمَشْقَ ممّا مُوِّهَ به مِن الذَّهَبِ، فقِيلَ له: إنَّه لا يَجْتَمِعُ منه شئٌ. فتَرَكَه. ولا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ المَصاحِفِ ولا المَحارِيبِ، ولا اتِّخاذُ قَنادِيلَ مِن الذَّهَبِ والفِضَّةِ؛ لأنَّها بمَنْزِلَةِ الآنِيَةِ. وإن وَقَفَها على مَسْجِدٍ أو نَحْوِه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه ليس ببِرٍّ ولا مَعْرُوفٍ، ويكونُ ذلك بمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ، فتُكْسَرُ وتُصْرَفُ في مَصْلَحَةِ المَسْجِدِ وعِمارَتِه. وكذلك إن حَبَّسَ الرجلُ فَرَسًا له لِجامٌ مُفَضَّضٌ. وقد قال أحمدُ، في الرجلِ يَقِفُ فَرَسًا في سبِيلِ اللَّهِ، ومعه لِجامٌ مُفَضَّضٌ: فهو على ما وَقَفَه، وإن بِيعَتِ الفِضَّةُ مِن السَّرْجِ واللِّجامِ، وجُعِلَتْ في وَقْفٍ مِثْلِه فهو أحَبُّ إلىَّ؛ لأنَّ الفِضَّةَ لا يُنْتَفَعُ بها، ولَعَلَّه يَشْتَرِى بذلك سَرْجًا ولِجامًا، فيكونَ أنْفَعَ للمسلمين. قِيل: فتُباعُ الفِضَّةُ، وتُنْفَقُ على الفَرَسِ؟ قال: نعم. وهذا يَدُلُّ على إباحَةِ حِلْيَةِ السَّرْجِ واللِّجامِ بالفِضَّةِ، لولا ذلك لَما قال: هو على ما وَقَفَه. وهذا لأنَّ العادَةَ جارِيَةٌ به، فأشْبَهَ حِلْيَةَ المِنْطَقَةِ. وإذا قُلْنا بتَحْرِيمِه، فصار بحيث لا يَجْتَمِعُ منه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شئٌ، لم تَحْرُمِ اسْتِدامَتُه، كقَوْلِنا في تَمْوِيهِ السَّقْفِ. وقال القاضى: تُباحُ عِلاقَةُ المُصْحَفِ ذَهَبًا وفِضَّةً للنِّساءِ خاصَّةً. وليس بجَيِّدٍ؛ لأنَّ حِلْيَةَ المرأةِ ما لَبِسَتْه، وتَحَلَّتْ به في بَدَنِها أو ثِيابِها، وما عَداه فحُكْمُه حُكْمُ الأوانِى، يَسْتَوِى فيه الرِّجالُ والنِّساءُ. ولو أُبِيحَ لها ذلك لأُبِيحَ عِلاقَة الأوانِى، ونَحوُه. ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ. ويَحْرُمُ على الرجل خاتَمُ الذَّهَبِ، لنَهْى النبىِّ صلى الله عليه وسلم عنه (1)، وكذلك طَوْقُ الفِضَّةِ، لأنَّه غيرُ مُعْتادٍ في حَقِّه، فهذا وكلُّ ما يَحْرُمُ اتِّخاذُه، إذا بَلَغ نِصابًا ففيه الزكاةُ، أو بَلَغ نِصابًا بضَمِّه إلى ما عندَه؛ لِما ذَكَرْنا.
فصل: واتِّخاذُ الأوانِى مُحَرَّمٌ على الرِّجالِ والنِّساءِ، وكذلك اسْتِعْمالُها. وقال الشافعىُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه: لا يَحْرُمُ اتِّخاذُها. وقد ذَكَرْنا ذلك في بابِ الآنِيَةِ (2)، ففيها الزكاةُ بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه بينَ أهلِ العلمِ،
(1) تقدم تخريجه في الصفحة قبل السابقة.
(2)
انظر الجزء الأول صفحة 145.