الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَمَنْ كَانَ ذَا عِيَالٍ أخَذَ مَا يَكْفِيهِمْ. وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ الْغِنَى، إلَّا أَرْبَعَةٌ؛ الْعَامِلُ، وَالْمُؤَلَّفُ، وَالْغَارِمُ لإصْلَاحِ ذَاتِ البَيْنِ، وَالْغَازِى.
ــ
1008 - مسألة: (ولا يُزادُ أحَدٌ منهم على ذلك)
لِما ذَكَرْنا. ولأنَّ الدَّفْعَ لحاجَةٍ، فوَجَبَ أن يُتَقَيَّدَ بها، وإنِ اجْتَمَعَ في واحِدٍ سَبَبانِ، كالغارِمِ الفَقِيرِ، دُفِعَ إليه لهما؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما سَبَبٌ للأخْذِ، فوَجَبَ أن يَثْبُتَ حُكْمُه حيثُ وُجِد.
1009 - مسألة: (ومَن كان ذا عِيالٍ أخَذَ ما يَكْفِيهم)
لِما ذَكَرْنا.
1010 - مسألة: (ولا يُعْطَى أحَدٌ منهم مع الغِنَى، إلَّا أرْبَعَةٌ؛ العامِلُ، والمُؤلَّفُ، والغارِمُ لإصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ، والغازِى)
يجوزُ للعامِلِ الأخْذُ مع الغِنَى، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لأنَّه يَأْخُذُ أجْرَ عَمَلِه، ولأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَل العامِلَ صِنْفًا غيرَ الفُقَراءِ والمَساكِينِ، فلا يُشْتَرَطُ وُجُودُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَعْناهُما فيه كما لا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَعْناه فيهما. وكذلك المُؤَلَّفُ يُعْطَى مع الغِنَى؛ لظاهِرِ الآيَةِ، ولأنَّه يَأْخُذُ لحاجَتِنا إليه، أشْبَهَ العامِلَ، ولأنَّهم إنَّما أُعْطُوا لأجْلِ التَّأْلِيفِ، وذلك يُوجَدُ مع الغِنَى. والغارِمُ لإصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ، والغازِى يَجُوزُ الدَّفْعُ إليهم مع الغِنَى. وبهذا قال مالِكٌ، والشافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأبو عُبَيْدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ وصاحِباه: لا يُدْفَعُ إلَّا إلى الفَقِيرِ؛ لعُمُومِ قَوْلِه عليه السلام: «أعْلِمْهُمْ أنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغنِيائِهِمْ، فَتُرَدُّ في فُقَرَائِهِمْ» (1). فظاهِرُ هذا أَنَّها كلَّها تُرَدُّ في الفُقَراءِ. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِىٌّ (2) إلَّا لِخَمْسَةٍ؛ لِغَازٍ في سَبِيلِ اللَّهِ، أوْ لِغَارِمٍ» (3). وذكر بَقِيتَّهَم.
(1) تقدم تخريجه في 2/ 99، 6/ 291.
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 225.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَل الفُقراءَ والمَساكِينَ صِنْفَيْنِ، وعَدَّ بعدَهما سِتَّةَ أصْنافٍ لم يَشْتَرِطْ فيهم الفَقْرَ، فيَجُوزُ لهم الأخْذُ مع الغِنَى بظاهِرِ الآيَةِ، ولأنَّ هذا يَأْخُذُ لحاجَتِنا إليه، أشْبَهَ العامِلَ والمُؤَلَّفَ، ولأنَّ الغارِمَ لإِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ إِنَّما يُوثَقُ بضَمانِه، ويُقْبَلُ إذا كان مَلِيئًا، ولا ملاءَةَ مع الفَقْرِ، فإن أدَّى الغُرْمَ مِن مالِه، لم يكنْ له الأخْذُ مِن الزَّكاةِ؛ لأنَّه لم يَبْقَ غارِمًا، وإنِ اسْتَدانَ وأَدَّاها جاز له الأخْذُ؛ لبَقَاءِ الغُرْمِ.
فصل: وخَمْسَةٌ لا يَأخُذُون إلَّا مع الحاجَةِ؛ وهم الفُقَراءُ، والمَساكِينُ، والمُكاتَبُ، والغارِمُ لمَصْلَحَةِ نَفْسِه في مُباحٍ، وابنُ السَّبِيلِ؛ لأنَّهم يأْخُذُون لحاجَتِهم لا لحاجَتِنا إليهم، إلَّا أنَّ ابنَ السَّبِيلِ إنَّما تُعْتَبَر حاجَتُه في مَكانِه وإن كان له مالٌ في بَلَدِه؛ لأنَّه الآن كالمَعْدُومِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا كان الرجلُ غَنِيًّا وعليه دَيْنٌ لمَصْلَحَتِه لا يُطِيقُ قَضاءه، جاز أن يُدْفَعَ إليه ما يُتِمُّ به قَضاءَه مع ما زاد عن حَدِّ الغِنَى. فإذا قُلْنا: الغِنَى يَحْصُلُ بخَمْسِين دِرْهَمًا. وِله مائةٌ، وعليه مائةٌ. جاز أن يُعْطى خَمْسِين؛ ليُتِمَّ قَضاءَ المائةِ مِن غيرِ أن يَنْقُصَ غناؤُه. قال أحمدُ: لا يُعْطى مَن عندَه خَمْسون دِرْهمًا أو حِسابُها مِن الذَّهَبِ، إلَّا مَدِينًا فيُعْطى دَيْنَه. ومتى أمْكَنَه قَضاءُ الدَّيْنِ مِن غيرِ نَقْصٍ مِن الغِنَى، لم يُعْطَ شَيْئًا. وإن قُلْنا: إنَّ الغِنَى لا يَحْصُلُ إلَّا بالكِفايَةِ. وكان عليه دَيْنٌ إذا قَضاه لم يَبْقَ له ما يَكْفِيه، أُعْطِىَ ما يُتِمُّ به قَضاءَ دَيْنِه، بحيث يَبْقَى له قَدْرُ كِفايَتِه بعدَ قَضاءِ الدَّيْنِ على ما ذَكَرْنا. وإن قَدَر على قَضائِه مع بقاءِ الكِفايَةِ، لم يُدْفَعْ إليه شئٌ. وقد رُوِى عن أحمدَ، أنَّه قال: إذا كان له مائتَان، وعليه مِثْلُها، لا يُعْطى مِن الزَّكاةِ؛ لأنَّ الغِنَى خَمْسُون دِرْهَمًا. وهذا يَدُلُّ على أنَّه اعْتَبَرَ في الدَّفْع إلى الغارِمِ كَوْنَه فَقِيرًا. وإذا أُعْطِىَ للغُرْمِ، وجَبَ صَرْفُه إلى قَضاءِ الدَّيْنِ، وإن أُعْطِىَ للفَقْرِ، جاز أن يَقْضِىَ به دَيْنَه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا أرادَ الرجلُ دَفْعَ زَكَاتِه إلى الغارِم، فله أن يُسَلّمَها إليه ليَدْفَعَها إك غَرِيمِه، فإن دَفَعَها إلى الغَرَيمِ قَضاءً عن الدَّيْنِ، ففيه عن أحمدَ رِوَايتانِ، إحْداهُما، يَجُوزُ ذلك. نَصَّ عليه أحمدُ في ما نَقَل عنه أبو الحارثِ، قال: قلتُ لأحمدَ: رَجُلٌ عليه ألفٌ، وكان على رَجُلٍ زَكاةُ مَالِه ألفٌ، فأدَّاها عن هذا الَّذى عليه الدَّيْنُ، يَجُوزُ هذا مِن زَكَاتِه؟ قال: نعم، ما أرى بذلك بَأْسًا، لأنَّه دَفَع الزَّكاةَ في قَضاءِ دَيْنِ المَدِينِ، أشْبَهَ ما لو دَفَعَها إليه فقَضَى بها دَيْنَه. والثانيةُ، لا يَجُوزُ. قال أحمدُ: أحَبُّ إلىَّ أن يَدْفَعَه إليه، حتَّى يَقْضِىَ هو عن نَفْسِه. قِيلَ: هو مُحْتاجٌ يَخافُ أن يَدْفَعَه إليه، فيَأْكُلَه ولا يَقْضِىَ دَيْنَه. قال: فَقُلْ له يُوَكِّلُه حتَّى يَقْضِيَه. وظاهِرُ هذا أنَّه لا يَدْفَعُها إلى الغَريمِ إلَّا بوَكالَةِ الغارِمِ، لأنَّ الدَّيْنَ إنَّما هو على الغارِمِ، فلا يَصِحُّ قَضاوه إلا بتَوْكِيلِه. ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ هذا على الاسْتِحْبابِ، ويكونُ قَضاؤُه عنه جائِزًا. وإن كان دافِعُ الزَّكاةِ الإِمامَ، جاز أن يَقْضِيَها عنه مِن غيرِ تَوْكِيلِه، لأنَّ للإِمامِ وِلايةَ عليه في إيفاءِ الدَّيْنِ، ولهذا يُجْبِرُه عليه إذا امْتَنَعَ منه.
وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْغَازِى وَابْنِ السَّبِيلِ شَىْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ، لَزِمَهُمْ رَدُّهُ، وَالْبَاقُونَ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، فَلَا يَرُدُّونَ شَيْئًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِىِّ في الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ يَأْخُذُ أيْضًا أخْذًا مُسْتَقِرًّا.
ــ
1011 -
مسألة: (وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْغَازِى وَابْنِ السَّبِيلِ شَىْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ، لَزِمَهُمْ رَدُّهُ، وَالْبَاقُونَ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، فَلَا يَرُدُّونَ شَيْئًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِىِّ في الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ يَأْخُذُ أيْضًا أخْذًا مُسْتَقِرًّا) أصْنافُ الزَّكاةِ قسمان؛ قسمٌ يَأْخُذُونَ أخْذا مُستَقِرًّا، فلا يُراعَى حَالُهم بعدَ الدَّفْع، وهم الفُقراءُ، والمَساكِينُ، والعامِلُون، والمُؤَلَّفَةُ، فمتى أخَذُوها مَلَكُوها مِلْكًا مُسْتَقِرًّا، لا يَجبُ عليهم رَدُّها بِحَالٍ. وقِسْمٌ يَأْخُذُون أخْذًا مُراعًى، وهم أَرْبَعَةٌ؛ المُكاتَبُون، والغارِمُون، والغُزَاةُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وابنُ السَّبِيلِ، فإن صَرَفُوه في الجِهَةِ التى اسْتَحَقُّوا الأخْذَ لأجْلِها، وإلَّا اسْتُرْجِعَ منهم. والفَرْقُ بينَ هذا القِسْمِ والذي قَبْلَه، أنَّ هؤلاء أخَذُوا لمَعْنًى لم يَحْصُلْ بأخْذِهم للزكاةِ، والقِسم الأوَّلُ حَصَل المَقْصُودُ بأخْذِهم، وهو غِنَى الفُقراءِ والمَساكِينِ، وتَألِيفُ المُؤَلَّفِين، وأداءُ أجْرِ العامِلِين. وإن قَضَى المذْكُورُون في القِسْمِ الثَّانِى حاجَتَهم، وفَضَل معهم فَضْلٌ رَدُّوا الفَضْلَ؛ لأنَّهم أخَذُوه لِلحاجَةِ، وقد زَالَتْ. وذَكَر الخِرَقِىُّ، في غيرِ هذا البابِ، أنَّ الغَازِىَ إذا فَضَل معه شئٌ بعدَ غَزْوِه، فهو له؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّنا دَفَعْنا إليه قَدْرَ الكِفايَةِ، وإنَّما ضَيَّقَ على نَفْسِه. وظاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ في المُكاتَبِ، أنَّه يأْخُذُ أخْذًا مُستَقِرًّا، فلا يَرُدُّ ما فَضَل؛ لأنَّه قال: وإذا عَجَز المُكاتَبُ، ورُدَّ في الرِّقِّ، وكان قد تُصُدِّقَ عليه بشئٍ، فهو لِسَيِّدِه. ونَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايةِ المَرُّوذِىِّ والكَوْسَجِ. ونَقَل عنه حَنْبَلٌ، إذا عَجَز يَرُدُّ ما في يَدَيْه في المُكاتَبِين. وقال أبو بكرٍ عبدُ العزيز: إن كان باقِيًا بعَيْنِه اسْتُرْجِعَ منه؛ لأنَّه إنَّما دُفِع إليه ليَعْتِقَ به ولم يَقَعْ. وقال القاضى: كَلامُ الخِرَقِىِّ مَحْمُولٌ على أنَّ الَّذى بَقِىَ في يَدِه لم يكنْ عَيْنَ الزَّكاةِ، وإنَّما تَصَرَّفَ فيها، وحَصَل عِوَضُها وفائِدَتُها. ولو تَلِف المالُ الَّذى في يَدِ هؤلاء بغيرِ تَفرِيطٍ، لم يَرْجِعْ عليهم بشئٍ.