الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أوْ غُبَارٌ، أوْ قَطَرَ في إِحْلِيلِهِ، أوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ، أو احْتَلَمَ، أوْ ذَرَعَهُ الْقَئُ، أوْ أصْبَحَ وَفِى فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ، أوِ اغْتَسَلَ، أوْ تَمَضْمَضَ، أوِ اسْتَنْشقَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ. وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أو بَاِلَغَ فِيهِمَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
1063 - مسألة: (فإن فَكَّرَ فأنْزَلَ، لم يَفْسُدْ صومُه)
. وحُكِىَ عن أبى حَفْصٍ البَرْمَكِىِّ، أنَّه يَفْسُدُ. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّ الفِكْرَةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تُسْتَحْضَرُ، فتَدْخُلُ تحتَ الاخْتِيارِ، لأنَّ اللهَ تعالى مَدَح الذين يَتَفَكَّرُون في خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ (1)، ونَهَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن التَّفَكُّرِ في ذاتِ اللهِ (2)، ولو كانت غيرَ مَقْدُورٍ عليها لم يَتَعَلَّقْ بها ذلك، كالاحْتِلامِ. فأمّا إن خَطَر بقَلْبِه صُورَةُ ذلك الفِعْلِ، فأنْزَلَ، لم يَفْسُدْ صَوْمُه، كالاحْتِلامِ. ولَنا، قَوْلُه عليه الصلاة والسلام:«عُفِىَ لأُمَّتِى عَمّا حَدّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ، أوْ تَعْمَلْ بِهِ» (3). ولأنَّه لا نَصَّ في الفِطْرِ به ولا إجْماعَ، ولا يُمْكِنُ قِياسُه على تَكْرارِ النَّظَرِ، لأنَّه دُونَه في اسْتِدْعاءِ الشَّهْوَةِ، وإفْضائِه إلى الإِنْزالِ، ويُخالِفُه في التَّحْرِيمِ إذا تَعَلَّقَ بأجْنَبِيَّةٍ، أو الكَراهَةِ إن كان في زَوْجَةٍ، فبَقِىَ على الأصْلِ. إذا ثَبَتَ ذلك في الأكْلِ والشُّرْبِ،
(1) يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} في الآيتين 190، 191 من سورة آل عمران.
(2)
أخرجه الطبرانى في الأوسط من حديث ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله» . وفيه راو متروك. وبنحوه عن ابن عباس أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة برقم (2).
(3)
أخرجه البخاري، في: باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون. . . . إلخ، من كتاب الطلاق، وفى: باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان. . . . إلخ، من كتاب الأيمان. صحيح البخاري 7/ 59، 8/ 168. ومسلم، في: باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 116. وأبو داود، في: باب في الوسوسة بالطلاق، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 512. والترمذى، في: باب ما جاء في من يحدث نفسه بطلاق امرأته، من أبواب الطلاق. عارضة الأحوذى 5/ 155، 156. والنسائى، في: باب من طلق في نفسه، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 127، 128. وابن ماجه، في: باب من طلق في نفسه ولم يتكلم، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 658. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 255، 393، 425، 474، 481، 491.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثَبَت في سائِرِ ما ذَكَرْنا قِياسًا عليه، ولَنا في الجِماعِ مَنْعٌ.
فصل: وإن فَعَل شيئًا مِن ذلك وهو نائِمٌ، لم يَفْسُدْ صومُه؛ لأنَّه لا قَصْدَ له ولا عِلْمَ بالصومِ، فهو أعْذَرُ مِن النّاسِى. فإن فَعَلَه جاهِلًا بتَحْرِيمِه، فذَكَرَ أبو الخَطّابِ، أنَّه لا يُفْطِرُ (1)، كالنّاسِى. قال شيخُنا (2): ولم أرَه عن غيرِه. وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «أفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» (3). في حَقِّ الرَّجُلَيْن اللَّذَيْن رَآهما يَحْجِمُ أحَدُهما صاحِبَه، مِن جَهْلِهما بتَحْرِيمِه، يَدُلُّ على أنَّ الجَهْلَ لا يُعْذَرُ به، ولأنَّه نَوْعُ جَهْلٍ، فلم يَمْنَعِ الفِطْرَ، كالجَهْلِ بالوَقْتِ في حَقِّ مَن أكَلَ يَظُنُّ أنَّ الفَجْرَ لم يَطْلُعْ، وتَبَيَّنَ بخِلافِه.
فصل: فإن فَعَلَه مُكْرَهًا بالوَعِيدِ، فقالَ ابنُ عَقِيلٍ: قال أصحابُنا: لا يُفْطِرُ به، لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«عُفِىَ لأُمَّتِى عَنِ الْخَطأ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (4). قال: ويَحْتَمِلُ عندى أن يُفْطِرَ؛ لأنَّه فَعَل المُفْطِرَ لدَفْعِ الضَّرَرِ عن نَفْسِه، أَشْبَهَ المَرِيضَ، ومَن شَرِب لدَفْعِ العَطَشِ، فأمّا المُلْجَأُ فلا يُفْطِرُ؛ لأَنَّه خَرَج بذلك عن حَيِّزِ الفِعْلِ، ولذلك لا يُضافُ إليه، ولذلك افْتَرَقا فيما إذا أُكْرِهَ على قَتْلِ آدَمِىٍّ فقَتَلَه،
(1) في م: «يفطره» .
(2)
في: المغنى 4/ 368.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 421.
(4)
تقدم تخريجه في 1/ 276.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو أُلقِىَ عليه.
1064 -
مسألة: (وإن طار إلى حَلْقِه ذُبابٌ أو غُبارٌ، أو قَطَرَ في إحْلِيلِه، أو فَكَّرَ فأنْزَلَ، أو احْتَلَمَ، أو ذَرَعَه القَىْءُ، أو أصْبَحَ وفى فِيه طَعامٌ فلَفَظَه، أو اغْتَسَلَ، أو تَمَضْمَضَ، أو اسْتَنْشَقَ فدَخَلَ الماءُ حَلْقَه، لم يَفْسُدْ صَوْمُه، وإن زاد على الثَّلاثِ أو بالَغَ فيهما، فعلى وَجْهَيْن) إذا دَخَل حَلْقَه غُبارٌ مِن غيرِ قَصْدٍ، كغُبارِ الطَّرِيقِ، ونَخْلِ الدَّقِيقِ، أو الذُّبابَةُ تَدْخُلُ حَلْقَه، أو يُرَشُّ عليه الماءُ فيَدْخُلُ مسامِعَه أو حَلْقَه، أو يُلْقَى في ماءٍ فيَصِلُ إلى جَوْفِه، أو يَدْخُلُ حَلْقَه بغيرِ اخْتِيارِه، أو تُداوَى (1) جائِفَتُه أو مَأْمُومَتُه بغيرِ اخْتِيارِه، أو يُحْجَمُ كُرْهًا، أو تُقَبِّلُه امْرأَةٌ بغيِرِ اخْتِيارِه فيُنْزِلُ، وما أشْبَهَ ذلك، لا يَفْسُدُ صَوْمُه. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، أشْبَهَ ما لو دَخَل حَلْقَه شئٌ وهو نائِمٌ. وكذلك الاحْتِلامُ؛ لأنَّه عن غيرِ اخْتِيارٍ منه، فأشْبَهَ ما ذَكَرْنا. وفى معنى ذلك إذا ذَرَعَه القَىْءُ؛ لأنَّه بغيرِ اخْتِيارِه، فهو كالاحْتِلام.
فصل: فإن قَطَرَ في إحْلِيلِه دُهْنًا، لم يُفْطِرْ به، سَواءٌ وَصَل إلى المَثانَةِ
(1) في م: «يداوى» .