الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فِى الْمُتَتَابِعِ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، وَإنْ فَعَلَهُ فِى مُعَيَّنٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَفِى الِاسْتِئْنَافِ وَجْهَانِ.
ــ
فيه شئٌ، كالمرأةِ تَخْرُجُ لحَيْضِها ونِفاسِها، فيَقْتَضِى قولُه: إنَّ الخُروجَ إذا لم يَكُنْ واجِبًا، بل كان مُباحًا، كخُرُوجٍ مِن خَوْفِ الفِتْنَةِ ونَحْوِه، يُوجِبُ الكَفّارَةَ؛ لأنَّه خَرَج لحاجَةِ نفْسِه خُرُوجًا غيرَ مُعْتادٍ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ وُجُوبُ الكَفّارَةِ؛ لأنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ، ومَن حَلَف على فِعْلِ شئٍ فحَنِثَ لَزِمَتْه الكَفّارَةُ، سواءٌ كان لعُذْرٍ أو لغيرِه، وسواءٌ كانتِ المُخالَقةُ واجبَةً أو لم تَكُنْ، وفارَقَ صومَ رمضانَ من حيثُ إنَّ الفِطْرَ لا يُوجِبُ كَفَّارَةً، سواءٌ كان لعُذْرٍ أو لغيرِه، وفارَقَ الحَيْضَ، فإنَّه يَتَكَرَّرُ، ويُظَنُّ وُجُودُه في زَمَنِ النَّذْرِ، فيَصِيرُ كالخُرُوجِ لحاجَةِ الإِنْسانِ.
1126 - مسألة: (وإن خَرَج لِما لَه منه بُدٌّ في المُتتابِعِ، لَزِمَه استِئْنافُه، وإن فَعَلَه في مُعَيَّنٍ، فعليه الكَفّارَةُ، وفى الاستِئْنافِ وَجْهان)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا خَرَج لِما له منه بُدٌّ عامِدًا، بَطَل اعْتِكافُه، إلَّا أن يَشْتَرِطَه، على ما ذَكَرْناه. وإن خَرَج ناسِيًا فقال القاضِى: لا يَفْسُدُ اعْتِكافُه؛ لأنَّه فَعَل المَنْهِىَّ عنه ناسِيًا، فلم تَفْسُدْ به العِبادَةُ، كالأكْلِ في الصَّوْمِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَفْسُدُ؛ لأنَّه تَرَك الاعْتِكافَ، وهو لُزُومُ المَسْجِدِ، والتَّرْكُ يَسْتَوِى عَمْدُه وسَهْوُه، كتَرْكِ النَّيَّةِ في الصَّوْم. فإن أخرَجَ بَعْضَ جَسَدِه لم يَفْسُدِ اعْتِكافُه وإن كان عَمْدًا؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُخْرِجُ رَأْسَه مِن المَسْجِدِ، وهو مُعْتَكِفٌ إلى عائِشَةَ، فتَغْسِلُه، وهى حائِضٌ. مُتَّفَقٌ عليه (1).
فصل: ويَبْطُلُ اعتكافُه بالخُروجِ وإنْ قلَّ. وبه قال أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعىُّ. وقال أبو يُوسُفَ، ومحمدٌ: لا يَبْطُلُ حتى يَكُونَ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 576.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكثَرَ مِن نِصْفِ يَوْمٍ؛ لأنَّ اليَسِيرَ مَعْفُوٌّ عنه، لأنَّ صَفِيَّةَ أتَتِ النبىَّ صلى الله عليه وسلم تَزُورُه في مُعْتَكَفِه، فلمَّا خَرَجَتْ لتَنْقَلِبَ خَرَج معها ليَقْلِبَها (1). ولأنَّ اليَسِيرَ مَعْفُوٌّ عنه، بدَلِيلِ ما لو تَأنَّى في مَشْيِه. ولنا، أَّنه خُرُوجٌ مِن مُعْتَكَفِه لغيرِ حاجَةٍ، فأبْطَلَه، كما لو أقام أكثرَ مِن نِصْفِ يَوْمٍ، وأمّا خرُوجُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم فيَحْتَمِلُ أنَّه لم يَكُنْ له منه بُدٌّ؛ لأنَّه كان لَيْلًا، فلم يَأْمَنْ عليها، ويَحْتَمِلُ أَّنَّه فَعَل ذلك لكَوْنِ اعْتِكافِه تَطَوُّعًا، له تَرْكُ جَمِيعِه، فكان له تَرْكُ بَعْضِه، ولذلك تَرَكَه لَمّا أراد نِساؤُه الاعْتِكافَ معه، وأمّا المَشْىُ فتَخْتَلِفُ فيه طِباعُ النّاسِ، وَعليه في تَغْيِيرِ مَشْيِه مَشَقَّةٌ، ولا كذلك ههُنا، فإنَّه لا حاجَةَ به إلى الخُرُوجِ. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّه إن فَعَلَه في مُتَتابِعٍ،
(1) أخرجه البخارى، في: باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، من كتاب الاعتكاف. وفي: باب صفة إبليس وجنوده، من كتاب بدء الخلق. صحيح البخارى 3/ 64، 4/ 150. ومسلم، في: باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خاليا بامرأة. . . .، من كتاب السلام. صحيح مسلم 4/ 1712، 1713. وأبو داود، في: باب المعتكف يدخل البيت لحاجته، من كتاب الصيام. وفي: باب حسن الظن، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 1/ 575، 2/ 595. وابن ماجه، في: كتاب في المعتكف يزوره أهله في المسجد، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 566. والدارمى، في: باب اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 27. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 337.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَزِمَه الاسْتِئْنافُ؛ لأنَّه أمْكَنَه الإِتْيانُ بالمَنْذُورِ على صِفَتِه، أشْبَهَ حالَةَ الابْتِداءِ، وإن فَعَلَه في مُعَيَّنٍ لَزِمَه الكفّارَةُ؛ لتَرْكِه النَّذْرَ لغيرِ عُذْرٍ، وفى الاستِئْنافِ وَجْهان؛ أحدُهما، يَلْزَمُه، كالمُتَتابِعِ، ولأنَّه كان يَلْزَمُه التَّتابُعُ مع التَّعَيُّنِ، فإن تَعَذَّرَ التَّعَيُّنُ لَزِمَه التَّتابُعُ، لإِمْكانِه، ومِن ضَرُورَتِه الاستِئْنافُ. والوَجْهُ الثّانِى، لا يَلْزَمُه الاسْتِئْنافُ؛ لأنَّ ما مَضَى منه قد أدَّى العبادةَ فيه أداءً صحيحًا، فلم تَبْطُلْ بتَرْكِها في غيرِه، كما لو أفْطَرَ في أثْناءِ شهرِ رمضانَ، ولأنَّ التَّتابُعَ ههُنا حَصَل ضَرُورَةَ التَّعْيِينِ، مُصَرَّحٌ به، فإذا لم يَكُنْ بُدٌّ مِن الإِخْلالِ بأحَدِهما، ففيما حَصَل ضَرُورَةً أوْلَى، ولأنَّ وُجُوبَ التَّتابُعِ مِن حيث الوَقْتُ، لا مِن حيث النَّذْرُ، فالخُروجُ في بَعْضِه لا يُبْطِلُ ما مَضَى منه، كصَوْمِ رمضانَ إذا أفْطَرَ لغيرِ عُذْرٍ، فعلى هذا يَقْضِى ما أفْسَدَ فيه حَسْبُ، ويُكفِّرُ على كلا الوَجْهَيْن، لأصلِ الوَجْهَيْن في مَن نَذَر صَوْمًا مُعَيَّنًا، فأفْطَرَ في بَعْضِه، فإنَّ فيه رِوايَتَيْن، كالوَجْهَيْن اللَّذَيْن ذَكَرْناهُما. وكذلك الحُكْمُ في كلِّ مَن أفْسَدَ اعتكافَه بجِماعٍ أو غيرِه، فإن كان الاعتكافُ تَطَوُّعًا، فلا قَضاءَ عليه؛ لأنَّ التَّطَوُّعَ لا يَلْزَمُ بالشُّرُوعِ فيه في غيرِ الحَجِّ والعُمْرَةِ، وقد ذَكَرْنا ذلك.
فصل: فإن نَذَر اعتكافَ أيّامٍ مُتَتابِعَةٍ بصَوْمٍ فأفْطَرَ يوْمًا، أفْسَدَ تَتابُعَه