الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْم، وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ، إِلَّا عِنْدَ أَبِى الْخَطَّابِ، إِذَا قَصَدَ بِهِ الطَّاعَةَ.
ــ
1130 - مسألة: (ولا يُسْتَحَبُّ له إقْراءُ القُرْآنِ والعِلْمِ، والمُناظَرَةُ فيه، إلَّا عندَ [أبى الخطّابِ]
(1)، إذا قَصَد به الطّاعَةَ) أكْثَرُ أصحابِنا لا يَسْتَحِبُّون للمُعْتَكِفِ إقْراءَ القُرْآنِ، وتَدْرِيسَ العِلْمِ، ومُناظَرَةَ الفُقَهاءِ، ومُجالَسَتَهم، وكِتابَةَ الحَدِيثِ، ونَحْوَ ذلك مِمّا يَتَعَدَّى نَفْعُه. وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ. وقال أبو الحَسَنِ الآمدىُّ: في اسْتِحْبابِ ذلك رِوايَتان. واخْتارَ أبو الخَطّابِ أنَّه مُسْتَحَبٌّ إذا قَصَد به طاعةَ اللهِ تعالى، لا المُباهاةَ. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ؛ لأنَّ ذلك أفْضَلُ العِباداتِ، ونَفْعُه يَتَعَدَّى، فكان أوْلَى مِن تَرْكِه، كالصلاةِ. واحْتَجَّ أصحابُنا بأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يَعْتَكِفُ، فلم يُنْقَلْ عنه الاشْتِغالُ بغيرِ العِباداتِ المُخْتَصَّةِ به، ولأنَّ الاعْتِكافَ عِبادَةٌ مِن شَرْطِها المَسْجِدُ، فلم يُسْتَحَبَّ فيها ذلك،
(1) في م: «الخطاب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالطَّوافِ، وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بعيادَةِ المَرْضَى، وشُهُودِ الجنازَةِ. فعلى هذا القَوْلِ، فِعْلُه لهذه الأفْعالِ أفْضَلُ مِن الاعْتِكافِ. قال المَرُّوذِىُّ: قُلْتُ لأبِى عَبْدِ اللهِ: إنَّ رجلًا يُقْرِئُ في المَسْجِدِ، وهو يُرِيدُ أن يَعْتَكِفَ، ولَعَلَّه أن يَخْتِمَ في كُلِّ يَوْمٍ. فقال: إذا فَعَل هذا كان لنَفْسِه، وإذا قَعَد في المَسْجدِ كان له ولغيرِه، يُقْرِئُ أحَبُّ إلىَّ. وسُئِلَ: أيُّما أحَبُّ إليك؛ الاعتكَافُ، أو الخُرُوجُ إلى عَبّادانَ (1)؟ فقال: ليس يَعْدِلُ الجِهادَ عندِى شئٌ. يَعْنِى أنَّ الخُرُوجَ إلى عبّادانَ أفْضَلُ مِن الاعْتِكافِ.
فصل: ولا بَأْسَ أن يَتَزَوَّجَ المُعْتَكِفُ، ويَشْهَدَ النِّكاحَ في المَسْجِدِ؛ لأنَّه عِبادَةٌ لا تُحَرِّمُ الطيبَ، فلا تُحَرِّمُ النِّكاحَ، كالصومِ، ولأنَّ النِّكاحَ طاعَةٌ، وحُضُورَه قُرْبَةٌ، ومُدَّتُه لا تَتَطاوَلُ، فلم يُكْرَهْ، كتَشْمِيتِ العاطِسِ، ورَدِّ السلامِ.
(1) عبَّادان: تحت البصرة قرب البحر، وكانت رباطا. انظر: معجم البلدان 3/ 597، 598.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا بَأْسَ أن يَتَنَظَّفَ بأنْواعِ التَّنَظُّفِ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُرَجِّلُ رَأْسَه وهو مُعْتَكِفٌ. وله أن يَتَطَيَّبَ، ويَلْبَسَ الرَّفِيعَ مِن الثِّيابِ، وليس ذلك بمُسْتَحَبٍّ. قال الإِمامُ أحمدُ: لا يُعْجِبُنِى أن يَتَطَيَّبَ؛ وذلك لأنَّ الاعْتِكافَ عِبادَةٌ تَخْتَصُّ مَكانًا، فكان تَرْكُ الطِّيبِ فيها مَشْرُوعًا، كالحَجَّ، وليس ذلك بمُحَرَّمٍ؛ لأنَّه لا يُحَرِّمُ اللِّباس ولا النِّكاحَ، أشْبَهَ الصَّوْمَ.
فصل: ولا بَأْسَ أن يَأْكُلَ المُعْتَكِفُ في المَسْجِدِ، ويَضَعُ سُفْرَةً يَسْقُط عليها ما يَقَعُ منه، كَيْلا يَتَلَوَّثَ المَسْجِدُ، ويَغْسِلُ يَدَه في الطَّسْتِ ليُفَرَّغَ خارِجَ المَسْجِدِ، ولا يَجُوزُ أن يَخْرُجَ ليَغْسِلَ يَدَه؛ لأنَّ له (1) من ذلك بُدًّا. وهل يُكْرَهُ تَجْدِيدُ الطَّهارةِ في المَسْجِدِ؟ فيه رِوايَتان؛ إحْداهُما، لا يُكْرَهُ؛ لأنَّ أبا العالِيَةِ قال: حَدَّثَنِى مَن كان يَخْدُمُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال: أمّا ما حَفِظْتُ لكم منه، أنَّه كان يَتَوَضَّأُ في المَسْجِدِ (2). وعن ابنِ عُمَرَ، أنَّه
(1) سقط من: م.
(2)
رواه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 364. وابن أبى شيبة في المصنف 1/ 37.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان يَتَوَضَّأُ في المَسْجِدِ الحَرامِ على عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، الرِّجالُ والنِّساءُ (1). وعن ابنِ سِيرينَ، قال: كان أبو بَكْرٍ، وعُمَرُ، والخُلَفاءُ، رَضِىَ اللهُ عنهم، يَتَوَضَّئُون في المَسْجِدِ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، وابنِ جُرَيْجٍ (2). والثّانِيَةُ، يُكْرَهُ؛ لأنَّه لا يَسْلَمُ مِن أن يَبْصُقَ في المَسْجدِ أو يَتَمَخَّطَ، والبُصاقُ في المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، ولأنَّه يَبُلُّ مِن المَسْجِدِ مكَانًا يَمْنَعُ المُصَلِّينَ مِن الصلاةِ فيه. وإن خَرَج مِن المَسْجِدِ للوُضُوءِ، وكان تَجْدِيدًا، بَطَل؛ لأنَّهُ خُرُوجٌ لِما له منه بُدٌّ، وإن كان وُضُوءًا عن حَدَثٍ لم يَبْطُلْ؛ لأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليه، سواءٌ كان في وَقْتِ الصلاةِ أو قَبْلَها، لأنَّه لا بدَّ مِن الوُضُوءِ للحَدَثِ، وإنَّما يَتَقَدَّمُ عن وقتِ الحاجَةِ إليه لمَصْلَحَةٍ، وهو كَوْنُه على وُضُوءٍ، رُبَّما يَحْتاجُ إلى صلاةِ النّافِلَةِ.
(1) أخرجه البخارى، في: باب وضوء الرجل مع امرأته. . . .، من كتاب الوضوء. صحيح البخارى 1/ 60.
(2)
انظر ما أخرجه ابن أبى شيبة عن ابن عمر، وعطاء، وطاوس، في: باب في الوضوء في المسجد، من كتاب الطهارات. المصنف 1/ 36، 37. وعبد الرزاق في مصنفه 1/ 75.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا أرادَ أن يَبُولَ في المسجدِ في طَسْتٍ، لم يُبَحْ له ذلك؛ لأنَّ المَساجِدَ لم تُبْنَ لهذا، وهو ممّا يَقْبُحُ ويَفْحُشُ ويُسْتَخَفُّ به، فوَجَبَ صِيانَةُ المَسْجِدِ عنه، كما لو أرادَ أن يَبُولَ في أرْضِه ثم يَغْسِلَه، وإن أرادَ الفَصْدَ والحِجامَةَ فيه، فكذلك. ذَكَرَه القاضِى؛ لأنَّه إِراقَةُ نَجاسَةٍ في المَسْجِدِ، فَأشْبَهَ البَوْلَ فيه. وإن دَعَتْ إليه حاجَةٌ كَبِيرَةٌ خرَج مِن المَسْجِدِ ففَعَلَه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنِ اسْتَغْنَى [عنه، لم يَكُنْ](1) له الخُرُوجُ إليه، كالمرضِ الذي يُمْكِنُ احْتِمالُه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أن يَجُوزَ الفَصْدُ في المَسْجِدِ في طَسْتٍ؛ بدَلِيلِ أنَّ المُسْتَحاضَةَ يَجُوزُ لها الاعْتِكافُ، ويَكُونُ تَحْتَها شئٌ يَقَعُ فيه الدَّمُ. قالت عائِشَةُ، رَضِىَ اللهُ عنها: اعْتَكَفَتْ مع رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم امرأةٌ مِن أزْواجِه مُسْتَحاضَةٌ، فكانت تَرَى الحُمْرَةَ والصُّفْرَةَ، ورُبَّما وَضَعْنا الطَّسْتَ تَحْتَها وهي تُصَلِّى. رَواه البخاريُّ (2). والأوَّلُ أوْلَى، والفَرْقُ بينَهما أنَّ المُسْتَحاضَةَ لا يُمْكِنُها التَّحَرُّزُ مِن ذلك إلَّا بتَرْكِ الاعْتِكافِ، بخِلافِ الفَصْدِ. واللهُ أعلمُ.
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في 2/ 457.