الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ الْقَاضِى: لَا يُجْزِئُ بَعْدَ الزَّوَالِ.
ــ
صَوْمِى. خُرِّجَ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يُفْطِرُ؛ لأنَّه لم يَبْقَ جازِمًا بنِيَّةِ الصومِ، ولذلك لا يَصِحُّ ابْتِداءُ النِّيَّةِ بمِثْلِ هذا. والثّانِى، لا يُفْطِرُ؛ لأنَّه لم يَنْوِ الفِطْرَ نِيَّةً صَحِيحَةً، لأنَّ النِّيَّةَ لا يَصِحُّ تَعْلِيقُها على شَرْطٍ، ولذلك لا يَنْعَقِدُ الصومُ بمِثْلِ هذة النِّيَّةِ.
فصل: ومَن ارْتَدَّ عن الِإسْلامِ، أفْطَرَ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. إذا ارْتَدَّ في أثْناءِ الصومِ فعليه قَضاءُ ذلك اليومِ إذا عاد إلى الِإسْلامِ، سَواءٌ أسْلَمَ في أثْناء اليومِ، أو بعدَ انْقِضائِه، وسَواءٌ كانت رِدَّتُه باعْتِقادِه ما يَكْفُرُ به، أو شَكِّه، أو النُّطْقِ بكَلِمَةِ الكُفْرِ مُسْتَهْزِئًا أو غيرَ مُسْتَهْزِئٍ؛ لأنَّها عِبادَةٌ مِن شَرْطِها النِّيَّةُ، أشْبَهَتِ الصلاةَ والحَجَّ.
1058 - مسألة: (ويَصِحُّ صومُ النَّفْلِ بنِيَّةٍ مِن النَّهارِ، قبلَ الزَّوالِ وبعدَه. وقال القاضي: لا يُجْزِئُ بعدَ الزَّوالِ)
يَصِحُّ صومُ التَّطَوُّعِ بنِيَّةٍ مِن النَّهارِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ. ورُوِىَ ذلك عن أبى الدَّرْداءِ، وأبِى طَلْحَةَ، وابنِ مسعودٍ، وحُذَيْفَةَ، وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، والنَّخَعِىِّ. وقال مالكٌ، وداودُ: لا يَجُوزُ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِن اللَّيْلِ؛ لقولِه عليه السلام: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» (1). ولأنَّ الصلاةَ يَتَّفِقُ نِيَّةُ نَفْلِها وفرْضِها، فكذلك الصومُ. ولَنا، ما رَوَتْ عائشةُ رَضىَ اللهُ عنها، قالت: دَخَل علىَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ، فقال:«هَلْ عِنْدَكُمْ شَئٌ؟» قُلْنا: لا. قال: «فَإنَّى إذًا صَائِمٌ» . أخْرَجَه مسلمٌ، وأبو داودَ، والنَّسائِىُّ (2). ويَدُلُّ عليه أيضًا حديثُ عاشُوراءَ (3). ولأنَّ الصلاةَ يُخَفَّفُ نَفْلُها عن فَرْضِها في سُقُوطِ القِيامِ، وجَوازِها في السَّفَرِ على الرّاحِلَةِ إلى غيرِ القِبْلَةِ، فكذلك الصِّيامُ. وحَدِيثُهم نَخُصُّه بحدِيثنِا، ولو تَعارَضا قُدِّمَ حَدِيثُنا؛ لأنَّه أصَحُّ مِن حَدِيثِهم، فإنَّه مِن رِوايَةِ ابنَ لَهِيعَةَ، ويحيى بنَ أيُّوبَ (4). قال المَيْمُونِىُّ: سَألْتُ أحمدَ عنه، فقالَ: أُخْبِرُك ما له عندى ذاك الِإسنادُ، إلَّا أنَّه عنِ ابنِ عُمَرَ وحَفْصَةَ، إسْنادان جَيِّدان. والصلاةُ يَتَّفِقُ وَقْتُ النَّيَّةِ لنَفْلِها وفرْضِها؛ لأنَّ اشْتِراطَ النَّيَّةِ في أوَّلِ الصلاةِ لا يُفْضِى إلى تَقْلِيلِها، بخِلافِ الصومِ، فإنَّه يُعَيَّنُ له الصومُ مِن النَّهارِ، فعُفِىَ عنه، جَوَّزْنا التَّنَفُّلَ قَاعِدًا لهذه العِلَّةِ. إذا ثَبَت ذلك، فأىَّ وَقْتٍ مِن النَّهارِ نَوَى أجْزَأه.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 391.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 402.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 390.
(4)
يحيى بن أيوب الغافقى المصري أبو العباس، صدوق ربما أخطأ، توفى سنة ثمان وستين ومائة. تهذيب التهذيب 11/ 186 - 188. تقريب التهذيب 2/ 343.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، والخِرَقِىِّ. وهو ظاهِرُ قولِ ابنِ مسعودٍ. ويُرْوَى عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ. واخْتارَ القاضي، في «المُجَرَّدِ» أنَّه لا تُجْزِئُه النِّيَّةُ بعدَ الزَّوالِ. وهو مَذْهَبُ أبى حنيفةَ، والمَشْهُورُ مِن قَوْلَى الشافعىَّ؛ لأنَّ مُعْظَمَ النَّهارِ مَضَىَ بغيرِ نِيَّةٍ، بخِلافِ النّاوِى قبلَ الزَّوالِ، فإنَّه قد أدْرَكَ مُعْظَمَ العِبادَةِ، ولهذا تَأْثِيرٌ في الأصُولِ، بدلِيلِ أنَّ مَن أدْرَكَ الإِمامَ في الرُّكُوعِ أدْرَكَ الرَّكْعَةَ؛ لِإدْراكِه مُعْظَمَها، ولو أدْرَكَه بعدَ الرَّفعِ لم يَكُنْ مُدرِكًا لها، وكذلك مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِن الجُمُعَةِ يَكُونُ مُدْرِكًا لها؛ لأنَّها تَزِيدُ بالتَّشَهُّدِ، ولا يُدْرِكُها بدُونِ الرَّكْعَةِ لذلك. ولَنا، أنَّه نَوَى في جُزْءٍ مِن النَّهارِ، أشْبَهَ ما لو نوَى في أوَّلِه، ولأنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ وَقْتٌ لنِيَّةِ الفَرْضِ، فكذلك جَمِيعُ النَّهارِ وَقْتٌ لنِيَّةِ النَّفْلِ، ولأنَّ صومَ النَّفْلِ إنَّما جَوَّزْناه بنِيَّةٍ مِن النَّهارِ طَلبًا لتَكْثِيرِه، وهذا أبْلَغُ في التَّكْثِيرِ.
فصل: وإنَّما يُحْكَمُ له بالصومِ الشَّرْعِىَّ المُثابِ عليه مِن وَقْتِ النِّيَّةِ، في المَنْصُوصِ عن أحمدَ، فإنَّه قال: مَن نوَى في التَّطَوُّعِ مِن النَّهارِ، كُتِب له بَقِيَّة يومِه، وإذا أجْمَعَ مِن اللَّيْل كِان له يومُه. وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشافعىِّ. وقال أبو الخَطّابِ، في «الهِدايَةِ»: يُحْكَمُ بذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن أوَّلِ النَّهارِ. وهو قولُ بعضِ الشافِعِيَّةِ؛ لأنَّ الصومَ لا يَتَبَعَّضُ في اليومِ؛ بدَلِيلِ ما لو أكَل في بعضِه، لم يُجْزِئْه صِيامُ باقِيه، فإذا وُجِد في بعضِ اليومِ دَلَّ على أنَّه صائِمٌ مِن أوَّلِه، ولا يَمْتَنِعُ الحُكْمُ بالصوم مِن غيرِ نِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ، كما لو نَسِىَ الصومَ بعدَ نِيَّتِه، أو غَفَل عنه، ولأنَّه لو أدرَكَ بعضَ الرَّكْعَةِ، أو بعضَ الجَماعَةِ كان مُدْرِكًا لجَمِيعِها. ولَنا، أنَّ ما قبلَ النِّيَّةِ لم يَنْوِ صِيامَه، فلا يَحْصُلُ له صِيامُه؛ لقَولِه عليه السلام:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (1). ولأنَّ الصومَ عِبادَةٌ مَحْضَةٌ، فلا يُوجَدُ بغيرِ نِيَّةٍ، كسائِرِ العِباداتِ المَحْضَةِ. ودَعْوَى أنَّ الصومَ لا يَتَبَعَّضُ، دَعْوَى مَحَلِّ النِّزاعِ، وإنَّما يُشْتَرَطُ لصومِ البعضِ أن لا تُوجَدَ المُفْطِراتُ في شيءٍ مِن اليومِ، ولهذا قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم، في حديثِ عاشُوراءَ:«فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» (2). وأمّا إذا نَسِىَ النِّيَّةَ بعدَ وُجُودِها،
(1) تقدم تخريجه في 1/ 308.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 390.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّه يَكُونُ مُسْتَصْحِبًا لحُكْمِها، بخِلافِ ما قبلَها، فإنَّها لم تُوجَدْ حُكْمًا، ولا حَقِيقَةً، ولهذا لو نَوَى الفَرْضَ مِن اللَّيْلِ، ونَسِيَه في النَّهارِ، صَحَّ صَوْمُه، ولو لم يَنْوِ مِن اللَّيْلِ، لم يَصِحَّ صومُه. وأمّا إدْراكُ الرَّكْعَةِ والجَماعَةِ، فإنَّما مَعْناه أنَّه لا يَحْتاجُ إلى قَضاءِ رَكْعَةٍ، ويَنْوِى أنَّه مَأْمُومٌ، وليس هذا مُسْتَحِيلًا، أمّا أن يَكُونَ ما صلَّى الإمامُ قبلَه مِن الرَّكَعاتِ مَحْسُوبًا له، بحيث يُجْزِئُه عن فِعْلِه، فكَلَّا، ولأنَّ مُدْرِكَ الرُّكُوعِ مُدْرِكٌ لجَمِيعِ أرْكانِ الرَّكْعَةِ، لأنَّ القِيامَ وُجِد حينَ كَبَّرَ وفَعَل سائِرَ الأرْكانِ مع الإِمامِ. وأمّا الصومُ فإنَّ النِّيَّةَ شَرْط له، أو رُكْنٌ فيه، فلا يُتَصَوَّرُ وُجُودُه بدُونِ شَرْطِه ورُكْنِه.
فصل: وإنَّما يَصِحُّ (1) الصومُ بنِيَّةٍ مِن النَّهارِ، بشَرْطِ أن لا يَكُونَ طَعِم قبلَ النِّيَّةِ، ولا فَعَل ما يُفْطِرُه. فإن فَعَل شيئًا مِن ذلك، لم يُجْزِئْه الصيامُ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. والله عز وجل أعلمُ.
(1) في م: «يصوم» .