الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمِ السَّبْتِ، وَيَوْمِ الشَّكِّ، وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، إِلَّا أَنْ يُوافِقَ عَادَةً.
ــ
1100 - مسألة: (و)
يُكْرَهُ (إفْرادُ يَوْمِ الجُمُعَةِ، ويَوْمِ السَّبْتِ، ويَوْمِ الشَّكِّ، ويَوْمِ النَّيْرُوزِ (1)، والمِهْرَجانِ (2)، إلَّا أن يُوافِقَ عادَةً) وجُمْلَتُه أنَّه يُكْرَهُ إفْرادُ يَوْمِ الجُمُعَةِ بالصومِ، إلَّا أن يُوافِقَ عادَةً، مثلَ مَن يَصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا، فيوافِقُ صومُه يومَ الجُمُعَةِ، أو مَن عادَتُه صَوْمُ أوَّلِ يومٍ مِن (3) الشَّهْرِ أو آخِرِه، أو يومِ نِصْفِه (4) ونحوِ ذلك. نَصَّ عليه أحمدُ في رِوايَةِ الأَثْرَمِ، قال: قيل لأبى عبدِ اللهِ: صِيامُ يَوْمِ الجُمُعَةِ؟ فذَكَرَ حديثَ النَّهْىِ أن يُفْرَدَ، ثمَّ قال: إلَّا أن يَكُونَ في صِيامٍ كان يَصُومُه، أمَّا أن يُفْرَدَ فَلَا. قال: قُلْتُ: رَجُلٌ كان يَصُومُ يومًا ويُفْطِرُ يَوْمًا، فوَقَعَ
(1) النيروز: أول يوم من السنة الشمسية الفارسية، وأكبر أعيادهم، ويوافق الحادى والعشرين من شهر مارس من السنة الميلادية.
(2)
يوم المهرجان: عيد تقيمه الفرس احتفالا بالاعتدال الخريفى.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «لضعفه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فِطْرُه يومَ الخَمِيسِ، وصَوْمُه يومَ الجُمُعَةِ، وفِطْرُه يومَ السَّبْتِ، فصامَ الجُمُعَةَ مُفْرَدًا، فقالَ: هذا الآنَ لم يَتَعَمَّدْ صَوْمَه خاصَّةً، إنّما كُرِهَ أن يَتَعَمَّدَ الجُمُعَةَ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: لا يُكْرَهُ إفْرادُ الجُمُعَةِ؛ لأنَّه يومٌ، فأَشْبَهَ سائِرَ الأَيَّامِ. ولَنا، ما روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«لا يَصُومّنَّ أحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إلَّا أنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أو يَوْمًا بَعْدَهُ» . وقال محمدُ بنُ عَبَّادٍ: سَأَلْتُ جابِرًا: أنَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صومِ يومِ الجُمُعَةِ؟ قال: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عليهما (1). وعن جُوَيْرِيَةَ بنتِ الحارِثِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم دَخَل عليها يومَ الجُمُعَةِ، وهي صائِمَةٌ فقالَ:«أصُمْتِ أمْسِ؟» . قالت: لا. قال: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِى غَدًا؟» . قالت: لا. قال: «فَأَفْطِرِى» . رَواه البخارىُّ (2). وسُنَّةُ
(1) الأول أخرجه البخاري، في: باب صوم يوم الجمعة. . . .، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 54. ومسلم، في: باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 81. كما أخرجه أبو داود، في: باب النهى أن يخص يوم الجمعة بصوم. من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 564. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية صوم يوم الجمعة وحده. من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 279. وابن ماجه، في: باب في صيام يوم الجمعة، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 549. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 303، 422، 458، 495، 526، 532.
والثانى أخرجه البخاري، في: الباب السابق. ومسلم، في: الباب الذي سبق ذكره. كما أخرجه الدارمى، في: باب في النهى عن الصيام يوم الجمعة، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 19.
(2)
في: باب صوم يوم الجمعة. . . .، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 54.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الرخصة في ذلك، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 564. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 324، 430.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أحَقُّ أن تُتَّبَعَ. وهذا الحديثُ يَدُلُّ على أنَّ المَكْرُوهَ إفْرادُه؛ لأنَّ نَهْيَه مُعَلَّلٌ بكَوْنِها لم تَصُمْ أمْسِ ولا غَدًا.
فصل: ويُكْرَهُ إفْرادُ يَوْمِ السَّبْتِ بالصومِ. ذَكَرَه أَصحابُنا؛ لِما روَى عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ، إلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» (1). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ. ورُوِىَ أيضًا عن عبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ، عن أُخْتِه الصَّمَّاءِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ، إلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا لِحاءَ عِنَبٍ، أوْ عُودَ شَجَرَةٍ، فَلْيَمْضُغْهُ» . رَواه أبو داودَ (2). قال: اسمُ أخْتِ عبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ هُجَيْمَةُ (3) أو جُهَيْمَةُ. قال الأثْرَمُ: قال أبو عبدِ اللهِ: أمّا صِيامُ يومِ السَّبْتِ يَنْفَرِدُ به، فقد جاء فيه
(1) لم نجد هذا عند الترمذي، وإنما روى الحديث الآتى عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء. والحديث أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في صيام يوم السبت، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 550. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 189.
(2)
في: باب النهى أن يخص يوم السبت بصوم، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 564. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في صوم يوم السبت، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 279. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صيام يوم السبت، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 550. والدارمى، في: باب في صيام يوم السبت، من كتاب الصيام. سنن الدارمى 2/ 19. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 368.
(3)
ذكره ابن حجر، في الإِصابة 8/ 146. وقال: قيل هو اسم الصماء أخت عبد الله بن بسر. وذكر ابن حجر أيضًا، في الإصابة 7/ 539 أن اسمها بهية، بالتشديد مصغرة، ويقال: بهيمة. بالميم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حديثُ الصَّمّاءِ. والمَكْرُوهُ إفْرادُه، فإن صام معه غيرَه لم يُكْرَهْ؛ لحديثِ أبى هُرَيْرَةَ، وجُوَيْرِيَةَ. وإن وافَقَ صَوْمًا لإِنْسانٍ لم يُكْرَهْ؛ لِما قَدَّمْناه.
فصل: ويُكْرَهُ صِيامُ يَوْمِ الشَّكِّ، وهو يَوْمُ الثَّلاثِينَ مِن شَعْبانَ إذا كانت السَّماءُ مُصْحِيَةً ولم يَرَوُا الهِلالَ، إلَّا أن يُوافِقَ صَوْمًا كان يَصُومُه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كمَن عادَتُه صومُ يَوْمٍ وفِطْرُ يومٍ، أو صومُ يَوْمِ الخَمِيسِ، أو صومُ آخِرِ يومٍ مِن الشَّهْرِ، وشِبْهُ ذلك، أو مَن صام قبلَ ذلك بأيّامٍ، فلا بَأْسَ بصومِه، لِما روَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لَا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رمضانَ بِصِيَامِ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صِيَامًا فَلْيَصُمْهُ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). ويَحْتَمِلُ أن يَحْرُمَ؛ لقَوْلِ عَمّارٍ: مَن صام اليومَ الذي يُشَكُّ فيه فقد عَصَى أبا القاسِمِ صلى الله عليه وسلم (2). حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 35، 36. ومسلم، في: باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 762.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في من يصل شعبان برمضان، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 545. والترمذي، في: باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 200، 201. والنسائي، في: باب التقدم قبل شهر رمضان، وباب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير ومحمد ابن عمرو على أبى سلمة فيه، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 122، 123. وابن ماجه، في: باب ما جاء في النهى أن يتقدم رمضان بصوم، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 528. والدارمى، في: باب النهى عن التقدم في الصيام قبل الرؤية، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 4. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 234، 281، 347، 408، 438، 477، 497، 513، 521، 4/ 314.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 34. وأبو داود، في: باب كراهية صوم يوم الشك، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 545. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 202. والنسائي، في: باب صيام يوم الشك، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 126. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صيام يوم الشك، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 527.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُكْرَهُ إفْرادُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ، والمِهْرَجانِ بالصومِ. ذَكَرَه أصحابُنا؛ لأنَّهُما يَوْمان يُعَظِّمُهُما الكُفّارُ، فيَكُونُ تَخْصِيصُهما بالصِّيامِ دونَ غيرِهما مُوافَقَةً لهم في تَعْظِيمِهما، فكُرِهَ، كيومِ السَّبْتِ. وعلى قِياسِ هذا، كلُّ عِيدٍ للكُفّارِ، أو يومٍ يُفْرِدُونَه بالتَّعْظِيمِ، يُكْرَهُ إفْرادُه بالصومِ، لِما ذَكَرْنا، إلَّا أن يُوافِقَ عادَةً، فلا يُكْرَهُ؛ لما ذَكَرْنا في الفُصُولِ المُتَقَدِّمَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل في الوِصالِ: وهو أن لا يُفْطِرَ بينَ اليَوْمَيْن أو الأَيّامِ بأكْلٍ وشُرْبٍ. وهو مَكْرُوهٌ في قولِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. ورُوِىَ عن ابنِ الزُّبَيْرِ أنَّه كان يُواصِلُ اقْتِداءً برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عمرَ، قال: واصَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في رمضانَ، فواصَلَ الناسُ، فنَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الوِصالِ، فقالُوا: إنَّكَ تُواصِلُ. فقالَ: «إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إنِّي أُطْعَمُ وأُسْقَى» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وهذا يَقْتَضِى اخْتِصاصَه بذلك، ومَنْعَ إلْحاقِ غيرِه به، وقولُه:«إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» يَحْتَمِلُ أنَّه أَرادَ: إنِّي أُعانُ على الصيامِ، ويُغْنِيه اللهُ تعالى عن الشَّرابِ والطَّعامِ، بمَنْزِلَةِ مَن طَعِمَ وشَرِبَ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ: إنِّي أُطْعَمُ حَقِيقَةً، وأُسْقَي حَقِيقَةً، حَمْلاً
(1) أخرجه البخاري، في: باب بركة السحور من غير إيجاب، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 37. ومسلم، في: باب النهى عن الوصال في الصوم، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 774. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الوصال، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 551. والإمام مالك، في: باب النهى عن الوصال في الصيام، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 300. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 21، 23، 102، 112، 143، 153.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للَّفْظِ على حَقِيقَتِه، والأوَّلُ أَظْهَرُ، لوَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّه لو طَعمَ وشَرِب حقِيقَةً لم يَكُنْ مُواصِلاً، وقد أقَرَّهُم على قَوْلِهم: إنَّكَ تُواصِلُ. والثانى، أنَّه قد رُوِىَ أنَّه قال:«إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّى وَيَسْقِينِى» (1). وهذا يَقْتَضِى أنَّه في النَّهارِ، ولا يَجُوزُ الأَكْلُ في النَّهارِ له ولا لغيرِه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الوِصالَ غيرُ مُحَرَّمٍ. وظاهِرُ قَوْلِ الشافعىِّ أنَّه حَرامٌ؛ لظاهِرِ النَّهْىِ. ولَنا، أنَّه تَرَك الأَكْلَ والشُّرْبَ المُباحَ، فلم يَكُنْ مُحَرَّمًا، كما لو تَرَكَه في حالِ الفِطْرِ، فإن قِيلَ: فصومُ يومِ العِيدِ مُحَرَّمٌ مع كَوْنِه تَرْكًا للأَكْلِ والشُّرْبِ المُباحِ. قُلْنا: ما حُرِّمَ تَرْكُ الأَكْلِ والشُّرْبِ بنَفْسِه، وإنّما حُرِّمَ بنِيَّةِ الصومِ، ولهذا لو تَرَكَه مِن غيرِ نِيَّةِ الصومِ لم يَكُنْ مُحَرَّمًا. وأمَّا النَّهْىُ، فإنَّما أتَى به رَحْمَةً لهم، ورِفْقًا بهم؛ لِما فيه مِن المَشَقَّةِ عليهم. كما نَهَى عبدَ اللهِ بنَ عَمْروٍ عن صِيامِ النَّهارِ وقِيامِ اللَّيْلِ، وعن
(1) أخرجه البخاري، في: باب ما يجوز من اللو، من كتاب التمنى. صحيح البخاري 9/ 106. ومسلم، في: باب النهى عن الوصال في الصوم. من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 776. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 23، 253، 257، 377، 496.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قِراءَةِ القُرآنِ في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ. وقالت عائشةُ: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الوِصالِ رَحْمَةً لهم (1). وهذه قَرِينَةٌ صارِفَةٌ عن التَّحْرِيمِ، ولهذا لم يَفْهَمْ منه أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم التَّحْرِيمَ؛ بدَلِيلِ أنَّهُم واصَلُوا بَعْدَه، ولو فَهِمُوا منه التَّحْرِيمَ لَما فَعَلُوه. قال أبو هُرَيْرَةَ: نَهَى رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الوِصالِ، فلمّا أبَوْا أن يَنْتَهُوا، واصَلَ بهم يومًا ويَوْمًا، ثمَّ رَأَوُا الهِلالَ، فقالَ:«لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» ، كالمُنَكِّلِ لهم حينَ أَبَوْا أن يَنْتَهُوا. مُتَّفَقٌ عليه (2). فإن واصَلَ إلى السَّحَرِ جازَ؛ لِما روَى أبو سَعِيدٍ، أنَّه سَمِع رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أرَادَ أنْ يُواصِلَ فَلْيُواصِلْ إلَى السَّحَرِ» . أَخْرَجَه البخاريُّ (3). وتَعْجِيلُ الفِطْرِ أَفْضَلُ لِما قَدَّمْناه.
(1) أخرجه البخاري، في: باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 48. ومسلم، في: باب النهى عن الوصال في الصوم، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 776.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب كم التعزير والأدب، من كتاب الحدود. وفي: باب ما يجوز من اللو، من كتاب التمنى. وفي: باب ما يكره من التعمق. . . .، من كتاب الاعتصام. صحيح البخارى 8/ 216، 9/ 106، 119. ومسلم، في: باب النهى عن الوصال في الصوم، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 774.
كما أخرجه الدارمى، في: باب النهى عن الوصال في الصوم، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 8. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 281، 516.
(3)
في: باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 48.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الوصال، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 551. والدارمى، في: باب النهى عن الوصال في الصوم. من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 8. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 8، 87، 96.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل في صومِ الدَّهْرِ: روَى أبو قَتادَةَ، قال: قِيلَ يا رسولَ اللهِ، فكيف بمَن صام الدَّهْرَ؟ قال:«لَا صَامَ، وَلَا أفْطَرَ، أوْ لَمْ يَصُمْ، وَلَمْ يُفْطِرْ» . قال التِّرْمِذِىُّ (1): هذا حديثٌ حسنٌ. وعن أبي موسى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ» (2). قال الأثْرَمُ: قِيلَ لأبِى عبدِ اللهِ: فَسَّرَ مُسَدَّدٌ حَدِيثَ أبى موسى: «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ» فلا يَدْخُلُها، فضَحِكَ، وقال: مَن قال هذا؟ وأين حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عَمْروٍ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كَرِه ذلك، وما فيه مِن الأحادِيثِ؟ قال أبو الخَطّابِ: إنَّما يُكْرَهُ إذا أدْخَلَ فيه يَوْمَىِ العِيدَيْن، وأيّامَ التَّشْرِيقِ؛ لأنَّ أحمدَ قال: إذا أفْطَرَ يَوْمَىِ العِيدَيْن، وأيّامَ التَّشْرِيقِ رَجَوْتُ أن لا يَكُونَ بذلك بَأْسٌ. وَرُوِىَ نَحْوُ هذا عن مالكٍ، وهو قَوْلُ الشافعىِّ؛ لأَنَّ جَماعَةً مِن الصحابَةِ كانُوا يَسْرُدُون الصومَ،
(1) في: باب ما جاء في صوم الدهر، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 297.
كما أخرجه مسلم، في: باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. . . .، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 818، 819. وأبو داود، في: باب صوم الدهر تطوعا، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 565. والنسائي، في: باب النهى عن صيام الدهر، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 176. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 297، 311.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 4/ 414. والبيهقى، في: باب من لم ير بسرد الصيام بأسا، من كتاب الصيام. السنن الكبرى 4/ 300.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منهم أبو طَلْحَةَ، قِيلَ: إنَّه صام بعدَ مَوْتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أرْبَعِين سَنَةً. قال شيخُنا (1): ويَقْوَى عِنْدِى أنَّ صومَ الدَّهْرِ مَكْرُوهٌ، وإن لم يَصُمْ هذه الأيّامَ، فإن صامَها فقد فَعَل مُحَرَّمًا، وإنّما كُرهَ صومُ الدَّهْرِ؛ لما فيه مِن المَشَقَّةِ والضَّعْفِ وشِبْهِ التَّبَتُّلِ المَنْهِىِّ عنه؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لعبدِ اللهِ ابنِ عَمْروٍ:«إنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ!» قُلْتُ: نعم. قال: «إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ هَجَمَتْ (2) لَهُ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ (3) لَهُ النَّفْسُ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ» . وذَكَر الحَدِيثَ. رَواه البخارىُّ (4).
(1) في المغنى: 4/ 430.
(2)
هجمت: غارت.
(3)
نفهت: أعيت.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 515.