الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفُقَرَاءُ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ. وَالثَّانِى، الْمَسَاكِينُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ.
ــ
العِلْمِ في أنَّه لا يَجُوزُ دَفْعُ هذه الزَّكاةِ إلى غيرِ هذه الأصْنافِ، إلَّا ما رُوِى عن أنَسٍ، والحسنِ، أنَّهُما قالا: ما أعْطَيْتَ في الجُسورِ والطُّرُقِ فهى صَدَقَةٌ قاضِيةٌ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} . و «إنَّمَا» للحَصْرِ تُثْبِتُ المَذْكُورَ، وتَنْفِى ما عَداه؛ لأنَّها مُرَكَّبَةٌ من حرفَىْ نَفْى، وإثْباتٍ، وذلك كقَوْلِه تعالى:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (1). أى لا إله إلَّا اللَّهُ، وكقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ» (2).
990 - مسألة: (الفُقَراءُ؛ وهم الذين لا يَجِدُون ما يَقَعُ مَوْقِعًا مِن كِفايَتِهم. الثَّانِى، المَساكِينُ؛ وهم الذين يَجِدُون مُعْظَمَ الكِفايَةِ)
الفُقَراءُ والمَساكِينُ صِنْفان في الزَّكاةِ، وصِنْفٌ واحِدٌ في سائِرِ الأحْكامِ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ مِن الاسْمَيْن يَنْطَلِقُ عليهما، فأمّا إذا جُمِعَ بينَ الاسمَيْن، ومُيِّزَ بينَ المُسَمَّيَيْن تَمَيَّزا، وكِلاهما يُشْعِرُ بالحاجَةِ والفاقَةِ وعَدَمِ الغِنَى،
(1) سورة النساء 171.
(2)
يأتى تخريجه في باب الشروط في البيع من كتاب البيع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا أنَّ الفَقِيرَ أشَدُّ حاجَةً مِن المِسْكِينِ، لأنَّ اللَّهَ تعالى بَدَأ به، وإنَّما يَبْدأُ بالأهَمِّ فالأهَمِّ. وبهذا قال الشافعىُّ، والأصْمَعِىُّ. وذَهَب أبو حنيفةَ إلى أنَّ المِسْكِينَ أشدُّ حاجَةً. وبه قال الفَرَّاءُ، وثعلبٌ، وابنُ قُتَيْبَةَ، لقَوْلِ اللَّهِ تعالى:{أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (1). وهو المَطْرُوحُ على التُّرابِ لشِدَّةِ حاجَتِه، وأنْشَدَ (2):
أمّا الفَقِيرُ الذى كانتْ حَلُوبَتُه
…
وَفْقَ العِيالِ فلم يُتْرَكْ لَه سَبَدُ (3)
فأخْبَرَ أنَّ الفَقِيرَ حَلُوبَتُه وَفْقَ عِيالِه. ولَنا، أنَّ اللَّهَ تعالى بَدَأ بالفُقَراءِ، فيَدُلُّ على أنهم أهَمُّ، وقال تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (4). فأخْبَرَ أنَّ المَساكِينَ لهم سَفِينَةٌ يَعْمَلُون فيها. ولأنَّ النبىَّ
(1) سورة البلد 16.
(2)
البيت للراعى النميرى وهو في ديوانه 55.
(3)
السبد: القليل من الشعر. وما له سبد ولا لبد محركتان أى لا قليل ولا كثير.
(4)
سورة الكهف 79.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم قال: «اللهُمَّ أحْيِنِى مِسْكِينًا، وَأمِتْنِى مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِى فِى زُمْرَةِ المَسَاكِينِ» (1). وكان يَسْتَعِيذُ مِن الفَقْرِ، ولا يَجوزُ أن يَسْألَ شِدَّةَ الحاجَةِ، ويَسْتَعِيذَ مِن حالةٍ أصْلَحَ منها، ولأنَّ الفَقِيرَ (2) مُشْتَقٌّ مِن فِقَرِ الظَّهْرِ، فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُولٍ، أى مَفْقُورٌ، وهو الذى نُزِعَتْ فِقْرَةُ ظَهْرِه فانْقَطَعَ صُلْبُه. قال الشاعِرُ (3):
لَمّا رَأى لُبَدُ النُّسُورَ تَطايَرَتْ
…
رَفَعَ القَوادِمَ كالفَقِيرِ الأعْزَلِ (4)
أى لم يُطِقِ الطَّيَرانَ، كالذى انْقَطَعَ صُلْبُه. والمِسْكِينُ مِفْعِيلٌ مِن السُّكونِ، وهو الذى أسْكَنَتْه الحاجَةُ، ومَن كُسِرَ صُلْبُه أشَدُّ حالًا مِن السّاكِنِ. فأمّا الآيةُ فهى حُجَّةٌ لَنا؛ لأنَّ نَعْتَ اللَّهِ سبحانه المِسْكِينَ بكَوْنِه ذا مَتْرَبَةٍ، يدُلُّ على أنَّ هذا النَّعْتَ لا يَسْتَحِقُّه بإطْلاقِ اسمِ المَسْكَنَةِ،
(1) أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء أن فقراء المهاجرون يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، من أبواب الزهد. عارضة الأحوذى 9/ 213. وابن ماجه، في: باب مجالسة الفقراء، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه 2/ 1381.
(2)
في الأصل: «الفق» .
(3)
هو لبيد بن ربيعة العامرى. ديوانه 274.
(4)
لبد: هو السابع من نسور لقمان بن عاد. معمر جاهلى قديم، زعموا أنه عاش عمر سبعة نسور.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما يُقالُ: ثَوْبٌ ذو عَلَمٍ. ويجوزُ التَّعْبِيرُ عن الفَقِيرِ بالمِسْكِينِ بقَرِينَةٍ وبغيرِ قَرِينَةٍ، والشِّعْرُ أيضًا حُجَّةٌ لَنا، فإنَّه أخْبَرَ أنَّ الذى كانت حَلُوبَتُه وَفْقَ العِيالِ لم يُتْرَكْ له سَبْدٌ، فصارَ فَقِيرًا لا شئَ له. إذا تَقَرَّر ذلك، فالفَقِيرُ الذى لا يَقْدِرُ على كَسْبِ ما يَقَعُ مَوْقِعًا مِن كِفايَتِه، ولا له مِن الأُجْرَةِ أو مِن المالِ الدّائِم ما يَقَعُ مَوْقِعًا مِن كِفايَتِه، ولا له خَمْسُون دِرْهَمًا، ولا قِيمَتُها مِن الذَّهَبِ، مثلَ الزَّمْنَى والمَكافِيفِ وهم العُمْيانُ؛ لأنَّ هؤلاء في الغالِبِ لا يَقْدِرُون على اكْتِسابِ ما يقعُ مَوْقِعًا مِن كِفايَتِهم، ورُبَّما لا يَقدِرُون على شئٍ أصْلًا، قال اللَّهُ تَعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (1). فمعنى قولِه: يقعُ مَوْقِعًا عِن كِفايَتِه. أنَّه يَحْصُلُ به مُعْظَمُ الكِفايَةِ أو نِصْفُها، مثلَ مَن يَكْفِيه عَشَرَةٌ،
(1) سورة البقرة 273.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَحْصُلُ له مِن مَسْكَنِه أو غيرِه خَمْسَةٌ فما زاد، والذى لا يجدُ إلَّا [ما لا يقعُ](1) مَوْقِعًا مِن كِفايَتهِ، كالذى لا يُحصِّلُ إلَّا ثَلاثةً أو دُونَها، فهذا هو الفقيرُ، والأولُ هو المسكينُ. فأمّا الذى يَسْألُ، فيُحَصِّلُ الكِفايةَ أو مُعْظمَها مِن مَسْألَتِه، فهو مِن المَساكِينِ، لكنَّه يُعْطى جَمِيعَ كِفايتِه، ليَغْتَنِىَ عن السُّؤالِ. فإن قيل: فقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِى تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الذى لا يَسْألُ النَّاسَ، وَلَا يُفْطنُ لَهُ فَيُتَصَدَّق عَلَيْهِ» (2). قُلْنا: هذا تَجَوُّزٌ، وإنّما نَفَى
(1) في الأصل: «ما يقع» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب قول اللَّه تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} . . .، من كتاب الزكاة، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 2/ 153، 6/ 40. ومسلم، في: باب المسكين الذى لا يجد غنى. . .، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 719. وأبو داود، في: باب من يعطى من الصدقة وحَدُّ الغِنى، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 379. والنسائى، في: باب تفسير المسكين، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 63، 64. والدارمى، في: باب المسكين الذى يتصدق عليه، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 379. والإمام مالك، في: باب ما جاء في المساكين، من كتاب صفة النبى صلى الله عليه وسلم. الموطأ 2/ 923. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 384، 446، 2/ 316، 445، 457، 469،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المسْكَنَةَ عنه مع وُجُودِها حَقِيقَةً. فيه، مُبالَغَةً في إثْباتِها في الذى لا يَسْألُ النَّاسَ، كما قال عليه السلام:«لَيْس الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَإنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ (1) نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» (2). وأشْباهُ ذلك، كقَوْلِه:«مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟» قالوا: الذى لا يَعِيشُ له ولَدٌ قال: «لَا، وَلَكِنَّ الرَّقُوبَ الَّذِى لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِه شَيْئًا» (3).
(1) في الأصل: «يغلب» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب الحذر من الغضب. . .، من كتاب الأدب. صحيح البخارى 8/ 34. ومسلم، في: باب فضل من يملك نفسه عند الغضب. . .، من كتاب البر. صحيح مسلم 4/ 2014. والإمام مالك، في: كتاب ما جاء في الغضب، من كتاب حسن الخلق. الموطأ 2/ 906. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 236، 268.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب فضل من يملك نفسه عند الغضب. . .، من كتاب البر. صحيح مسلم 4/ 2014. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 382، 5/ 367.