الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ، إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا الإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تُجْزِئُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ.
ــ
975 - مسألة: (ولا يُجْزِئُ إخْراجُها إلَّا بنيَّةٍ، إلَّا أن يَأْخُذَها الإِمامُ منه قَهْرًا. وقال أبو الخَطّابِ: لا تُجْزِئُه أيضًا بغيرِ نِية)
مَذْهَبُ عامَّةِ أهلِ العلمِ، أنَّ النيةَ شَرْطٌ في إخْراجِ الزكاةِ. وحُكِىَ عن الأوْزاعِىِّ أنَّها لا تَجِبُ لها النِّيَّةُ؛ لأنَّها دَيْنٌ، فلا تَجِبُ لها النِّيَّةُ، كسائِرِ الدُّيُونِ، ولهذا يُخْرِجُها وَلِىُّ اليَتِيمِ، ويَأْخُذُها السُّلْطانُ مِن المُمْتَنِع. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (1). وأداؤُها عَمَلٌ، ولأنَّها عِبادَةٌ، منها
(1) تقدم تخريجه في 1/ 308.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فرضٌ ونَفْلٌ، فافْتَقَرَتْ إلى النِّيَّةِ، كالصلاةِ، وتُفارِقُ قَضاءَ الدَّيْنِ؛ فإنَّه ليس بعِبادَةٍ، فإنَّه يَسْقُطُ بإسقاطِ مُسْتَحِقِّه، ووَلِىُّ اليَتيمِ والسُّلْطانُ يَنُوبان عندَ الحاجَةِ. إذا ثَبَت ذلك، فالنِّيَّةُ أن يَعْتَقِدَ أنها زَكاتُه، أو زكاةُ مَن يُخْرِجُ عنه، كالصَّبِىِّ والمَجْنُونِ، ومَحَلُّها القَلْبُ، لأنَّه مَحَلُّ الاعْتِقاداتِ كلِّها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ على الأداءِ بالزَّمَنِ اليَسِيرِ، كسائِرِ العِباداتِ، ولأنَّها يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فيها، فاعْتِبارُ مُقارَنَةِ النِّيَّةِ للإِخْراجِ يُؤَدِّى إلى التَّغْرِيرِ (1) بمالِه، ولو تَصَدَّقَ الإِنْسانُ بجَمِيع مالِه ولم يَنْوِ به الزكاةَ، لم يُجْزِئْه. وهذا قولُ الشافعىِّ. وقال أصحابُ أبى حنيفةَ: يُجْزِئُه اسْتِحْسانًا. ولَنا، أنَّه لم ينوِ الفَرْضَ فلم يُجْزِئْه كما لو تَصَدَّقَ ببعضِ مالِه وكما لو صَلَّى مائةَ رَكْعَةٍ لم يَنْوِ الفرضَ بها.
فصل: ومَن له مالٌ غائِبٌ يَشُكُّ في سَلامَتِه، يَجُوزُ إخْراجُ الزكاةِ عنهْ، وتَصِحُّ منه نِيَّةُ الإِخْراجِ؛ لأنَّ الأصْلَ بَقاؤُه، فإن نَوَى أنَّ هذا زكاةُ مالِى إن كان سالِمًا، وإلَّا فهو تَطوُّعٌ، فبان سالِمًا، أجْزَأتْ؛ لأنَّه أخْلَصَ النِّيَّةَ للفَرْضِ، ثم رَتَّبَ عليها النَّفْلَ، وهذا حُكْمُها لو لم يَقُلْه، فإذا قالَه لم يَضُرَّ. ولو قال: هذا زكاةُ مالِى الغائِبِ والحاضِرِ. صَحِّ؛ لأنَّ التَّعْيِينَ لا يُشْتَرَطُ، بدَلِيلِ أنَّ مَن له أرْبَعُون دِينارًا إذا أخْرَجَ نِصْف دِينارٍ عنها، صَحَّ، وإن كان يَقَعُ عن عِشْرِين غيرِ مُعَيَنةٍ. وإن قال: هذا زَكاةُ مالِى الغائِبِ، أو تَطَوُّعٌ. لم يُجْزِئْه. ذَكَرَه أبو بكرٍ؛ لأنَّه لم يُخْلِص النِّيَّةَ للفَرْض، أشْبَهَ
(1) في م: «التقرير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما لو قال: أُصَلِّى فَرْضًا أو تَطَوُّعًا. وإن قال: هذا زكاةُ مالِى الغائِبِ إن كان سالِمًا، وإلَّا فهو زكاةٌ لمالِى الحاضِرِ. أجْزَأه عن السّالِمِ منهما. فإن كانا سالِمَيْن فعن أحَدِهما، لأنَّ التَّعْيِينَ ليس بشَرْطٍ. وإن قال: زكاةُ مالِى الغائِبِ. وأطْلَقَ، فبان تالِفًا، لم يكنْ له أن يَصْرِفَه إلى زَكاةِ غيرِه، لأنَّه عَيَّنَه، فأشْبَهَ ما لو أَعْتَقَ عَبْدًا عن كفّارَةٍ عَيَّنَها فلم يَقَعْ عنها، لم يكنْ له صَرْفُه إلى كَفّارَةٍ أُخْرَى. هذا التَّفْريعُ فيما إذا كانتِ الغَيْبَةُ ممّا لا تَمْنَعُ إِخْراجَ زَكاتِه في بَلَدِ رَبِّ المالِ، إمّا لقُرْبِه، أو لكَوْنِ البَلَدِ لا يُوجَدُ فيه أهلُ (1) السُّهْمانِ، أو على الرِّوايَةِ التى تقولُ بإجْزاءِ إخْراجِها في بَلَدٍ بعيدٍ مِن بَلَدِ المالِ. وإن كان له مَوْرُوث غائِبٌ، فقال: إن كان مَوْرُوثِى قد مات فهذه زكاةُ مالِه الذى وَرِثْتُه عنه. فبان مَيِّتًا، لم يُجْزِئْه، لأنَّه يَنْبَنِى على غيرِ أصْلٍ، فهو كقَوْلِه لَيْلَةَ الشَّكِّ: إن كان غدًا مِن رَمضانَ فهو فَرْضِى، وإلَّا فهو نَفْلٌ.
فصل: فإن أخَذَها الإِمامُ منه قَهْرًا أجْزَأتْ بغيرِ نِيَّةٍ، وهذا قولُ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخِرَقِىِّ. ومَفْهُومُ هذا الكلامِ أنَّه متى دَفَعَها طَوْعًا لم تُجْزِئْه إلَّا بنِيَّةٍ، سَواءٌ دَفَعَها إلى الإِمامِ أو (1) غيرِه. أمّا في حالِ القَهْرِ فتَسقُطُ النِّيَّةُ؛ لأنَّ تَعَذُّرَها في حَقِّه أسْقَطَها، كالصَّغِيرِ والمَجْنُونِ. وقال القاضى: لا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ إذا أخَذَها الإِمامُ في حالِ الطَّوْعِ والكُرْهِ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّ أخْذَ الإِمامِ بمَنْزِلَةِ القَسْمِ بينَ الشُّرَكاءِ، فلم يَحْتَج إلى نِيَّةٍ، ولأنَّ للإِمام وِلايةً في أخْذِها، ولذلك يَأخُذُها مِن المُمْتَنِعِ اتِّفاقًا، ولو لم تُجْزِئْه لَما أخَذَها، ولأخَذَها ثانِيًا وثالِثًا حتى يَنْفَدَ مالُه؛ لأنَّ أخْذَها إن كان لإِجْزائِها فهو لا يَحْصُلُ بدُونِ النِّيَّةِ، وإن كان لوُجُوبِها، فهو باقٍ بحالِه. واخْتارَ أبو الخَطّابِ، وابنُ عَقِيلٍ أنها لا تُجْزِئُه أيضًا مِن غيرِ نِيَّةٍ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ تعالى؛ لأنَّ الإِمامَ إمّا وَكِيلُه وإمّا وَكِيلُ الفُقَراءِ أو وَكِيلُهما، وأىُّ ذلك كان فلا بُدَّ مِن نِيَّةِ رَبِّ المَالِ، ولأنَّها عِبادَةٌ تَجبُ لها النِّيَّةُ، فلا تُجْزِئُ عن مَن وجَبَتْ عليه إذا كان مِن أهلِ النِّيَّةِ بغيرِ نِيَّةٍ،
(1) في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالصلاةِ، وإنَّما أُخِذَتْ منه حِراسَةً للعِلْمِ الظّاهِرِ، كالمُمْتَنِع مِن الصَّلاةِ يُجْبَرُ عليها ليَأْتِىَ بصُورَتِها، ولو صَلَّى بغيرِ نِيَّةٍ لم تُجْزِئْه، والمُرْتَدُّ يُطالَبُ بالشَّهادَةِ، فإذا أتَى بها حُكِمَ بإِسْلامِهِ ظاهِرًا، وإن لم يَعْتَقِدْ صِحَّتَها لم يَصِحَّ إسْلامُه باطِنًا. ومَن نَصَر القولَ الأوَّلَ، قال: إنَّ للإِمامِ وِلايةً على المُمْتَنِع فقامَتْ نِيَّتُه مَقامَ نِيَّتِه، كولِىِّ المَجْنُونِ واليَتيمِ، وفارَقَ الصلاةَ؛ فإنَّ النِّيابَةَ فيها لا تَصِحُّ، فلا بُدّ مِن نِيَّةِ فاعِلِها. وقولُه: لا يَخْلُو مِن كَوْنِه وَكِيلًا له أو للفُقَراءِ أو لهما. قُلْنا: بل هو وَكِيلٌ على المالِكِ، وإلحاقُ الزكاةِ بالقِسْمَةِ غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنّها ليست عِبادَةً، ولا يُعْتَبَرُ لها نِيَّةٌ، بخِلافِ الزكاةِ.