الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَالْوَاجِبُ في الْفِطْرَةِ صَاعٌ مِنَ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ وَدَقِيقِهِمَا وَسَوِيقِهِمَا، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَمِنَ الْأَقِطِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
ــ
فلا يَسْقُطُ بفَواتِ وَقْتِه، كالدَّيْنِ. وحُكِىَ عن ابنِ سِيرِينَ، والنَّخَعِىِّ الرُّخْصَةُ في تَأْخِيرِها عن يَوْم العِيدِ. وحَكاه ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ. وروَى محمدُ بنُ يحيى الكَحّالُ، قالَ: قلتُ لأبى عبدِ اللَّهِ: فإن أخْرَجَ الزَّكَاةَ، ولم يُعْطِها؟ قال: نعم، إذا أعَدَّها لقَوْمٍ. واتِّباعُ سُنَّةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أوْلَى.
(فصل:) قال الشَّيْخُ، رحمه الله: (والواجِبُ في الفِطْرَةِ صاعٌ مِن البُرِّ أو الشَّعِيرِ ودَقِيقِهما وسَوِيقِهما، والتَّمْرِ والزَّبِيبِ، ومِن الأَقِطِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في إحْدَى الرِّوايَتَيْن) الكلامُ في هذه المَسْألَةِ في أمُورٍ ثَلاثَةٍ؛ أحَدُها، أنَّ الواجِبَ في صَدَقَةِ الفِطْرِ صَاعٌ عن كلِّ إنْسانٍ، مِن جَميعِ أجْناسِ المُخْرَجِ. وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ، وإسحاقُ. ورُوِىَ عن أبى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، والحسنِ وأبى العالِيَةِ. ورُوِىَ عن ابنِ الزُّبَيْرِ، ومُعاوِيَةَ، أنَّه يُجْزِئُ نِصْفُ صاعٍ مِن البُرِّ خاصَّةً. وهو مَذهَبُ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، ومُجاهِدٍ، وعُمَرَ بنِ عبدِ العزِيز، وعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وأبى سَلَمَةَ، وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وأصحابِ الرَّأْى. واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن علىٍّ، وابنِ عباسٍ، والشَّعْبِىِّ، فرُوِى صاعٌ، ورُوِى نِصْفُ صاعٍ. وعن أبى حنيفةَ في الزَّبِيبِ رِوايَتانِ؛ إحْداهُما، صاعٌ. والأُخْرَى، نِصْفُ صاعٍ، واحْتَجُّوا بما روَى ثَعْلَبَةُ بنُ أبى صُعَيْرٍ، عن أَبِيه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«صَاعٌ مِن بُرٍّ أوْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ» . رَواه أبو داودَ (1). وعن عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيه، عن جَدِّه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَث مُنادِيًا في فِجاجِ مَكَّةَ:«ألَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى، حُرٍّ أوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أوْ كَبِيرٍ، مُدَّانِ مِن قَمْحٍ أوْ سِوَاهُ صَاعٌ مِن طَعَامٍ» (2). قال التِّرْمِذىُّ: هذا حَدِيثٌ حسنٌ غَرِيبٌ. ولَنا، ما روَى أبو سَعِيدٍ الخُدْرِىُّ، قال: كنّا نُخْرِجُ زَكاةَ الفِطْرِ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 86.
(2)
أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في صدقة الفطر، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 181.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذ كان فينا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صاعًا مِن طَعامٍ، أو صاعًا مِنِ شَعِيرٍ، أو صاعًا مِن تَمْرٍ، أو صاعًا مِن زَبِيبٍ، أو صاعًا مِن أقِطٍ، فلم نزَلْ نُخرِجُه حتَّى قَدِم مُعاوِيَةُ المَدِينَةَ فتَكَلَّمَ، فكان فيما كلَّمَ النّاسَ: إنِّى لأرَى مُدَّيْنِ مِن سَمْراءِ الشّامِ تَعْدِلُ صاعًا مِن تَمْرٍ. فأخَذَ النّاسُ بذلك. قال أبو سَعِيدٍ: فلا أزالُ أُخْرِجُه كما كنتُ أُخْرِجُه. وروَى ابنُ عُمَرَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فَرَض صَدَقَةَ الفِطْرِ صاعًا مِن تَمْرٍ، أو صاعًا مِن شَعِيرٍ، فعَدَلَ النّاسُ إلى نِصْفِ صاعٍ مِن بُرٍّ. مُتَّفَقٌ عليهما (1). ولأنَّه جِنْسٌ يُخْرَجُ في صَدَقَةِ الفِطْرِ، فكان صاعًا، كسائِرِ الأجْناسِ. فأمّا أحادِيثُهم فلا تَثْبُتُ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم. قالَه ابنُ المُنْذِرِ. وحَدِيثُ ثَعْلَبَةَ يَنْفَرِدُ به النُّعْمانُ بنُ راشِدٍ. قال البخارىُّ: وهو يَهِمُ كَثِيرًا. وقال مُهَنّا: ذَكَرْتُ لأحمدَ حَدِيثَ ثَعْلَبَةَ بنِ أبى صُعَيْرٍ، في صَدَقَةِ الفِطْرِ نِصْفُ صاعٍ مِن بُرٍّ. فقال: ليس بصَحِيحٍ، إنَّما هو مُرْسَلٌ، يَرْوِيه مَعْمَرٌ وابنُ جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِىِّ مُرْسَلًا. قلت: مِن قِبَل مَن هذا؟ قال: مِن قِبَلِ النُّعْمانِ [بنِ راشِدٍ](2)، ليس هو بقَوِىٍّ في الحَدِيثِ. وسَألْتُه عن ابنِ أبى صُعَيْرٍ، أمَعْرُوفٌ هِو؟ قال: مَن يَعْرِفُ ابنَ أبى صُعَيْرٍ؟ ليس هو مَعْرُوفًا. وضَعَّفَه أحمدُ، وابنُ المَدِينِىِّ جَمِيعًا. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: ليس دُونَ الزُّهْرِىِّ مَن تَقُومُ به حُجَّةٌ. وقد روَى أبو إسحاقَ الجُوزَجانِىُّ حَدِيثَ ثَعْلَبَةَ، بإسْنادِه، عن أَبِيه، قال: قال
(1) تقدم تخريجهما في صفحة 79، 80.
(2)
في النسخ: «بن أبى راشد» . انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 10/ 452.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ» أو قال: «بُرٍّ، عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، صَغِيرٍ أوْ كَبِيرٍ» (1). وهذا حُجَّةٌ لنا، وإسْنادُه حَسَنٌ. قال: الجُوزَجانِىُّ: والنِّصْفُ صاعٍ ذَكَرَه عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ورِوايَتُه ليس تَثْبُتُ. ولأنَّ ما ذَكَرْناه أحْوَطُ مع مُوافَقَتِه القِياسَ.
فصل: والصاعُ خَمْسَةُ أرْطَالٍ وثُلُثٌ بالعِراقِىِّ، وقد دَلَّلْنا عليه فيما مَضى، وذَكَرْنا الاخْتِلافَ فيه (2)، والأصْلُ فيه الكَيْلُ، وإنَّما قَدَّرَه العلماءُ بالوَزْنِ ليُحْفَظَ ويُنْقَلَ. وقد روَى جَماعَةٌ عن أحمدَ، أنَّه قال: الصاعُ وَزَنْتُه وقَدَّرْتُه، فوَجَدْتُه خَمْسَةَ أرْطالٍ وثُلُثًا حِنْطَةً. ورُوِى عنه تَقْدِيرُه بالعَدَسِ أيضًا. وإذا كان الصاعُ خَمْسَةَ أرْطالٍ وثُلُثًا مِن الحِنْطَةِ والعَدَسِ، وهما مِن أثْقَلِ الحُبُوبِ، فمتى أخْرَجَ مِن غيرِهما خَمْسَةَ أرْطالٍ وثُلُثًا، فهى أكْثَرُ مِن صاعٍ. وقال محمدُ بنُ الحسنِ: إن أخْرَجِ خَمْسَةَ أرْطالٍ وثُلُثًا بُرًّا لم يُجْزِئْه؛ لأنَّ البُرَّ يَخْتَلِفُ، فيكونُ ثَقِيلًا وخَفِيفًا. وقال الطَّحاوِىُّ (3): يُخْرِجُ ثَمانِيَةَ أرْطالٍ ممّا يَسْتَوِي كَيْلُه ووَزْنُه، وهو الزَّبِيبُ والماشُ. ومُقْتَضَى كَلامِه أنَّه إذا أخْرَجَ ثَمانِيَةَ أرْطالٍ ممّا هو أثْقَلُ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 86.
(2)
انظر ما تقدم في الجزء الثانى صفحة 143 وما بعدها.
(3)
في: شرح معانى الآثار 2/ 51.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منهما لم يُجْزِئْه، حتَّى يَزِيدَ شيئًا يَعْلَمُ أنَّه قد بَلَغ صاعًا. قال شيخُنا (1): والأَوْلَى لمَن أخْرَجَ مِن الثَّقِيلِ بالوَزْنِ أن يَحْتاطَ، فيَزِيدَ شيئًا يَعْلَمُ به أنَّه قد بَلَغ صاعًا. وقدْرُ الصاعِ بالرَّطْلِ الدِّمَشْقِىِّ رَطْلٌ وسُبْعٌ، وقَدْرُه بالدَّراهِمِ سِتُّمائةِ دِرْهَم وخمسةٌ وثمانون دِرْهَمًا وخمسةُ أسْباعِ دِرْهَمٍ، ويُجْزِئُ إخْراجُ مُدٍّ بالدِّمَشْقِىِّ مِن سائِرِ الأجْناس؛ لأنَّه أكْثَرُ مِن صاعٍ يَقِينًا. واللَّهُ أعلمُ.
الأمْرُ الثَّانِى، لا يَجُوزُ العُدُولُ عن هذه الأجْناسِ المَذْكُورَةِ مع القُدْرَةِ عليها، سَواءٌ كان المَعْدُولُ إليه قُوتَ بَلَدِه أو لم يَكُنْ. وقال أبو بكرٍ: يَتَوَجَّهُ قَوْل آخَرُ، أنَّه يُعْطِى ما قامَ مَقامَ الخَمْسَةِ على ظاهِرِ الحَدِيثِ صاعًا مِن طَعام، والطَّعامُ قد يكونُ البُرَّ والشَّعِيرَ، وما دَخَل في الكَيْلِ. قال: وكِلا القَوْلَيْن مُحْتَمِلٌ، وأقْيَسُهُما لا يَجُوزُ غيرُ الخَمْسَةِ، إلَّا أن يَعْدَمَها، فيُعْطِيَ ما قام مَقَامَها. وقال مالكٌ: يُخْرِجُ مِن غالِبِ قُوتِ البَلَدِ. وقال الشافعىُّ: أىُّ قُوتٍ كان الأغْلَبَ على الرَّجُلِ، أدَّى زَكاةَ الفِطْرِ منه. واخْتَلَفَ أصحابُه؛ فمنهم مَن قال كقَوْلِ مالكٍ، ومنهم مَن قال: الاعْتِبارُ بغالِبِ قُوتِ المُخْرِجِ. ثم إن عَدَل عن الواجِبِ إلى أعْلَى منه جاز، وإن عَدَل إلى دُونِه، جاز في أحَدِ القَوْلَيْن؛ لقَوْلِه عليه السلام:«أغْنُوهُم عَنِ الطَّلَبِ» (2). والغِنَى يَحْصُلُ بالقُوتِ. والثانِى، لا يَجُوزُ؛ لأنَّه عَدَل
(1) في: المغنى 4/ 288.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 116.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن الواجبِ إلى أدْنَى منه، فلم يُجْزِئْه، كما لو عَدَل عن الواجب في زَكاةِ المالِ إلى أَدْنَى منه. ولَنا، قَوْلُ ابنِ عُمَرَ: فَرَضِ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الفِطْرِ صاعًا مِن تَمْرٍ، أو صاعًا مِن شَعِيرٍ. متَّفقٌ عليه (1). وروَى أبو سَعِيدٍ، قال: كنّا نُخْرِجُ زَكاةَ الفِطْرِ صاعًا مِن طَعامٍ، أو صاعًا مِن تَمْرٍ، أو صاعًا مِن شَعِيرٍ، أو صاعًا مِن زَبِيبٍ. مُتَّفَقٌ عليه (2). وفى لَفظٍ لمسلمٍ: كُنّا نُخْرِجُ إذ كان فينا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكاةَ الفِطْرِ عن كُلِّ صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ، حُرٍّ أو مَمْلُوكٍ، صاعًا مِن طَعامٍ، أو صاعًا مِن أقِطٍ، أو صاعًا مِن شَعِيرٍ، أو صاعًا مِن تَمْرٍ، أو صاعًا مِن زَبِيبٍ. فقَصَرُوها على أجْناسٍ مَعْدُودَةٍ؛ فلم يَجُزِ العُدُولُ عنها، كما لو أخْرَجَ القِيمَةَ، وكما لو أخْرَجَ عن زَكاةِ المالِ مِن غيرِ جِنْسِه. والإِغْناءُ يَحْصُلُ بالإِخْراجِ مِن المَنْصُوصِ عليه، فلا مُنافاةَ بينَ الخَبَرَيْن؛ لكَوْنِهِما جَمِيعًا يَدُلَّان على وُجُوبِ الإِغْناءِ بأحَدِ الأجْناسِ المَفْرُوضَةِ. والسُّلْتُ نَوْعٌ مِن الشَّعِيرِ، فيَجُوزُ إخْراجُه؛ لدُخُولِه في المَنْصُوصِ عليه، وقد صُرِّح بذِكْرِه في بعْضِ ألفاظِ حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ، قال: كان النّاسُ يُخْرِجُون صَدَقَةَ الفِطْرِ على عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صاعًا مِن شَعِيرٍ، أو تَمْرٍ، أو سُلْتٍ، أو زَبِيبٍ. رَواه أبو داودَ (3).
(1) تقدم تخريجه في صفحة 79.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 80.
(3)
انظر رواية أبى داود في تخريج الحديث في صفحة 79.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأمْرُ الثّالثُ، أنَّه يَجُوزُ إخْراجُ أحَدِ الأصْنافِ المَذْكُورَةِ أيُّها شاء، وإن لم يكنْ قُوتًا له. وقال مالكٌ: يُخْرِجُ مِن غالِبِ قُوتِ البَلَدِ. وقال الشافعىُّ: أىُّ قُوتٍ كان أغْلَبَ على الرجلِ أخرَجَ منه. ولَنا، أنَّ خَبَرَ الصَّدَقَةِ وَرَد بحَرْفِ «أوْ» وهى للتَّخْيِيرِ بينَ هذه الأصْنافِ، فوَجَبَ التَّخْيِيرُ فيه، ولأنّه عَدَل إلى مَنْصُوصٍ عليه، فجازَ، كما لو عَدَل إلى الأعْلَى، ولأنَّه خَيَّرَ بينَ الزَّبِيبِ والتَّمْرِ والأقِطِ، ولم يَكُن الزَّبِيبُ والأقِطُ قُوتًا لأهْلِ المَدِينَةِ، فدَلَّ على أنَّه لا يُعْتَبَرُ أن يكونَ قوتًا للمُخْرِجِ.
فصل: ويَجُوزُ إخْراجُ الدَّقِيقِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وكذلك السَّوِيقُ. قال أحمدُ: قد رُوِىَ عن ابنِ سِيرِينَ، دَقِيقٍ أو سَوِيقٍ. وقال مالكٌ، وِالشافعىُّ: لا يَجُوزُ إخْراجُهما؛ لحَدِيثِ ابنِ عُمَرَ، ولأنَّ مَنافِعَه نقَصَتْ، فهو كالخُبْزِ. ولَنا، حَدِيثُ أبى سَعِيدٍ، وفى بَعْضِ ألْفاظِه:«أوْ صَاعًا مِن دَقِيقٍ» . رَواه النَّسائِىُّ (1). ثم شَكَّ سُفْيانُ بعدُ، فقال:
(1) تقدم تخريجه في صفحة 80.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَقِيقٍ أو سُلْتٍ. ولأنَّ الدَّقِيقَ والسَّوِيقَ أجْزاءُ الحَبِّ بَحْتًا يُمْكِنُ كَيْلُه وادِّخارُه، فجازَ إِخْراجُه، كالحَبِّ، وذلك لأنَّ الطَّحْنَ إنَّما فَرَّقَ أجْزاءَه، وكَفَى الفقِيرَ مُؤنَتَه، فأشْبَهَ ما لو نَزَع نَوَى التَّمْرِ ثم أخْرَجَه. ويُفارِقُ الخُبْزَ، فإنَّه قد خرَج عن حالِ الادِّخارِ والكَيْلِ، والمَأْمُورُ به صَاعٌ، وهو مَكِيلٌ. وحَدِيثُ ابنِ عُمَرَ لم يَقْتَضِ ما ذَكَرُوه، ولم يَعْمَلُوا به.
فصل: وفى جَوازِ إخْراجِ الأقِطِ إذا قَدَر على غَيْرِه مِن الأجْناسِ المَذْكُورَةِ رِوايَتان؛ إحْداهُما، يُجْزِئُه؛ لحَدِيثِ أبى سعيدٍ المَذْكُورِ. والثانيةُ، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّه جِنْسٌ لا تجِبُ الزَّكاةُ فيه، فلم يَجُزْ إخْراجُه مع القُدْرَةِ على غيرِه مِن الأصْنافِ المَنْصُوصِ عليها، كاللَّحْمِ. ويُحْمَلُ الحَدِيثُ على مَن هو قُوتٌ له، أو لم يَقْدِرْ على غيرِه. وقال الخِرَقِىُّ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إن أخْرَجَ أهْلُ البادِيَةِ الأقِطَ أجْزَأ إذا كان قُوتَهم. فظاهِرُه أنَّه يَجُوزُ إخْراجُه وإن قَدَر على غيرِه، إذا كان مِن أهْلِ البادِيَةِ وكان قوتًا له. وعلى قَوْلِه يَنْبَغِى أن يُجْزِئَ غيرَ أهْلِ البادِيَةِ إذا كان قُوتَهم أَيضًا؛ لأنَّ الحَدِيثَ لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُفَرِّقْ. وحديثُ أبى سَعِيدٍ يَدُلُّ عليه، وهم مِن غيرِ أهْلِ البادِيَةِ، ولَعَلَّه إنَّما ذَكَر أهْلَ البادِيَةِ؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يَقْتاتُه غيرُهم. وقال أبو الخَطّابِ: في إخْراجِ الأقِطِ لمَن قَدَر على غيرِه مُطْلقًا رِوايَتان. وظاهِرُ حديث أبى سَعِيدٍ يَدُلُّ على خِلافِه. وذَكَر القاضى أنّا إذا قُلْنا بجَوازِ إخْراجِ الأقِطِ وعَدِمَه، أخْرَجَ لَبَنًا؛ لأنَّه أكْمَلُ مِن الأقِطِ، لكَوْنِه يَجِئُ منه الأقِطُ وغيرُه. وحَكاه أبو ثوْرٍ عن الشافعىِّ. وقال الحسنُ: إن لم يكنْ بُرٌّ ولا شَعِيرٌ أخْرَجَ صاعًا مِن لَبَنٍ. وما ذَكَرَه القاضى لا يَصِحُّ، فإنَّه لو كان أكْمَلَ مِن الأقِطِ، لجاز إخْراجُه مع وُجُودِه، ولأنَّ الأقِطَ أكْمَلُ مِن اللَّبَنِ مِن وَجْهٍ؛ لأنَّه بَلَغ حالةَ الادِّخارِ، وهو جامِدٌ، بخِلافِ اللَّبَنِ، لكنْ يَكُونُ حُكْمُ اللَّبَنِ حُكْمَ اللَّحْمِ، يُجْزِئُ إخْراجُه عندَ عَدَمِ الأصْنافِ المَنْصُوصِ عليها على قولِ ابنِ حامِدٍ، ومَن وافَقَه. وكذلك الجُبْنُ وما أشْبَهَه.