الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُقْبَلُ في هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُقْبَلُ في سَائِرِ الشُّهُورِ إِلَّا عَدْلَانِ.
ــ
البَيِّنَةَ العادِلَةَ شَهِدَتْ برُؤْيَةِ الهِلالِ، فيجبُ الصَّوْمُ، كما لو تَقارَبَتِ البُلْدانُ. فأمّا حديثُ كُرَيْبٍ فإنَّما دَلَّ على أنَّهم لا يُفْطِرُون بقولِ كُرَيْبٍ وحْدَه، ونحن نقولُ به، وإنَّما مَحَلُّ الخِلافِ وُجُوبُ قَضاءِ اليَوْمِ الأوَّلِ، وليس هو في الحديثِ. فإن قِيلَ: فقد قُلْتُم: إنَّ النّاسَ إذا صامُوا بشَهادَةِ واحِدٍ ثَلاثِين يَوْمًا، أفْطَرُوا في أحَدِ الوَجْهَيْن. قُلْنا: الجَوابُ عنه مِن وَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّنا إنَّما قُلْنا يُفْطِرُون إذا صامُوا بشَهادَتِه، فيَكُونُ فِطْرُهم مَبْنِيًّا على صَوْمِهم بشَهادَتِه، وههُنا لم يَصُومُوا بقَوْلِه، فلم يُوجَدْ ما يَجُوزُ بِناءُ الفِطْرِ عليه. الثَّانِى، أنَّ الحديثَ دَلَّ على صِحَّةِ الوَجْهِ الآخَرِ.
1034 - مسألة (ويُقْبَلُ في هِلالِ رمضانَ قولُ عَدْلٍ واحِدٍ، ولا يُقْبَلُ في سائِرِ الشُّهُورِ إلَّا عَدْلان)
المَشْهُورُ عن أحمدَ، أنَّه يُقْبَلُ في هِلالِ رمضانَ قولُ عَدْلٍ واحِدٍ، ويَلْزَمُ النّاسَ الصَّوْمُ بقَوْلِه. وهو قولُ عُمَرَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلىٍّ، وابنِ عُمَرَ، وابنِ المُبارَكِ، والشافعىِّ في الصَّحِيحِ عنه. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه قال: اثْنَيْن أعْجَبُ إلىَّ. وقال أبو بكرٍ، إن رَآه وَحْدَه، ثم قَدِم المِصْرَ، صام النّاسُ بقَوْلِه، على ما رُوِى في الحديثِ (1). وإن كان الواحِدُ في جَماعَةِ النّاسِ فذَكَرَ أنَّه رَآه دُونهم، لم يُقْبَلْ إلَّا قولُ اثْنَيْن؛ لأنَّهم يُعايِنُون ما عايَنَ. ورُوِىَ عن عُثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: لا يُقْبَلُ إلَّا شَهادَةُ اثْنَيْن. وهو قولُ مالكٍ، واللَّيْثِ، والأوْزاعِىِّ، وإسحاقَ؛ لِما روَى عبدُ الرحمنِ بنُ زيدِ بنِ الخَطّابِ، أنَّه خَطَب النّاسَ في اليَوْمِ الذى يشكُّ فيه، فقال: إنِّى جالَسْتُ أصحابَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وسَأَلْتُهَم، وإنَّهم حَدَّثُونِى أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَانْسُكُوا لَهَا، فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِين، وَإنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ، فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» . رَواه النَّسائِىُّ (2). ولأنَّ هذه شَهادَةٌ على
(1) يشير إلى حديث الأعرابى الآتى بعد قليل وكذلك حديث ابن عمر الذى بعده.
(2)
في: باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 107. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 4/ 321.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُؤْيَةِ الهِلالِ، أشْبَهَتِ الشَّهادَةَ على هِلالِ شَوّالٍ. وقال أبو حنيفةَ في الغَيْمِ كقَوْلِنا، وفى الصَّحْوِ: لا يُقْبَلُ إلَّا الاسْتِفاضَةُ؛ لأنَّه لا يَجُوزُ أن يَنْظرَ الجَماعَةُ إلى مَطْلَعِ الهِلالِ، وأبْصارُهم صَحِيحَةٌ (1)، والمَوانِعُ مُنْتَفِيَةٌ، فيرَاه واحِدٌ دُونَ الباقِين. ولَنا، ما روَى ابنُ عباس، قال: جاء أعْرابِىٌّ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: رَأيْتُ الهِلالَ. قال: «أتَشْهَدُ أن لا إِلهَ إلَّا اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟» قال: نعم. قال: «يا بِلَالُ أذِّنْ في النَّاسِ، فَلْيَصُومُوا غَدًا» . رَواه أبو داودَ، والنَّسائِىُّ، والتِّرْمِذِىُّ (2).
(1) سقط من النسخ وأثبتناها كما في المغنى 4/ 417، ليستقيم السياق.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 547. والترمذى، في: باب ما جاء في الصوم بالشهادة، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 206. والنسائى، في: باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 106.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 529. والدارمى، في: باب الشهادة على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروَى ابنُ عُمَرَ، قال: تَراءَى النّاسُ الهِلالَ، فَأخْبَرْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنِّى رَأيْتُه. فصام، وأمَرَ النّاسَ بصِيامِه. رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّه خبَرٌ عن وَقْتِ الفَرِيضَةِ فيما طَرِيقُه المُشاهَدَةُ، فقُبِلَ فيه قولُ واحِدٍ، كالخَبَرِ بدُخُولِ وَقْتِ الصَّلاةِ، ولأنَّه خَبَرٌ دِينىٌّ يَشْتَرِكُ فيه المُخْبِرُ والمُخْبَرُ، فقُبِلَ مِنِ عَدْلٍ واحِدٍ كالرِّوايَةِ. وخبَرُهم إنَّما يَدُلُّ بمَفْهُومِه، وخبَرُنا يَدُلُّ بمَنطُوقِه، وهو أشْهَرُ منه، فيَجِبُ تَقْدِيمُه، ويُفارِقُ الخَبَرَ عن هِلالِ شَوّالٍ، فإنَّه خُرُوجٌ مِن العِبادَةِ، وهذا دُخُولٌ فيها، ويُتَّهَمُ في هِلالِ شَوّالٍ، بخِلافِ مَسْألَتِنا. وما ذَكَرَه أبو بكرٍ وأبو حنيفةَ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يَجُوزُ انْفِرادُ الواحِدِ به مع لَطافَةِ المَرْئِىِّ وبُعْدِه، ويَجُوزُ أن تَخْتَلِفَ مَعْرِفَتُهم بالمَطْلَعِ، ومَواضِعُ قَصْدِهم، وحِدَّةُ نَظرِهم، ولهذا لو حَكَم حاكِمٌ بشَهادَةِ واحِدٍ، جاز، ولو شَهِدَ شاهِدان، وَجَب قَبُولُ شهادَتِهما عندَ أبى بكرٍ، ولو كان مُمْتَنِعًا على ما قالُوه لم يَصِحَّ فيه حُكْمُ حاكِمٍ،
(1) في: باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 547. كما أخرجه الدارمى، في: باب الشهادة على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصيام. سنن الدارمى 2/ 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يَثْبُتُ بشهادَةِ اثْنَيْن. ومَن مَنَع ثُبُوتَه بشَهادَةِ اثْنَيْن، رَدَّ عليه الخَبَرُ الأوَّلُ، وقِياسُه على سائِرِ الحُقُوقِ، وسائِرِ الشُّهُورِ، ولو أنَّ جَماعَةً في مَحْفِلٍ، وشَهِد منهم اثْنان على رجلٍ أنَّه طَلَّقَ زَوْجَتَه، أو أعْتَقَ عَبْدَه، قُبِلَت شَهادَتُهما، ولو أنَّ اثْنَيْن مِن أهْلِ الجُمُعَةِ شَهِدا على الخَطِيبِ أنَّه قال على المِنْبَرِ في الخُطْبَةِ شيئًا، لم يَشْهَدْ به غيرُهما، لقُبِلَت شَهادَتُهما، وكذلك لو شَهِدَا عليه بفِعْلٍ، وإن كان (1) غيرُهما يُشارِكُهما في سَلامَةِ السَّمْعِ، وصِحَّةِ البَصَرِ، كذا ههُنا.
فصل: وإن أخْبَرَه برُؤْيَةِ الِهِلالِ مَن يَثِقُ بقَوْلِه، لَزِمَه الصومُ، وإن لم يَثْبُتْ ذلك عندَ الحاكِمِ؛ لأنَّه خَبَرٌ بوَقْتِ العِبادَةِ، يَشْتَرِكُ فيه المُخْبِرُ والمُخْبَرُ، أشْبَهَ الخَبَرَ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، والخَبَرَ عن دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاةِ. ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ. ومُقْتَضَى هذا أنَّه يَلْزَمُه قَبُولُ خَبَرِه وإن رَدَّه الحاكِمُ؛ لأنَّ رَدَّ الحاكِمِ يَجُوزُ أن يكونَ لعَدَمِ عِلْمِه بحالِ المُخْبِرِ، ولا يَتَعَيَّنُ ذلك في عَدَمِ العَدالَةِ، وقد يَجْهَلُ الحَاكِمُ عَدالَةَ مَن يَعْلَمُ غيرُه عَدَالَتَه.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان المُخْبِرُ امرأةً فقِياسُ المَذْهَبِ قَبُولُ قَوْلِها. وهو قولُ أبى حنيفةَ، وأحَدُ الوَجْهَيْن لأصحابِ الشافعىِّ؛ لأنَّه خبَرٌ دِينِىٌّ، أشْبَهَ الرِّوايَةَ، والخَبَرَ عن القِبْلَةِ، ودُخُولِ وَقْتِ الصَّلاةِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يُقْبَلَ فيه قولُ امرأةٍ، كهِلالِ شَوّالٍ.
فصل: فأمّا هِلالُ شَوّالٍ وغيرِه مِن الشُّهُورِ فلا يُقْبَلُ فيه إلَّا شَهادَةُ عَدْلَيْن في قولِ الجَمِيعِ، إلَّا أبا ثَوْرٍ، فإنَّه قال: يُقْبَلُ في هِلالِ شَوّالٍ قولُ واحِدٍ؛ لأنَّه أحَدُ طَرَفىْ شَهْرِ رمضانَ، أشْبَهَ الأوَّلَ، ولأنَّه خَبَرٌ يَسْتَوِى فيه المُخْبَرُ، أشْبَهَ الرِّوايَةَ وأخْبارَ الدِّياناتِ. ولَنا، خَبَرُ عبدِ الرحمنِ بنِ زيدِ بنِ الخَطّاب. وعن ابنِ عُمَرَ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه أجاز شَهادَةَ رجل واحِدٍ على رُويَةِ الهِلالِ، وكان لا يُجِيزُ على شَهادَةِ الإِفْطارِ إلَّا شَهادَةَ رَجُلَيْن (1). ولأنَّها شَهادَةٌ على هِلالٍ لا يُدْخَلُ بها في العِبادَةِ، أشْبَهَ سائِرَ الشُّهُورِ، وهذا يُفارِقُ الخَبَر؛ لأنَّ الخَبَرَ يُقْبَلُ فيه قولُ المُخْبِرِ مع وُجُودِ المُخْبَرِ عنه، وفُلانٌ عن فُلانٍ، وهذا لا يُقْبَلُ فيه ذلك، فافْتَرَقا.
(1) أخرجه الدارقطنى في: أول كتاب الصيام. سنن الدارقطنى 2/ 156. والبيهقى، في: باب الشهادة على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصيام. السنن الكبرى 4/ 212.