الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، أَوْ إِلَى الزَّوْجِ، أوْ بَنِى الْمُطَّلِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
1025 - مسألة: (وهل يَجُوزُ دَفْعُها إلى سائِرِ مَن تَلْزَمُه مُؤْنَتُه مِن أقارِبِه، أو إلى الزَّوْجِ، أو بَنِى المُطَّلِبِ؟ على رِوايَتَيْن)
الأقارِبُ غيرُ الوالِدَيْن قِسْمان؛ مَن لا يَرِثُ منهم، يجوزُ دَفْعُ الزَّكاةِ إليه، سَواءٌ كان انْتِفاءُ الإِرْثِ لانْتِفاءِ سَبَبِه؛ لكَوْنِه بَعِيدَ القَرابَةِ ليس مِن أهْلِ المِيراثِ في حالٍ، أو كان لمانِعٍ، مثلَ أن يَكُونَ مَحْجُوبًا عن الميراثِ، كالأخِ المَحْجُوبِ بالابْنِ، والعَمِّ المَحْجُوبِ بالأخِ وابْنِه، فيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكاةِ إليه؛ لأنَّه لا قَرابَةَ جُزْئِيَّةً بينَهما ولا مِيراثَ، فأشْبَها الأجانِبَ. والثانِى، مَن يَرِثُ، كالأخَوَيْن اللَّذَيْن يَرِث كلُّ واحِدٍ منهما الآخَرَ، ففيه رِوايتان؛ إحْداهما، يَجُوزُ لكلِّ واحِدٍ منهما دَفعُ زَكاتِه إلى الآخَرِ. وهى الظاهِرَةُ عنه، رَواها عنه الجماعَةُ. قال في رِوايَةِ إسحاقَ بنِ إبْراهيمَ، وإسحاقَ ابنِ مَنْصُورٍ، وقد سألَه: يُعْطِى الأخَ والأخْتَ والخَالَةَ مِن الزَّكاةِ؟ قال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُعْطِى كُلَّ القَرابَةِ إلَّا الأبَوَيْن والوَلَدَ. وهذا قولُ أكْثَرَ أهْلِ العِلْمِ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَة، وَهِىَ لِذِى الرَّحِمِ اثْنَتَانِ؛ صَدَقَة وَصِلة» (1). فلم يَشْتَرِطْ نافِلَةً ولا فَرِيضَة، ولم يُفَرِّقْ بينَ الوارِثِ وغيرِه. ولأنَّه ليس مِن عَمُودَىْ نَسَبِه، فأشْبَهَ الأجْنَبِىَّ. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، لا يَجُوزُ دَفْعُها إلى المَوْرُوثِ. وهو ظاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّ على الوارِثِ مُؤْنَةَ المَوْرُوثِ، فإذا دَفَع إليه الزَّكاةَ أغْناه عن مُؤْنَثِه، فيَعُودُ نَفْعُ زَكاتِه إليه، فلم يَجُزْ، كدَفْعِها إلى والِدِه، أو قَضاءِ دَيْنِه بها، والحَدِيثُ يَحْتَمِلُ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، فيُحْمَلُ عليها. فعلى هذا إن كان أحَدهما يَرِثُ الآخَرَ، ولا يَرِثُه الآخَرُ، كالعَمَّةِ مع ابنِ أخِيها، والعَتِيقِ مع مُعْتِقِه، فعلى الوارِثِ منهما نَفَقَةُ مَوْرُوثِه، وليس له دَفْعُ زَكاتِه إليه على هذه الرِّوايَةِ، وليس على المَوْرُوثِ منهما نَفَقَةُ وارِثِه، ولا يُمْنَغ مِن دَفْع الزَّكاةِ إليه، لانْتِفاءِ المُقْتَضِى للمَنْع. ولو كان أخَوان، لأحَدِهما ابْن، والآخَر لا وَلَدَ له،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 280.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعلى أبى الابْنِ نَفَقَةُ أخِيه، وليس له دَفْعُ زَكاتِه إليه، وللذى لا وَلَدَ له دَفْعُ زَكاتِه إلى أخِيه، ولا تَلْزَمُه نَفَقَتُه؛ لأنَّه مَحْجُوبٌ عن مِيراثِه. ونحوُ هذا قولُ الثَّوْرِىِّ. فأمّا ذوو الأرْحامِ في الحالِ التى يَرِثُون فيها، فيَجُوزُ دَفْعُها إليهم، في ظاهِرِ المَذْهَبِ؛ لأنَّ قَرابَتَهم ضَعِيفة، لا يَرِثُ بها مع عَصَبَةٍ، ولا ذى فَرْضٍ، غيرِ أحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فلم يَمْنَعْ دَفْعَ الزَّكاةِ، كقَرابَةِ سائِرِ المسلمين، فإنَّ مالَه يَصِيرُ إليهم عندَ عَدَمِ الوارِثِ.
فصل: فإن كان في عائِلَتِه مَن لا يَجِبُ عليه الإِنْفاقُ عليه، كيَتِيمٍ أجْنَبِىٍّ، فظاهِرُ كَلامِ أحمدَ أنَّه لا يَجوزُ له (1) دَفْعُ زَكاتِه إليه؛ لأنَّه يَنْتَفِعُ بدَفْعِها إليه، لإغْنائِه بها عن مُؤْنَتِه. والصَّحيحُ، إن شاء اللَّهُ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَوازُ دَفْعِها إليه؛ لأنَّه داخِلٌ في الأصْنافِ المُسْتَحِقِّين للزكاةِ، ولم يَرِدْ في مَنْعِه نَصٌّ ولا إجْماعٌ ولا قِياسٌ صَحِيحٌ، فلم يَجُزْ إخْراجُه عن عُمُومِ النَّصِّ بغيرِ دَلِيلٍ. وقد روَى البخارىُّ (1)، أنَّ امرأةَ عبدِ اللَّهِ سألَتِ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عن بَنِى أخٍ لها أيْتامٍ، في حَجْرِها، أفتُعْطِيهم زَكاتَها؟ قال:«نَعَمْ» . فإن قِيلَ: فهو يَنْتَفِعُ بدَفْعِها إليه. قُلْنا: قد لا يَنْتَفِعُ به، لإِمْكانِ صَرْفِها في مَصالِحِه التى لا يَقومُ بها الدّافِعُ. وإن قُدِّرَ الانْتِفاعُ به، فإنَّه نَفْعٌ لا يُسْقِطُ به واجِبًا عليه ولا يَجْتَلِبُ به مالًا إليه، فلم يَمْنَعْ ذلك الدَّفْعَ، كما لو لم يكنْ مِن عائِلَتِه.
(1) في: باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، من كتاب الزكاة. صحيح البخارى 2/ 150، 151. كما أخرجه مسلم، في: باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 694، 695. والنسائى، في: باب الصدقة على الأقارب، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 69. وابن ماجه، في: باب الصدقة على ذى القربى، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 587. والدارمى، في: باب أى الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 389. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 363.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَجُوزُ أن يُعْطِىَ الإِنسانُ ذا قَرابَتِه مِن الزَّكاةِ؛ لكَوْنِه غارِمًا، أو مُؤَلَّفًا، أو عامِلًا، أو غارِمًا لإِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ، ولا يُعْطِى لغيرِ ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وفى دَفْع الزَّكاةِ إلى الزَّوْجِ رِوايَتان؛ إحْداهما، لا يَجُوزُ دَفْعُها إليه. اخْتارَها أبو بكرٍ. وهو مَذْهَبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه أحَدُ الزَّوْجَيْن، فلم يَجُزْ دَفْعُ الزَّكاةِ إليه، كالآخَرِ، ولأنَّها تَنْتَفِعُ بدَفْعِها إليه؛ لأنَّه إن كان عاجزًا عن الإِنْفاقِ عليها تَمَكَّنَ بَأخْذِ الزَّكاةِ مِن الإِنْفاقِ، فيَلْزَمُه، وإن لم يَكُنْ عاجِزًا، لكنَّه أيْسَرَ بها، فلَزِمَتْه نَفَقَةُ المُوسِرِينَ، فيَنْتَفِعُ بها في الحالَيْن، فلم يَجُزْ لها ذلك، كما لو دَفَعَتْها في أُجْرَةِ دارٍ، أو نَفَقَةِ رَقِيقِها أو بَهائِمِها. فإن قِيلَ: فيُلْزَمُ على هذا الغَرِيمُ، فإنَّه يَجُوزُ له دَفْعُ زَكاتِه إلى غَرِيمِه، ويُلْزَمُ الآخِذُ بذلك وفاءَ دَيْنِه. قُلْنا: الفَرْقُ بينَهما مِن وَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّ حَقَّ الزَّوْجَةِ في النَّفَقَةِ آكَدُ مِن حَقِّ الغَرِيمِ؛ بدَلِيلِ أنَّ نَفَقَةَ المرأةِ مُقَدَّمَةٌ في مالِ المُفْلِس على وفاءِ دَيْنِه، وأنَّها تَمْلِكُ أخْذَها مِن مالِه بغيرِ عِلْمِه إذا امْتَنَعَ مِن أدائِها. والثانِى، أنَّ المرأةَ تَنْبَسِطُ في مالِ زَوْجِها بحُكْمِ العادَةِ، ويُعَدُّ مالُ كلِّ واحِدٍ منهما مالًا للآخَرِ، ولهذا قال ابنُ مسعودٍ، في عَبْدٍ سَرَق مِرْآةَ امْرَأةِ سَيِّدِه: عَبْدُكم سَرَق مالَكم. ولم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَقْطَعْه. ورُوِىَ ذلك عن عُمَرَ (1). والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يَجُوزُ للمرأةِ دَفْعُ زَكاتِها إلى زَوْجِها. وهو مَذْهَبُ الشافعىِّ، وابنِ المُنْذِرِ، وطائِفَةٍ مِن أهْلِ العِلْمِ؛ لأنَّ زَيْنَبَ امْرَأةَ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ قالت: يا رسولَ اللَّه، إنَّك أمَرْتَ اليَوْمَ بالصَّدَقَةِ، وكان عِنْدِى حُلِىٌّ لى، فأرَدْتُ أن أتُصَدَّقَ به، فزَعَمَ ابْنُ مسعودٍ أنَّه هو ووَلَدَه أحَقُّ مَن تَصَدَّقْتُ عليهم. فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ» . رَواه البخارىُّ (2). ولأنَّه لا تَجِبُ نَفَقَتُه، فلم يُمْنَعْ دَفْع الزَّكاةِ إليه، كالأجْنَبِىِّ، وبهذا فارَقَ الزَّوْجَةَ، فإنَّ نَفَقَتَها واجِبَة عليه، ولأنَّ الأصْلَ جَوازُ الدَّفْع إلى الزَّوْجِ؛ لدُخُولِه في عُمُومِ الأصْنافِ المُسَمَّيْن في الزَّكاةِ،
(1) أخرجهما عبد الرزاق، في: المصنف 10/ 210، 211.
(2)
في: باب الزكاة على الأقارب، من كتاب الزكاة. صحيح البخارى 2/ 149.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وليس في المَنْع نَصٌّ ولا إجْماعٌ، وقِياسُه على مَن يَثْبُتُ المَنْعُ في حَقِّه لا يَصِحُّ؛ لوُضُوحِ الفَرْقِ بينَهما، فيَبْقَى جَوازُ الدَّفْعِ ثابِتًا. والاسْتِدْلالُ بهذا أقْوَى مِن الاسْتِدْلالِ بحديثِ ابنِ مسعودٍ، لأنَّه في صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، لقولِها: أرَدْتُ أن أتَصَدَّقَ بحُلِىٍّ لى. ولا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بالحُلِىِّ، وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِم» . والوَلَدُ لا تُدْفَعُ إليه الزكاةُ.
فصل: وهل يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكاةِ إلى بَنِى المُطَّلِبِ؟ على رِوايَتَيْن؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إحداهما، ليس لهم ذلك. نَقَلَها عنه عبدُ اللَّهِ بنُ أحمدَ، وغيرُه؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِى جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، إنَّما نَحْنُ وَهُمْ شَئٌ وَاحِدٌ» (1). وفى لَفظٍ رَواه الشافعىُّ في «مُسْنَدِه» (2): «إنَّما بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبِ شَئٌ وَاحِدٌ» وشَبَّكَ بينَ أصَابِعِه. ولأنَّهم يَسْتَحِقُّون مِن خُمْسِ الخُمْسِ فمُنِعُوا مِن الزَّكاةِ، كبَنِى هاشِمٍ، وقد أكَّد ذلك ما رُوِى أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ مَنْعَهم مِن الصَّدَقَةِ باسْتِغْنائِهم عنها بخُمْسِ الخُمْسِ، فقال: «ألَيْسَ فِى خُمْسِ الخُمْسِ مَا
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوى القربى، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 132، والنسائى، في: أول كتاب الفئ. المجتبى 7/ 119.
(2)
المسند 2/ 125. كما أخرجه البخارى، في: باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام. . .، من كتاب الخمس، وفى: باب مناقب قريش، من كتاب المناقب، وفى: باب غزوة خيبر، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 4/ 111، 218، 5/ 174. وأبو داود، في: باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوى القربى، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 131. والنسائى، في: أول كتاب الفئ. المجتبى 7/ 118، 119. وابن ماجه، في: باب قسمة الخمس، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 961. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 85.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُغْنِيكُمْ» (1). والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لهم الأخْذُ منها. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لدُخُولِهم في عُمُومِ الصَّدَقاتِ، لكنْ خَرَج بَنُو هاشِم لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِى لِآلِ مُحَمَّدٍ» (2). فوَجَبَ أن يَخْتَصَّ المَنْعُ بهم، ولا يَصِحُّ قِياسُهم على بنى هاشِم؛ لأنَّ بَنِى هاشِمٍ أقْرَبُ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم وأشْرَفُ، وهم آل النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ومُشارَكَةُ بنى المُطَّلِبِ لهم في خُمْسِ الخُمْسِ ما اسْتَحَقُّوه بمُجَرَّدِ القَرابَةِ؛ بدَلِيلِ أنَّ بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ وبنى نَوْفَلٍ يُساوُونهم في القَرابَةِ، ولم يُعْطَوْا شيئًا، وإنَّما شارَكُوهم بالنُّصْرَةِ، أو بهما جميعًا، والنُّصْرَةُ لا تَقتَضِى مَنْعَ الزَّكاةِ.
(1) أخرجه الطبرانى، في: المعجم الكبير 11/ 217.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 224.