الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ يَجُوزُ أنْ يَشْتَرِىَ مِنْهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
999 - مسألة: (وَهَلْ يَجُوزُ أنْ يَشْتَرِىَ مِنْهَا رَقَبَة يُعْتِقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في جَوازِ الإِعْتاقِ مِن الزَّكاةِ، فرُوِىَ عنه جَوازُ ذلك. وهو قَوْلُ ابنِ عباسٍ، والحسنِ، والزُّهْرِىِّ، ومالكٍ، وإسحاقَ، وأبى عُبَيْدٍ، والعَنْبَرِىِّ، وأبى ثوْرٍ؛ لعُمُومِ قولِه تعالى:{وَفِى الرِّقَابِ} . وهو مُتَناوِلٌ للقِنِّ، بل هوِ ظاهِرٌ فيه، فإنَّ الرَّقَبَةَ تَنْصَرِفُ إليه إذا أُطْلِقَتْ، كقولِهِ تعالى:{فَتَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ} (1). وتَقْدِيرُ الآيَةِ: وفى إعْتاقِ الرِّقابِ. ولأنَّه إعْتاقٌ للرَّقَبَةِ، فجاز صَرْفُ الزَّكاةِ فيه، كدَفْعِه في الكِتابَةِ. والثانيةُ، لا يجوزُ. وهو قولُ إبراهيمَ، والشافعىِّ؛ لأنَّ الآيَةَ تَقْتَضِى صَرْفَ الزَّكاةِ إلى الرِّقابِ، كقولِه:{فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . يُرِيدُ الدَّفْعَ إلى المُجاهِدِين، كذلك ههُنا.
(1) سورة النساء 92، وسورة المجادلة 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والعَبْدُ القِنُّ لا يُدْفَعُ إليه شئٌ. قال أحمدُ، في رِوايَةِ أبى طالبٍ: قد كُنْتُ أقولُ: يُعْتِقُ مِن زَكاتِه، ولكنْ أهابُه اليومَ؛ لأنَّه يَجُرُّ الوَلاءَ. وفى مَوْضِعٍ آخَرَ، قِيلَ له: فما يُعْجِبُكَ مِن ذلك؟ قال: يُعِينُ في ثَمَنِها، فهو أسْلَمُ. وقد رُوِى نحوُ هذا عن النَّخَعِىِّ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ؛ فإنَّهما قالا: لا يُعْتِقُ مِن الزَّكاةِ رَقَبَةً كامِلَةً، لكنْ يُعْطِى منها في رَقَبَةٍ، وِيُعِينُ مُكاتَبًا. وبه قال أبو حنيفةَ وصاحِباه؛ لأنَّه إذا أعْتَقَ مِن زَكاتِه، انْتَفَعَ بوَلاءِ (1) مَن أعْتَقَه، فكأنَّه صَرَف الزَّكاةَ إلى نَفْسِه. وأخَذَ ابنُ عَقِيلٍ مِن هذه الرِّوايَةِ، أنَّ أحمدَ رَجَع عن القَوْلِ بالإِعْتاقِ مِن الزَّكاةِ. وهذا، واللَّهُ أعلمُ، إنَّما كان على سبيلِ الوَرَعِ مِن أحمدَ، فلا يَقْتَضِى رُجُوعًا؛ لأنَّ العِلَّةَ التى عَلَّل بها جَرُّ الوَلَاءِ، ومَذْهَبُه في إحْدَى الرِّوايَتَيْن عنه أنَّ ما رَجَع مِن الوَلاءِ رُدَّ في مِثْلِه، فلا يَنْتَفِعُ إذًا بإعْتاقِه مِن الزَّكاةِ.
فصل: ولا يجوزُ أن يَشْتَرِىَ مِن زَكاتِه مَن يَعْتِقُ عليه بالرَّحِمِ، فإنْ
(1) في م: «بالولاء» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَعَل عَتَق عليه، ولم تَسْقُطْ عنه الزكاةُ. وقال الحسنُ: لا بأْسَ أن يُعْتِقَ أباه مِن الزَّكاةِ؛ لأنَّ دَفْعَ الزَّكاةِ لم يكنْ إلى أبِيه، وإنَّما دَفَع الثَّمَنَ إلى البائِعِ. ولَنا، أنَّ نَفْعَ زَكاتِه عادَ إلى أبِيه، فلم يَجُزْ، كما لو دَفَعَها إليه، ولأنَّ عِتْقَه حَصَل بنَفْسِ الشِّراءِ مُجازاةً وصِلَةً للرَّحِمِ، فلم يَجُزْ أن يُحْسَبَ له مِن الزَّكاةِ، كنَفَقَةِ أقارِبِه. ولو أعْتَقَ عبْدَه المَمْلُوكَ له عن زَكاتِه، لم يُجْزئْه؛ لأنَّ أداءَ الزَّكاةِ عن كلِّ مالٍ مِن جِنْسِه، والعَبْدُ ليس مِن جِنسِ ما تَجِبُ الزكاةُ فيه. وكذلك لو أعْتَقَ عَبْدًا مِن عَبِيدِ التِّجارَةِ، لم يَجُزْ، لأنَّ الزَّكاةَ تَجِبُ في قِيمَتِهم، لا في عَيْنِهم.