الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
ــ
1079 - مسألة: (والكَفّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فإن لم يَجِدْ فصِيامُ شَهْرَيْن مُتَتابِعَيْن، فإن لم يَسْتَطِعْ فإطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)
ظاهِرُ المَذْهَبِ، أنَّ كَفّارَةَ الوَطْءِ في رمضانَ مُرَتَّبَةٌ، ككَفارَةِ الظِّهارِ، يَلْزَمُه العِتْقُ، فإن عَجَز عنه انْتَقَلَ إلى الصيامِ، فإن عَجَز انْتَقَلَ إلى الإِطْعامِ المَذْكُورِ. وهذا قولُ أكثرِ العُلَماءِ؛ منهم الثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وعن أحمدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّها على التَّخْيِيرِ بينَ هذه الثَّلاثَةِ، فبِأيِّها كَفَّرَ أجْزَأه. وهى رِوايَةٌ عن مالكٍ؛ لِما روَى مالكٌ، وابنُ جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِىِّ، عن حُمَيْدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبى هُرَيْرَةَ، أنَّ رجلاً أفْطَرَ في رمضانَ، فأمَرَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يُكَفِّرَ بعِتْقِ رَقَبَةٍ، أو صِيامِ شَهْرَيْن مُتَتابِعَيْن، أو إطْعامِ سِتِّين مِسْكِينًا (1). و «أو» حَرْفُ تَخْيِيرٍ. ولأنَّها تَجِبُ بالمُخالَفَةِ، فكانت على التَّخْيِيرِ، ككَفَّارَةِ اليَمِينِ. وعن مالكٍ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 445. ورواية التخيير أخرجها مسلم، في: باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان. . . .، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 783. والإمام مالك، في: باب كفارة من أفطر في رمضان، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 296. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 273، 516.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رِوايَةٌ أخْرَى، أنَّه قال: الذى نَأْخُذُ به في الذى يُصِيبُ أهْلَه في شهرِ رمضانَ، إطْعامُ سِتِّين مِسْكِينًا، وصِيامُ ذلك اليَوْمِ، وليس التَّحْرِيرُ والصيامُ مِن كفّارَةِ رمضانَ في شئٍ. وهذا القولُ مُخالِفٌ للحديثِ الصَّحيحِ، مع أنَّه ليس له أصْلٌ يَعْتَمِدُ عليه، ولا شئٌ يَسْتَنِدُ إليه، وسُنَّةُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم أحَقُّ أن تُتَّبَعَ. ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى الحديثُ الصَّحِيحُ، رَواه مَعْمَرٌ، ويُونُسُ، والأوْزاعِىُّ، واللَّيْثُ، وموسى بنُ عُقْبَةَ، وعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وعِراكُ بنُ مالكٍ، وغيرُهم، عن الزُّهْرِىِّ، عن حُمَيْدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبى هُرَيْرَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال للواقِعِ على أهْلِه:«هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» . قال: لا. قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» . قال: لا. قال: «فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» . قال: لا. وذَكَر سائِرَ الحدِيثِ، وهذا لَفْظُ التَّرْتِيبِ، والأخْذُ به أوْلَى مِن رِوايَةِ مالكٍ؛ لأنَّ أصحابَ الزُّهْرِىِّ اتَّفَقُوا على رِوايَتِه هكذا، سِوَى مالكٍ وابنِ جُرَيْجٍ، فيما عَلِمْنا، واحْتِمالُ الغَلَطِ فيهما أكْثَرُ مِن احْتِمالِه في سائِرِ أصحابِه، ولأنَّ التَّرْتِيبَ زِيادَةٌ، والأخْذُ بالزِّيادَةِ مُتَعَيِّنٌ، ولأنَّ حديثَنا لَفْظُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، وحَدِيثُهم لَفْظُ الرَّاوِى، ويَحْتَمِلُ أنَّه رَواه بـ «أو» لاعتِقادِه أنَّ مَعْنَى اللَّفْظَيْن سَواءٌ، ولأنَّها كَفّارَةٌ فيها صومُ شَهْرَيْن مُتَتابِعَيْن، فكانت مُرَتَّبَةً، كالظِّهارِ والقَتْلِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فعلى هذه الرِّوايةِ، إذا عَدِم الرَّقَبَةَ انْتَقَلَ إلى الصومِ المَذْكورِ، ولا نَعْلَمُ خِلافًا في دُخولِ الصومِ في هذه الكَفّارَةِ، إلَّا قَوْلًا شاذًّا يُخالِفُ السُّنَّةَ الثابِتَةَ، وقد ذَكَرْناه. ولا خِلافَ بينَ مَن أوْجَبَه أنَّه شَهْران مُتَتابعان؛ للخَبَرِ. فإن لم يَشْرَعْ في الصيامِ حتى وَجَد الرَّقَبَةَ لَزِمَه العِتْقُ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم سَألَ المُواقِعَ عن ما يَقْدِرُ عليه حينَ أخْبَرَه بالعِتْقِ، ولم يَسْألْه عن ما كان يَقْدِرُ عليه حالَةَ المُواقَعَةِ، وهى حالَةُ الوُجُوبِ، ولأَنَّه وَجَد المُبْدَلَ قبلَ التَّلَبُّسِ بالبَدَلِ، فلَزِمَه، كما لو وَجَدَه حالَ الوُجُوبِ. وإن شَرَع في الصومِ قبلَ القُدْرَةِ على الإِعْتاقِ، ثم قَدَر عليه، لم يَلْزَمْه الخُرُوجُ إليه، إلَّا أن يشاءَ أن يُعْتِقَ، فيُجْزِئُه، ويَكُونُ قد فَعَل الأوْلَى. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَلْزَمُه العِتْقُ؛ لأنَّه قَدَر على الأصْلِ قبلَ أدْاءِ فَرْضِه بالبَدَلِ، فبَطَلَ حُكْمُ البَدَلِ، كالمُتَيمِّمِ يَرَى الماءَ. ولَنا، أنّه شَرَع في الكَفّارَةِ الواجِبَةِ عليه، فأجْزَأَتْه، كما لو اسْتَمَرَّ العَجْزُ، وفارَقَ العِتْقُ التَّيَمُّمَ، لوَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّ التَّيَمُّمَ لا يَرْفَعُ الحَدَثَ وإنَّما يَسْتُرُه؛ فإذا وُجِد الماءُ ظَهَر حُكْمُه، بخِلافِ الصومِ؛ فإنَّه يَرْفَعُ حُكْمَ الجِماعِ بالكُلِّيَّةِ. الثانِى، أنَّ الصيامَ تَطُولُ مُدَّتُه، فيَشُقُّ إلْزامُه الجَمْعَ بينَه وبينَ العِتْقِ، بخِلافِ الوُضُوءِ والتَّيَمُّمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: (فإن لم يَسْتَطِعْ فإطعامُ سِتِّين مِسْكِينًا) قال شيخُنا (1) رحمه الله: ولا نَعْلَمُ خِلافًا بينَ أهلِ العلمِ، في دُخُولِ الإِطْعامِ في كَفّارَةِ الوَطْءِ في رمضانَ في الجُمْلَةِ، وهو مَذْكُورٌ في الخَبَرِ. ولأَنَّه إطْعامٌ في كَفّارَةٍ فيها صومُ شَهْرَيْن مُتَتَابِعَيْن، فكان سِتِّين مِسْكِينًا، ككَفّارةِ الظِّهارِ. وقَدْرُ المُطْعَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا مِن البُرِّ، لكلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ؛ وهو رُبْعُ الصَّاعِ، أو ثلاثون صاعًا مِن التَّمْرِ أو الشَّعِيرِ، لكل مِسْكِينٍ نِصْفُ صاعٍ. وقال أبو حنيفةَ: مِن البُرِّ لكلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صاعٍ، ومن غيرِه صاعٌ لكلِّ مِسْكِينٍ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في حَدِيثِ سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ:«فأطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ» . رَواه أبو داودَ (2). وقال أبو هُرَيْرَةَ: يُطْعِمُ مُدًّا مِن أىِّ الأنْواعِ شاء. وبهذا قال عَطاءٌ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ؛ لِما روَى أبو هُرَيْرَةَ في حَدِيثِ المُجامِعِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بمِكْتَلٍ مِن تَمْرٍ، قَدْرُه خَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا، فقالَ:«خُذْ هذا، فَأطْعِمْهُ عَنْكَ» . رَواه أبو داودَ (3). ولَنا، ما روَى أحمدُ (4): حَدَّثنا إسْماعِيلُ، ثنا أيُّوبُ،
(1) في: المغنى 4/ 382.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 276.
(3)
في: باب كفارة من أتى أهله في رمضان، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 558.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في كفارة من أفطر يومًا من رمضان، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 534. والإمام مالك، في: باب كفارة من أفطر في رمضان، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 297.
(4)
أخرجه البيهقى، في: باب لا يجزئ أن يطعم أقل من ستين. . . .، من كتاب الظهار. السنن الكبرى 7/ 392. وانظر إرواء الغليل 7/ 181.