الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَجبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ، أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثمَّ صَامُوا. وَإن حَالَ دُونَ مَنْظرِهِ غَيْمٌ أوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَجَبَ صِيَامُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ
ــ
الأَبْيَضُ مِن الخَيْطِ الأسْوَدِ. وعن ابنِ مسعودٍ نَحْوُه (1). وقال مَسْرُوقٌ: لم يَكُونُوا يَعُدُّون الفَجْرَ فَجْرَكم، إنَّما كانُوا يَعُدُّون الفَجْرَ الذى يَمْلَأُ البُيوتَ والطُّرُقَ. وهذا قَوْلُ الأَعْمَش. ولنا، قَوْلُ اللَّه تِعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (2). يَعْنِى بَياضَ النَّهارِ مِن سَوادِ اللَّيْلِ. وهذا يَحْصُلُ (3) بطُلوعِ الفَجْرِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُوذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» (4). دلِيل على أنَّ الخَيْطَ الأبْيَضَ هو الصَّباحُ، وأنَّ السُّحُورَ لا يَكُونُ إلَّا قبلَ الفَجْرِ. وهذا إجْماعٌ لم يُخالِفْ فيه إلَّا الأعْمَشُ وَحْدَه، فشَذَّ ولم يُعَرِّجْ أحَدٌ على قَوْلِه. والنَّهارُ الذى يَجِبُ صِيامُه مِن طُلُوعِ الفَجْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ. قال: هذا قولُ جَماعَةِ عُلَماءِ المسلمين.
1031 - مسألة؛ قال: (ويَجِبُ صومُ رمضانَ برُؤْيَةِ الهِلالِ، فإِن لم يُرَ مع الصَّحْوِ، أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثَلاِثين يَوْمًا، ثم صامُوا. فإن حال دُونَ مَنْظَرِه غَيْمٌ أو قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلاثِين، وَجَب صِيامُه بنِيَّةِ رمضانَ في
(1) أخرجهما الطبرى في تفسيره 2/ 173، 174.
(2)
سورة البقرة 187.
(3)
في الأصل: «يصلح» .
(4)
تقدم تخريجه ق 3/ 90.
فِى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ، لَا يَجِبُ. وَعَنْهُ، النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَام، فَإِنْ صَامَ صَامُوا.
ــ
ظاهِرِ المَذْهَبِ. وعنه، لا يَجِبُ. وعنه، النّاسُ تَبَعٌ للإِمامِ، فإِن صام صامُوا) وجُمْلَةُ ذلك أنَّ صومَ شَهْرِ رمضانَ يَجِبُ بأحَدِ ثَلاثَةِ أَشْياءَ؛ أحَدُها، رُؤْيَةُ هِلال رمضانَ، يَجِبُ به الصومُ إِجْماعًا؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«صومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). الثَّانِى،
(1) أخرجه البخارى، في: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا. . .، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 35. ومسلم، في: باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 759، 762. كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 200. والنسائى، في: باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 107. والدارمى، في: باب الصوم لرؤية الهلال، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 3. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 259، 263، 281، 287، 415، 430، 438، 454، 456، 469، 497. كلهم من حديث أبى هريرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كَمالُ شَعبانَ ثَلاِثينَ يَوْمًا، يَجِبُ به الصومُ؛ لأنَّه يُتَيَقَّنُ به دُخُولُ شَهْرِ رمضانَ، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. ويُسْتَحَبُّ للنّاسِ تَرائِى الهِلالِ لَيْلَةَ الثَّلاثِين مِن شعبانَ؛ ليَحْتاطُوا لصيامِهم، ويَسْلَمُوا مِن الاخْتِلافِ. وقد روَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التِّرْمِذِىُّ (1) عن أبى هُرَيْرَةَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أحْصُوا هِلَالَ شَعْبانَ لِرَمَضَانَ» .
(1) في: باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 203.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُسْتَحَبُّ لمن رَأَى الهِلالَ أن يَقُولَ ما روَى ابنُ عُمَرَ، قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا رَأَى الهِلالَ قال: «اللَّهُ أكبَرُ، اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنَا بالأمْنِ والإِيمَانِ، والسَّلامَةِ والإِسْلَامِ، والتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ» . رَواه الأثْرَمُ (1). الثالِثُ، أنْ يَحُولَ دُونَ مَنْظَرِه لَيْلَةَ
(1) وأخرجه الدارمى، في: باب ما يقال عند رؤية الهلال، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 3، 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّلاِثِين مِن شعبانَ غَيْمٌ أو قَتَرٌ، فيَجِبُ صِيامُه في ظاهِرِ المَذْهَبِ، ويُجْزِئُه إن كان مِن شَهْرِ رمضانَ. اخْتارَها الخِرَقِىُّ، وأكْثَرُ شُيوخِ أصْحابِنا. وهو مَذْهَبُ عُمَرَ، وابْنِه، وعَمْرِو بنِ العاصِ، وأبِى هُرَيْرَةَ، وأنَسٍ، ومُعاوِيةَ، وعائشةَ وأسماءَ ابْنَتَىْ أبى بكْرٍ. وبه قال بَكْرُ بنُ عبدِ اللَّهِ المُزَنِىُّ، وأبو عثمانَ النَّهْدِىُّ (1)، وابنُ أبى مَرْيَمَ (2)، ومُطَرِّفٌ، ومَيْمُونُ ابنُ مِهْرانَ، وطاوُسٌ، ومُجاهِدٌ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ ثانِيَةٌ، لا يَجِبُ صَوْمُه، ولا يُجْزِئُه عن رمضانَ إن صامَه. وهو قولُ أبى حَنِيفَةَ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وكَثِيرٍ مِن أهْلِ العِلْمِ؛ لِما روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّىَ عَلَيْكُمْ فَأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» . رَواه البخارِىُّ (3). وعن ابنِ عُمَرَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقدُرُوا لَهُ ثَلاثِينَ» . رَواه مسلمٌ (4). وقد صَحَّ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ (5).
(1) أبو عثمان عبد الرحمن بن مَلٌ بن عمرو النَّهْدِىّ، أدرك الجاهلية، وأسلم على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يلقه، وكان ثقة، توفى سنة خمس وتسعين، وهو ابن ثلاثين ومائة سنة. تهذيب التهذيب 6/ 277، 278.
(2)
بُريْد بن أبى مريم مالك بن ربيعة السلولى البصرى، تابعى ثقة، توفى سنة أربع وأربعين ومائة. تهذيب التهذيب 1/ 432.
(3)
تقدم تخريجه في أول المسألة.
(4)
في: باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 759. كما أخرجه النسائى، في: باب ذكر الاختلاف على الزهرى في هذا الحديث، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 108. والدارمى، في: باب الصوم لرؤية الهلال، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 3.
(5)
أخرجه البخارى، في: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا. . .، من كتاب الصوم. صحيح =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهَذا يومُ شَكٍّ. ولأنَّ الأصْلَ بَقاءُ شعبانَ، فلا يُنْتَقَلُ عنه بالشَّكِّ. وعنه رِوايةٌ ثالِثَةٌ، أنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِلإمام، فإن صام صامُوا، وِإن أفْطَرَ أفْطَرُوا. وهو قَوْلُ الحَسَنِ، وابنِ سِيرِينَ؛ لقولِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم:«الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ» (1). قيل: مَعْناه أنَّ الصَّوْمَ والفِطْرَ مع الجَماعَةِ وعُظْمِ (2) النَّاسِ. قال التِّرْمِذِىُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى ما رَوَى نافِعٌ عن ابنَ عُمَرَ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلالَ، ولا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» . قال نافِعٌ: كان عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ إذا مَضَى من شعبانَ تِسْعَةٌ وعِشْرُونَ يَوْمًا، يَبْعَثُ مَن يَنْظُرُ له الهِلالَ، فإن رَأَى فَذاك، وإن لم يَرَ ولم يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِه سحابٌ ولا قَتَرٌ أصْبَحَ مُفْطِرًا، وإن حالَ دُونَ مَنْظَرِه سَحابٌ أو قَتَرٌ أصْبَحَ صائِمًا (3). ومَعْنَى اقْدِرُوا له: أى ضَيِّقُوا له، مِن قَوْلِه تَعالَى: {وَمِنَ
= البخارى 3/ 34. وأبو داود، في: باب كراهية صوم يوم الشك، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 545. والترمذى، في: باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 202. والنسائى، في: باب صيام ويوم الشك، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 126. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صيام يوم الشك، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 527.
(1)
تقدم تخريجه في 5/ 320.
(2)
في م: «ومعظم» . وعظم الشئ: أكثره.
(3)
الحديث بهذا اللفظ رواه أبو داود. في: باب الشهر كون تسعًا وعشرين، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 542. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 5، 13. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (1). أى ضُيِّقَ عليه. وقَوْلِه: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} (2). والتَّضْيِيقُ له أن يُجْعَلَ شعبانُ تِسْعَةً وعِشْرِين يَوْمًا، وقد فَسَّرَه ابنُ عُمَرَ بفِعْلِه، وهو راوِيه واعلَمُ بمَعْناه، فيَجِبُ الرُّجُوعُ إلى تَفْسِيرِه، كما رُجِعَ إليه في تَفْسِيرِ التَّفَرُّقِ في خِيارِ المُتَبايِعَيْن. ولأنَّه شَكٌّ في أحَدِ طَرَفَىِ الشَّهْرِ لم يَظْهَرْ فيه أنَّه مِن غيرِ رمضانَ، فوَجَبَ الصَّومُ، كالطَّرَفِ الآخرِ. قال علىٌّ، وأبو هُرَيْرَةَ، وعائشةُ: لأنْ أصُومَ يَوْمًا مِن شعبانَ، أحَبُّ إلىَّ مِن أن أُفْطِرَ يَوْمًا مِن رمضانَ (3). ولأنَّ الصومَ يُحْتاطُ له، ولذلك وَجَب الصومُ بخَبَرِ واحِدٍ، ولم يُفْطِرُوا إلَّا بشَهادَةِ اثْنَيْن. فأمَّا خَبَرُ أبى هُرَيْرَةَ الذى احْتَجُّوا به، فإنَّه يَرْوِيه محمدُ بنُ زِيادٍ، وقد خالَفَه سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، فرَواه عن أبى هُرَيْرَةَ:«فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ» (4). ورِوايَتُه أَولَى؛ لإِمامَتِه واشْتِهارِ ثِقَتِه وعَدالَتِه ومُوافَقَتِه لرَأْىِ أبى هريرةَ ومَذْهبِه، ولخَبَرِ ابنِ عُمَرَ الذى رَوَيْناه. ويُمْكِنُ حَمْلُه على ما إذا غُمَّ في طَرَفَىِ الشَّهْرِ. ورِوايَةُ ابنِ عُمَرَ:«فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاِثِينَ» .
= كما أخرجه دون ذكر فعل ابن عمر البخارى، في: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا. . .، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 34. ومسلم، في: باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال. . .، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 760. والنسائى، في: باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 108. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 529. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 63، 145.
(1)
سورة الطلاق 7.
(2)
سورة الرعد 26.
(3)
أخرجه البيهقى في السنن الكبرى 4/ 211.
(4)
في رواية مسلم والنسائى في تخريجه المتقدم في الصفحة السابقة، ومسند أحمد 2/ 263.