الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا اشْتَبَهَتِ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ، تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ،
ــ
شَهادَتَهما الفِطْرُ، إذا عَرَف عَدالَتَهما، ولكلِّ واحِدٍ منهما أن يُفْطِرَ بقَوْلِهما إذا عَرَف عَدالَةَ الآخَرِ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا شَهِدَ اثْنَان فَصُومُوا وَأفْطِروا» (1). وإن شَهِدا عندَ الحاكِمِ، فرَدَّ شَهادَتَهما؛ لجَهْلِه بحالِهما، فلمَن عَلِم عَدالَتَهما الفِطْرُ؛ لأنَّ رَدَّ الحاكِم ههُنا ليس بحُكْمٍ منه، وإنَّما هو تَوَقُّفٌ لعَدَمِ عِلْمِه، فهو كالوُقُوفِ عن الحُكْمِ انْتِظارًا للبَيِّنةِ، ولهذا لو ثَبَتَتْ عَدالَتُهما بعدَ ذلك حُكِم بها، وإن لم يَعْرِفْ أحَدُهما عَدالَةَ صاحِبِه، لم يَجُزْ له الفِطْر، إلَّا أن يَحْكُمَ بذلك الحاكِمُ؛ لأنَّه يَكُونُ مُفْطِرًا برُؤْيَتِه وَحْدَه.
1040 - مسألة: (وإنِ اشْتَبَهَتِ الأشْهُرُ على الأسِيرِ، تَحَرَّى
(1) تقدم في حديث عبد الرحمن بن زيد ين الخطاب في صفحة 339.
أَو ما بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ.
ــ
وصام، فإن وافَقَ الشَّهْرَ، أو ما بعدَه، أجْزَأه، وإن وافَقَ قبلَه، لم يُجْزِئه). إذا كان الأسِيرُ مَحْبوسًا، أو مَطْمُورًا (1)، أو في بَعْضِ النَّواحِى النّائِيَةِ عن الأَمْصارِ، لا يُمكِنُه تَعَرُّفُ الأشْهُرِ بالخَبَرِ، فاشْتَبَهَتْ عليه الأشْهُرُ، فإنَّه يَتَحَرَّى ويَجْتَهِدُ، فإذا غَلَب على ظَنِّه عن أمارَةٍ تَقُومُ في نَفْسِه دُخُولُ شَهْرِ رمضانَ، صامَه، ولا يَخْلُو مِن أرْبَعَةِ أحْوالٍ؛ أحَدُها، أن لا يَنْكَشِفَ له الحالُ، فيَصِحَّ صَوْمُه، ويُجْزِئَه، لأنَّه أدَّى فَرْضَه باجْتِهادِه، فأجْزَأه، كما لو صَلَّى في يَوْمِ الغَيْمِ بالاجْتِهادِ. الثانى، أن يَنْكَشِفَ أنَّه وافَقَ الشَّهْرَ، أو ما بعدَه، فيُجْزِئَه في قولِ عامَّةِ العُلماءِ. وحُكِىَ عن الحسنِ بنِ صالِحٍ، أنَّه لا يُجْزِئُه في الحالَتَيْن؛ لأنَّه صامه على الشَّكِّ، فلم يُجْزِئْه، كما لو صامَ يومَ الشَّكِّ، فبان مِن رمضانَ. والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّه أدَّى فَرْضَه بالاجْتِهادِ في مَحَلِّه، فإذا أصاب أو لم يَعْلَمِ الحالَ أجْزَأه، كالقِبْلَةِ إذا اشْتَبَهَت، أو الصَّلاةِ في يَوْمِ الغَيْمِ إذا اشْتَبَهَ
(1) أى مسجونا في مكان خفى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقْتُها، وفارَقَ يومَ الشَّكِّ، فإنَّه ليس بمَحَلٍّ للاجْتِهادِ، فإنَّ الشَّرْعَ أمَرَ بصومِه عندَ أمارَةٍ عَيَّنَها، فما لم تُوجَدْ لم يَجُزِ الصومُ. الحالُ الثّالِثُ، وافَقَ قبلَ الشَّهْرِ، فلا يُجْزِئُه، في قولِ عامَّةِ الفُقَهاءِ. وقال بعضُ الشافعيةِ: يُجْزِئُه في أحَدِ القَوْلَيْن، كما لو اشْتَبَهَ يومُ عَرَفَةَ فوَقَفُوا قبلَه. ولَنا، أنَّه أتَى بالعِبادَةِ قبلَ وَقْتِها، فلم يُجْزِئْه، كالصلاةِ في يومِ الغَيْمِ. وأمّا الحَجُّ فلا نُسَلِّمُه إلَّا فيما إذا أخْطَأَ النّاسُ كُلُّهم، لعِظَم المَشَقَّةِ عليهم (1)، وإن وَقَع ذلك لبَعْضِهم لم يُجْزِئْهم؛ ولأنَّ ذلك لا يُؤْمَنُ مِثْلُه في القَضاءِ، بخِلافِ الصوم. الحالُ الرّابعُ، أن يُوافِقَ بعضُه رمضانَ دُونَ بَعْضٍ، فما وافَقَ رمضانَ أَو بعدَه أجْزَأه، وما وافَقَ قبلَه لم يُجْزِئْه.
فصل: وإذا وافَقَ صومُه بعدَ الشَّهْرِ، اعْتُبِرَ أن يَكُونَ ما صامَه بعَدَدِ أيّامِ شَهْرِه الذى فاتَه، سَواءٌ وافَقَ ما بينَ الهِلالَيْن، أو لم يوافِقْ، وسَواءٌ كان الشَّهْران تامَّيْنِ أو ناقِصَيْن، ولا يُجْزِئُه أقَلُّ مِن ذلك. وقال القاضى: ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّه إذا وافَقَ شَهْرًا بينَ هِلالَيْن أجْزَأه، سَواءٌ كان الشَّهْران تامَّيْن أو ناقِصَيْن، أو أحَدُهما تامًّا والآخرُ ناقِصًا. وليس بصَحِيحٍ؛ فإنَّ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللَّهَ تعالى قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1). ولأنَّه فاتَه شَهْرُ رمضانَ، فوَجَبَ أن يَكُونَ صِيامُه بعَدَدِ ما فاتَه، كالمَرِيضِ والمُسافِرِ. وليس في كَلامِ الخِرَقِىِّ تَعَرُّضٌ لهذا التَّفْصِيلِ، فلا يَجُوزُ حَمْلُ كَلامِه على ما يُخالِفُ الكِتابَ والصَّوابَ. فإن قِيلَ: أليس إذا نَذَر صومَ شَهْرٍ يُجْزِئُه ما بينَ الهِلالَيْن؟ قُلْنا: الإِطْلاقُ يُحْمَلُ على ما تَناوَلَه الاسْمُ، والاسْمُ يَتَناوَلُ ما بينَ الهِلالَيْن، وههُنا يَجِبُ قَضاءُ ما تَرَك، فيَجِبُ أن يُراعَى فيه عِدَّةُ المَتْرُوكِ، كما أنَّ مَن نَذَر صلاةً أجْزَأه رَكْعَتان، ولو تَرَك صلاةً وَجَب قَضاؤُها بعَدَدِ رَكَعاتِها، كذلك ههُنا الواجِبُ بعَدَدِ ما فاتَه مِن الأَيَّامِ، سَواءٌ كان ما صامه بينَ هِلالَيْن أو مِن (2) شَهْرَيْن، فإن دَخَل في صيامِه يومُ عِيدٍ لم يُعْتَدَّ به، وإن وافَقَ أيَّامٍ التَّشْرِيقِ، فهل يُعْتَدُّ بها؟ على رِوايَتَيْن، بِناءً على صِحَّةِ صَومِها عن الفَرْضِ.
فصل: فإن لم يَغْلِبْ على ظَنِّ الأسِيرِ دُخُولُ رمضانَ فصامَ، لم يُجْزِئْه وإن وافَقَ الشَّهْرَ؛ لأنَّه صامَه على الشَّكِّ، فلم يُجْزِئْه، كما لو نَوَى لَيْلَةَ
(1) سورة البقرة 185.
(2)
في م: «بين» .