الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ
[57 و] وِمَنْ أَكَلَ، أوْ شَرِبَ، أَوِ اسْتَعَطَ، أَوِ احْتَقَنَ، أَوْ دَاوَى الْجَائِفةَ بِمَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ، أَوِ اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ، أوْ دَاوَى الْمَأمُومَةَ، أوْ قَطَرَ في أُذُنِهِ مَا يَصِلُ إِلَى دِمَاغِهِ، أَوْ أَدْخَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ أىِّ مَوْضِعٍ كَانَ، أوِ اسْتَقَاءَ، أوِ اسْتَمْنَى،
ــ
بابُ ما يُفْسِدُ الصومَ، ويُوجِبُ الكَفّارَةَ
(ومَن أكَلَ، أو شَرِب، أو اسْتَعَطَ (1)، أو احْتَقَنَ، أو داوَى الجائِفةَ (2) بما يَصِلُ إلى جَوْفِه، أو اكْتَحَلَ بما يَصِلُ إلى حَلْقِه، أو داوَى المَأْمُومَةَ (3)، أو قَطَر في أُذُنِه ما يَصِلُ إلى دِماغِه، أو أدْخَلَ في جَوْفِه شَيْئًا مِن أىِّ مَوْضِعٍ كان، أو اسْتَقاءَ، أو اسْتَمْنَى، أو قَبَّل أو لَمَس فأمْنَى أو
(1) استعط: أدخل الدواء في أنفه.
(2)
الجائفة: الجراحة تصل إلى الجوف.
(3)
المأمومة: الجراحة تصل إلى أم الدماغ، وهي أشد الشجاج.
أوْ قَبَّلَ أوْ لَمَسَ فَأَمْنَى أوْ أَمْذَى، أوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ، أَوْ حَجَمَ، أَو احْتَجَمَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يَفْسُدْ.
ــ
أمْذَى، أو كَرَّرَ النَّظَرَ فأنْزَلَ، أو حَجَم، أو احْتَجَمَ عامِدًا ذاكِرًا لصومِه، فَسَد صَوْمُه، وإن كان مُكْرَهًا أو ناسِيًا، لم يَفْسُدْ) أجْمَعَ أهلُ العلمِ على الإِفْطارِ بالأكْلِ والشُّرْبِ لِما يُتَغَذَّى به، وقد دَلَّ عليه قَوْلُه تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1) مَدَّ (2) إباحَةَ الأكْلِ والشُّرْبِ إلى تَبَيُّنِ الفَجْرِ، ثم أمَرَ بالصيامِ عنهما، وفى الحديثِ:«لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أجْلِى» (3). فأمّا أكْلُ ما لا يُتَغَذَّى به فيَحْصُلُ به الفِطْرُ، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ. وقال الحسنُ بنُ صالِحٍ: لا يُفْطِرُ بما ليس بطعام ولا شَرابٍ. وحُكِىَ عن أَبِى طَلْحَةَ الأنْصارِىِّ، أنَّه كان يَأْكُلُ
(1) سورة البقرة 187.
(2)
في م: «مدة» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 387.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البَرَدَ (1) في الصومِ، ويَقُولُ: ليس بطَعامٍ ولا شَرابٍ (2). ولَعَلَّ مَن يَذْهَبُ إلى ذلك يَحْتَجُّ بأَنَّ الكتابَ والسُّنَّةَ إنَّما حَرَّما الأكْلَ والشُّرْبَ المُعْتادَ، فما عَداهما يَبْقى على أَصْلِ الإِباحَةِ. ولَنا، دَلالَةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ على تَحْرِيمِ الأكْلِ والشُّرْبِ على العُمُوم، فيَدْخُلُ فيه مَحَلُّ النِّزاعِ، ولم يَثْبُتْ عندَنا ما نُقِل عن أبى طَلْحَةَ، فلا يُعَدُّ خِلافًا.
فصل: ويُفْطِرُ بكلِّ ما أدْخَلَه إلى جَوْفِه، أو مُجَوَّفٍ في جَسَدِه، كدِماغِه، وحَلْقِه، ونحْوِ ذلك، ممّا يَنْفُذُ إلى مَعِدَتِه، إذا وَصَل باخْتِيارِه، وكان مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، سَواءٌ وَصَل مِن الفَمِ على العادَةِ أو غيرِها، كالوَجُورِ (3) واللَّدُودِ (4)، أو مِن الأنْف، كالسَّعُوطِ، أو ما يَدْخُلُ مِن الأُذُنِ إلى الدِّماغِ، أو ما يَدْخُل مِن العَيْنِ إلى الحَلْقِ، كالكُحْلِ، أو ما يَدْخُلُ إلى الجَوْفِ مِن الدُّبُرِ بالحُقْنَةِ، أو ما يَصِلُ مِن مُداوَاةِ الجائِفَةِ، أو مِن دَواءِ المَأْمُومَةِ، وكذلك إن جَرَح نَفْسَه، أو جَرَحَه غيرُه بإذْنِه، فوَصَلَ إلى جَوْفِه، سَواءٌ اسْتَقَرَّ في جَوْفِه، أو عاد فخَرَجَ منه؛
(1) البرد: الماء الجامد ينزل من السحاب قطعا صغارا، ويسمى حب الغمام.
(2)
عزاه الهيثمي إلى أبى يعلى والبزار. مجمع الزوائد 3/ 171، 172.
(3)
الوجور: الدواء يصب في الحلق.
(4)
اللدود: الدواء يصب من الإناء في أحد شقى الفم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأَنَّه واصِلٌ إلى الجَوْفِ باخْتِيارِه، فأشْبَهَ الأكْلَ، وبهذا كُلِّه قال الشافعىٌّ، إلَّا في الكُحْلِ. وقال مالكٌ: لا يُفْطِرُ بالسَّعُوطِ، إلَّا أن يَنْزِلَ إلى حَلْقِه، ولا يُفْطِرُ إذا داوَى المَأْمُومَةَ والجَائِفَةَ. واخْتُلِفَ عنه في الحُقْنَةِ، واحْتَجَّ بأنَّه لم يَصِلْ إلى الحَلْقِ منه شَئٌ، أشْبَهَ ما لم يَصِلْ إلى الدِّماغِ ولا الجَوْفِ. ولَنا، أنَّه واصِلٌ إلى جَوْفِ الصائِمِ باخْتِيارِه، فيُفْطِرُه، كالواصِلِ إلى الحَلْقِ، ولأنَّ الدِّماغَ جَوْفٌ، والواصِلُ إليه يُغَذِّيه، فيُفْطِرُ، كجَوْفِ البَدَنِ (1).
فصل: فأمّا الكُحْلُ، فإن وَجَد طَعْمَه في حَلْقِه، أو عَلِم وُصُولَه إليه، فَطَّرَه، وإلَّا لم يُفَطِّرْه. نصَّ عليه أحمدُ. وقال ابنُ أبي موسى: إنِ اكْتَحَلَ بما يَجِدُ طَعْمَه، كالذَّرُورِ والصَّبِرِ والقَطُورِ (2)، أفْطَرَ. وإنِ اكْتَحَلَ باليَسيرِ مِن الِإثْمِدِ غيرِ المُطَيَّبِ، لم يُفْطِرْ. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: إن كان الكُحْلُ حادًّا، فَطَّرَه، وإلَّا فلا. ونَحْوَ ما ذَكَرْناه قال أصحابُ مالكٍ. وعن ابنِ أبى لَيْلَى، وابنِ شُبْرُمَةَ، أن الكُحْلَ يُفَطِّرُ
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية، بعد أن ذكر تنازع أهل العلم في أمر الكحل والحقنة وما يقطر في الإحليل ومداواة المأمومة والجائفة: والأظهر أنه لا يفطر بشئ من ذلك. واستدل لقوله هذا بكلام طويل، راجعه في الفتاوى 25/ 233 - 237.
(2)
الذرور: ما يذر في العين وعلى الجرح من دواء يابس. والصبر، بكسر الباء: عصارة شجر مر، واحدته صَبِرَةٌ. والقطور، بفتح القاف: سائل يقطر في العين للعلاج أو الغسل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصائِمَ. وقال أبو حنيفةَ، والشافعىُّ: لا يُفَطَّرُ؛ لِما رُوِىَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه اكْتَحَلَ في رمضانَ وهو صائِمٌ (1). ولأن العَيْنَ ليست مَنْفَذًا، فلم يُفْطِرْ بالدّاخِلِ منها، كما لو دَهَن رَأْسَه. ولَنا، أنَّه أوْصَلَ إلى حَلْقِه ما هو مَمْنُوعٌ مِن تَناوُلِه بفِيه فأفْطَرَ به، كما لو أوْصَلَه مِن أنْفِه، وما رَوَوْه لم يَصِحَّ، قال التِّرْمِذِىُّ (2): لم يَصِحَّ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم في بابِ الكُحْلِ
(1) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في السواك والكحل للصائم، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 536. والبيهقى، في: باب الصائم يكتحل، من كتاب الصيام. السنن الكبرى 4/ 262. وليس فيهما أنه كان في رمضان.
(2)
انظر: عارضة الأحوذى 3/ 258.