الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ سُنَّةٌ، إِلَّا أَنْ يَنْذِرَهُ، فَيَجِبُ.
ــ
عباسٍ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في المُعْتَكِفِ:«هُوَ يَعْكِفُ الذُّنُوبَ، ويُجْرَى لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا» . إلَّا أنَّ الحَدِيثَ ضَعِيفٌ، فيه فَرْقَدُ السَّبَخِىُّ (1). قال أبو داودَ: قُلْتُ لأحْمَدَ، رحمه الله: تَعْرِفُ في فَضْلِ الاعْتِكافِ شيئًا؟ قال: لا، إلَّا شَيْئًا ضَعِيفًا.
1107 - مسألة: (وهو سُنَّةٌ، إلَّا أن يَنْذِرَه، فيَجِبُ)
لا نَعْلَمُ خِلافًا في اسْتِحْبابِه، وأنَّه إذا نَذَرَه وَجَب عليه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ الاعْتكافَ لا يَجِبُ على الناس فَرْضًا، إلَّا أن يُوجِبَ المَرْءُ على نَفْسِه الاعْتِكافَ نَذْرًا، فيَجِبُ عليه. ويَدُلُّ على أنَّه سُنَّةٌ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَه، وداوَمَ عليه تَقَرُّبًا إلى اللهِ وطَلَبًا لثَوابِه، واعْتَكَفَ أزْواجُه بعدَه ومعه، ويَدُلُّ على أَنَّه غيرُ واجِبٍ، أنَّ أصحابَه لم يَعْتَكِفُوا، ولا أَمَرَهُم النبىُّ صلى الله عليه وسلم به، إلَّا مَن أرادَه. وقال عليه السلام:«مَنْ أَرَادَ أنْ يَعْتَكِفَ، فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ» (2). ولو كان واجِبًا لم يُعَلِّقْه بالإِرادَةِ. وأمَّا
(1) في النسخ: «السنجى» خطأ. وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال 23/ 164 - 170.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب فضل ليلة القدر، من كتاب الاعتكاف. صحيح مسلم 2/ 825. من حديث أبي سعيد الخدرى في حديث طويل بلفظ:«من أحب أن يعتكف فليعتكف» .
وأخرج البخاري الحديث بدون هذا اللفظ، في: باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها، من كتاب الاعتكاف. صحيح البخاري 3/ 63. والإمام مالك، في: باب ما جاء في ليلة القدر، من كتاب الاعتكاف. الموطأ 1/ 319.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا نَذَرَه فيَجِبُ؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ» . وعن عُمَرَ، أنَّه قال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي نَذَرْتُ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً في المَسْجِدِ الحَرامِ. فقالَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْفِ بِنَذْرِكَ» . رَواهُما البخارىُّ (1).
فصل: فإن نَوَى الاعْتِكافَ مُدَّةً، لم تَلْزَمْه، فإن شَرَع فيها، فله إتْمامُها والخُروجُ منها متى شاء. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال مالكٌ: يَلْزَمُه بالنِّيَّةِ مع الدُّخُولِ فيه، فإن قَطَعَه فعليه قَضاؤُه. قال ابنُ عبدِ البَرِّ (2): لا يَخْتَلِفُ في ذلك الفُقَهاءُ، ويَلْزَمُه القَضاءُ عندَ جَمِيعِ العُلَماءِ. وقال:
(1) الأول، أخرجه في: باب النذر في الطاعة وما أنفقتم من نفقة، وباب النذر فيما لا يملك وفي معصية، من كتاب الأيمان. صحيح البخاري 8/ 177.
كما أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في النذر في المعصية، من كتاب الأيمان. سنن أبي داود 2/ 208. والترمذي، في: باب من نذر أن يطيع الله فليطعه، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 5. والنسائي، في: باب النذر في الطاعة، وباب النذر في المعصية، من كتاب الأيمان. المجتبى 7/ 16، 17. وابن ماجه، في: باب النذر في المعصية، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 687. والدارمى، في: باب لا نذر في معصية الله، من كتاب النذور. سنن الدارمى 2/ 184. والإمام مالك، في: باب ما لا يجوز من النذور في معصية الله، من كتاب النذور. الموطأ 2/ 476. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 36، 41، 224.
والثانى، أخرجه في: باب الاعتكاف ليلا، وباب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف، وباب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم. من كتاب الاعتكاف. صحيح البخاري 3/ 63، 66، 67.
كما أخرجه مسلم، في: باب نذر الكافر وما يفعله فيه إذا أسلم، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1277. وأبو داود، في: باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإِسلام. من كتاب الأيمان. سنن أبي داود 2/ 217. والترمذي، في: باب ما جاء في وفاء النذر، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 22، 23. وابن ماجه، في: باب الوفاء بالنذر، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 687.
(2)
في: الاستذكار 10/ 306.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن لم يَدْخُلْ فيه، فالقَضاءُ مُسْتَحَبٌّ. ومِن العُلَماءِ مَن أَوْجَبَه، وإن لم يَدْخُلْ فيه، واحْتَجَّ بما رُوِىَ عن عائِشَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، كان يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، فاسْتَأْذَنَتْه عائِشَةُ، فأَذِنَ لها، فأمَرَتْ ببِنائِها فضُرِبَ، وسَألتْ حَفْصَةُ أن تَسْتَأْذِنَ لها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ففَعَلَتْ، فأَمَرَتْ ببِنائِها فضُرِبَ، فلَمّا رَأَتْ ذلك زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أَمَرَتْ ببِنائِها فضُرِبَ. قال: فكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى الصُّبْحَ دَخَل مُعْتَكَفَهُ، فلَمّا صَلَّى الصُّبْحَ انْصَرَفَ، فبَصُرَ بالأبْنِيَةِ، فقالَ:«مَا هَذا؟» . فقالُوا: بِناءُ عائِشةَ، وحَفْصَةَ، وزَيْنَبَ. فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الْبِرَّ أَرَدْتُنَّ؟ مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ» . فرَجَعَ، فلمّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِن شَوّالٍ. مُتَّفَقٌ على مَعْناه (1). ولأنَّها عِبادَةٌ تَتَعَلَّقُ بالمَسْجِدِ، فلَزِمَتْ بالدُّخُولِ فيها، كالحَجِّ. وما ذَكَرَه ابنُ عبدِ البَرِّ فليس بشئٍ، فإنَّ هذا ليس بإجْماعٍ، ولا يُعْرَفُ هذا القَوْلُ عن أحَدٍ سِواه، وقد قال الشافعىُّ: كُلُّ عَمَلٍ لك أن لا تَدْخُلَ فيه، فإذا دَخَلْتَ فيه فخَرَجْتَ منه، فليس عليك أن تَقْضِىَ، إلَّا الحَجَّ والعُمْرَةَ. ولم يَقَعِ الإِجْماعُ على لُزُومِ نافِلَةٍ بالشُّرُوعِ فيها، سوى الحَجِّ والعُمْرَةِ، وإذا كانتِ العِباداتُ التي لها أصْلٌ
(1) أخرجه البخاري، في: باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج، من كتاب الاعتكاف. صحيح البخاري 3/ 67. ومسلم، في: باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه، من كتاب الاعتكاف. صحيح مسلم 2/ 831.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الاعتكاف، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 573. والنسائي، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في الوُجُوبِ لا تَلْزَمُ بالشُّرُوعِ، فما ليس له أصْلٌ في الوُجُوبِ أَوْلَى، وقد انْعَقَدَ الإِجْماعُ على أنَّ الإِنْسانَ لو نَوَى الصَّدَقَةَ بمالٍ مُقَدَّرٍ، وشَرَع في الصَّدَقَةِ به، فأَخْرَجَ بَعْضَه، لم تَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بباقِيه، وهو نَظِيرٌ للاعْتِكافِ، لأنَّه غيرُ مُقَدَّرٍ بالشَّرْعِ، فأَشْبَهَ الصَّدَقَةَ، وما ذَكَرَه مِن الحَدِيثِ حُجَّةٌ عليه؛ فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، تَرَك اعْتِكافَه، ولو كان واجِبًا ما تَرَكَه، وأزْواجُه تَرَكْنَ الاعْتِكافَ بعدَ نِيَّتِه وضَرْبِ الأبْنِيَةِ له، ولم يُوجَدْ عُذْرٌ يَمْنَعُ فِعْلَ الواجِبِ، ولا أُمِرْنَ بالقَضاءِ، وقَضاءُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لم يكُنْ لوُجُوبِه عليه، وإنَّما فَعَلَه تَطَوُّعًا؛ لأنَّه كان إذا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَه، فكانَ فِعْلُه لقَضائِه على سَبِيلِ التَّطَوُّعِ، كما قَضَى السُّنَّةَ التي فاتَتْه بعدَ الظُّهْرِ وقبلَ الفَجْرِ، فتَرْكُه دَلِيلٌ على عَدَمِ وُجُوبِه، وقَضاؤُه لا يَدُلُّ على الوُجُوبِ؛ لأنَّ قَضاءَ السُّنَنِ مَشْرُوعٌ. فإن قِيلَ: إنَّما جاز تَرْكُه، ولم يُؤْمَرْ تارِكُه مِن النِّساءِ بقَضائِه، لتَرْكِهِنَّ إيّاه قبلَ الشُّرُوعِ. قُلْنا: فقد سَقَط الاحْتِجاجُ؛ لاتِّفاقِنا على أَنَّه لا يَلْزَمُ قبلَ شُرُوعِه فيه، فلم يَكُنِ القَضاءُ دَلِيلاً على الوُجُوبِ، مع الاتِّفاقِ على انْتِفائِه. ولا يَصِحُّ قِياسُه على الحَجِّ والعُمْرَةِ؛ لأنَّ الوُصولَ إلَيْهِما لا يَحْصُلُ في الغالِبِ إلَّا بعدَ كُلْفَةٍ عظيمةٍ، ومَشَقَّةٍ شديدَةٍ، وإنْفاقِ مالٍ كَثِيرٍ، ففى إبْطالِهما تَضْيِيعٌ لمالِه، وإبْطالٌ
= في: باب ضرب الخباء في المساجد، من كتاب المساجد. المجتبى 2/ 35. وابن ماجه، في: باب ما جاء في من يبتدئ الاعتكاف وقضاء الاعتكاف، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 563. والإمام مالك، في: باب قضاء الاعتكاف، من كتاب الاعتكاف. الموطأ 1/ 316. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 84، 226.