الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ
تَجِبُ الزَّكَاةُ في عُرُوضِ التِّجَارَةِ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا،
ــ
بابُ زكاةِ العُرُوضِ
934 - مسألة: (تَجِبُ الزكاةُ في عُرُوضِ التِّجارَةِ، إذا بَلَغَتْ قِيمَتُها نِصابًا)
العُرُوضُ: جمع عَرْض. وهو غيرُ الأثْمانِ مِن المالِ على اخْتِلافِ أنْواعِه؛ مِن الحَيَوانِ، والعَقارِ، والثِّيابِ، وسائِرِ المالِ. والزكاةُ واجِبَةٌ فيها في قولِ أكْثَرِ أهلِ العلمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ في العُرُوضِ التى يُرادُ بها التِّجارَةُ الزكاةَ، إذا حال عليها الحَوْلُ. رُوِىَ ذلك عن عُمَرَ، وابْنِه، وابنِ عباسٍ. وبه قال الفُقَهاءُ السَّبْعَةُ (1)، والحسنُ، وجابرُ بنُ زيدٍ، ومَيْمُونُ بنُ مِهْرانَ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصحابُ الرَّأْى، وإسحاقُ. وحُكِىَ عن مالكٍ، وداودَ، أنَّه لا زكاةَ فيها؛ لأنَّ النبىِّ صلى الله عليه وسلم قال:«عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ والرَّقِيقِ» (2). ولَنا، ما روَى أبو
(1) هم علماء التابعين الذين انتهت إليهم الفتوى بالمدينة المنورة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وقيل في السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن. أو: سالم بن عبد اللَّه بن عمر. بدل أبى بكر بن عبد الرحمن. تهذيب الأسماء واللغات 1/ 172. سير أعلام النبلاء 4/ 417، 438، 445.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 294.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
داودَ (1)، بإِسْنادِه عن سَمُرَةَ، قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأْمُرُنا أن نُخْرِجَ الزكاةَ ممّا نُعِدُّه للبَيْعِ. وروَى الدّارَقُطْنِىُّ (2)، عن أبِى ذَرٍّ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «في الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِى الْغَنَم صَدَقَتُها، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ» . قالَه بالزّاى. ولا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ أنَّ الزكاةَ لا تَجِبُ في عَيْنها، وثَبَت أنَّها تَجِبُ في قِيمَتِها. وعن أبى عَمْرِو ابنِ حِمَاسٍ، عن أبيه، قال: أمَرَنِى عُمَرُ، فقال: أدِّ زكاةَ مالِكَ. فقلتُ: ما لى مالٌ إلَّا جِعابٌ (3) وأدَمٌ. فقال: قَوِّمْها ثم أدِّ زَكاتَها. رَواه الإِمامُ أحمدُ، وأبو عُبَيْدٍ (4). وهذه قَضِيَّةٌ يَشْتَهرُ مِثْلُها ولم تُنْكَرْ، فتكونُ إجْماعًا، ولأنَّه مالٌ تَامٌّ فوَجَبَت فيه الزكاةُ، كالسّائِمَة. وخَبَرُهم المُرادُ به زكاةُ العَيْنِ، لا زكاةُ القِيمَةِ؛ بدَلِيلِ ما ذَكَرْنا، على أنَّ خَبَرَهم عامٌّ، وحَدِيثُنا خاصٌّ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه.
(1) في: باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها زكاة، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 357.
(2)
في: باب ليس في الخضراوات صدقة، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 102.
كما أخرجه البيهقى، في: باب زكاة التجارة، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 147.
والبز بفتح الباء وبالزاى. تهذيب الأسماء واللغات للنووى 2/ 27.
(3)
جمع جَعْبَة، وهى وعاء السهام والنبال.
(4)
كذا قال. وعزاه أيضًا ابن حجر إلى الإمام أحمد في تلخيص الحبير 2/ 180. ولم نعثر عليه في المسند. ولم يورده ابن حجر في المسند المعتلى في مسند عمر أو حماس.
وأخرجه ابن حزم في المحلى 5/ 348، في باب زكاة عروض التجارة. وعلق عليه الشيخ أحمد محمد شاكر بقوله: نسبه بعضهم لمالك ولأحمد، ولم أجده عندهما. اهـ.
وأخرجه أبو عبيد في الأموال 425. كما أخرجه الدارقطنى في سننه 2/ 125. والبيهقى في السنن الكبرى 4/ 147.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُعْتَبَرُ أن تَبْلُغَ قِيمَتُه نِصابًا؛ لأنَّه مالٌ تامٌّ يُعْتَبَرُ له الحَوْلُ، فاعْتُبِرَ له النِّصابُ، كالماشِيَةِ، ويُعْتَبَرُ له الحَوْل؛ لقَوْلِه عليه السلام:«لَا زَكَاةَ في مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» (1). ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. فعلى هذا مَن مَلَك عَرْضًا للتِّجارَةِ، فحال عليه الحَوْلُ وهو نِصابٌ، قَوَّمَهُ في آخِرِ الحَوْلِ، فما بَلَغ أخْرَجَ زَكاتَه، ولا تَجِبُ فيه الزكاةُ إلَّا إذا بَلَغَتْ قِيمَتُه نِصابًا، وحال عليه الحَوْلُ وهو نِصابٌ، فلو مَلَك سِلْعَةً قِيمَتُها دُونَ النِّصابِ، فمَضَى نِصْفُ حَوْلٍ وهى كذلك، ثم زادت قِيمَتُها، فبَلَغَتْ نِصابًا، أو باعَها بنِصابٍ، أو مَلَك في أثْناءِ الحَوْلِ عَرْضًا آخَرَ وأثْمانًا تمَّ بها النِّصابُ، ابْتَدَأ (2) الحَوْلَ مِن حِينئِذٍ، ولا يُحْتَسَبُ عليه بما مَضَى. وهذا قولُ الثَّوْرِىِّ، وأهلِ العِراقِ، والشافعىِّ، وإسحاقَ، وأبى عُبَيْدٍ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. ولو مَلَك للتِّجارَةِ نِصابًا، فنَقَصَ عن النِّصابِ في أثْناءِ الحَوْلِ، ثم زاد حتى بَلَغ نِصابًا، اسْتَأنفَ الحَوْلَ عليه، لكَوْنِه انْقَطَعَ بنَقْصِه في أثْناءِ الحَوْلِ. وقال مالكٌ: يَنْعَقِدُ الحَوْلُ على ما دُونَ النِّصابِ، فإذا كان في آخِرِه نِصابًا زَكّاه. وقال أبو حنيفةَ: يُعْتَبَرُ كَوْنه نِصابًا في طَرَفَى الحَوْلِ دُونَ وَسَطِه؛ لأنَّ التَّقْوِيمَ يَشُقُّ في جَمِيع الحَوْلِ، فعُفِى عنه إلَّا في آخِرِه، فصار الاعْتِبارُ به، ولأنَّه يَحْتاجُ إلى تعَرُّفِ قِيمَتِه في كلِّ وَقْتٍ، ليَعْلَمَ أنَّ قِيمَتَه تَبْلُغُ نِصابًا، وذلك يَشُقُّ. ولَنا، أنَّه مالٌ
(1) تقدم تخريجه في 6/ 327.
(2)
في م: «ابتداء» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُعْتَبَرُ له الحَوْلُ والنِّصابُ، فيجِبُ اعْتِبارُ كَمالِ النِّصابِ في جَمِيعِ الحَوْلِ، كسائِرِ الأمْوالِ التى يُعْتَبَرُ لها ذلك. وقَوْلُهم: يَشُقُّ التَّقْوِيمُ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ غيرَ المُقارِبِ للنِّصابِ لا يَحْتاجُ إلى تَقْوِيم، لظُهُورِ مَعْرِفَتِه، والمُقاربُ للنِّصاب إن سَهُل عليه التَّقْوِيمُ، وإلَّا فله الأداءُ والأخْذُ بالاحْتِياطِ، كالمُسْتَفادِ في أَثْناءِ الحَوْلِ إن سَهُل عليه ضَبْطُ حَوْلِه، وإلَّا فله تَعْجِيلُ زَكاتِه مع الأصْلِ.
فصل (1): وإذا مَلَك نُصُبًا للتِّجارَةِ في أوْقاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لم يَضُمَّ بَعْضَها إلى بَعْضٍ؛ لِما ذَكَرْنا في المُسْتَفادِ، وإن كان العَرْضُ الأوَّلُ ليس بنِصابٍ فكَمَلَ بالثّانِى نِصابًا، فَحَوْلُهما مِن حينَ مَلَك الثّانِى، ونَماؤُهما تابعٌ لهما، ولا يُضَمُّ الثّالِثُ إليهما، بل ابْتِداءُ الحَوْلِ فيه مِن حينَ مَلَكَه، وتَجِبُ زَكاتُه إذا حال عليه الحَوْلُ، وإن كان دُونَ النِّصابِ؛ لأنَّ في مِلْكِه نِصابًا قَبْلَه، ونَماؤُه تابعٌ له.
فصل: والواجِبُ فيه رُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِه؛ لأنَّها زكاةٌ تَتَعَلَّقُ بالقِيمَةِ، فأشْبَهَتْ زكاةَ الأثْمانِ، وتَجِبُ فيما زاد بحِسابِه، كالأثْمانِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه تَجِبُ فيه الزكاةُ في كلِّ حَوْلٍ. وبهذا قال الثَّوْرِى، والشافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الرَّأْى. وقال مالكٌ: لا يُزَكِّيه إلَّا لحَوْلٍ واحِدٍ، إلَّا أن يكونَ مُدَبَّرًا؛ لأنَّ الحَوْلَ الثّانِى لم يَكُنِ المالُ عَيْنًا في أحَدِ
(1) جاء هذا الفصل في «م» في آخر المسألة التالية.