الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدُ جِنَازَةً، إِلَّا أنْ يَشْتَرِطَهُ، فَيَجُوزُ. وَعَنْهُ، لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
ــ
1122 - مسألة: (ولا يَعُودُ مَرِيضًا، ولا يَشْهَدُ جِنازَةً، إلَّا أن يَشْتَرِطَه، فيَجُوزُ. وعنه، له ذلك مِن غير شَرْطٍ)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن الإمامِ أحمدَ في الخُرُوجِ لعِيادَةِ المَرِيضِ وشُهُودِ الجِنازَةِ، مع عَدَمِ الشَّرْطِ، فرُوِىَ عنه، ليس له فِعْلُه. ذَكَرَه الخِرَقِىُّ. وهو قولُ عَطاءٍ، وعُرْوَةَ، ومُجاهِدٍ، والزُّهْرِىَّ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وعنه، أنَّ له عِيادَةَ المَرِيضِ، وشُهُودَ الجِنازَةِ، ثم يعودُ إلى مُعْتَكَفِه. نَقَلَها عنه الأثْرَمُ، ومحمدُ بنُ الحَكَمِ. وهو قولُ علىٍّ. وبه قال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والنَّخَعِىُّ، والحَسَنُ؛ لما روَى عاصِمُ بنُ ضَمْرَةَ، عن علىٍّ، قال: إذا اعْتَكَفَ الرجلُ فَلْيَشْهَدِ الجُمُعَةَ، ولْيَعُدِ المَرِيضَ، ولْيَحْضُرِ الجنازَةَ، وَلْيَأْتِ أهْلَهُ، وَلْيَأْمُرْهم بالحاجَةِ وهو قائِمٌ. رَواه الإِمامُ أَحمدُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأثْرَمُ (1). قال أحمدُ: عاصِمُ بنُ ضَمْرَةَ (2) عندِى حُجَّةٌ. ووَجْهُ الأُولَى ما رُوِىَ عن عائِشَةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، قالت: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا اعْتَكَفَ لا يَدْخُلُ البَيْتَ إلَّا لحاجَةِ الإِنْسانِ. مُتَّفَقٌ عليه (3). وعنها أنَّها قالت: السُّنَّةُ على المُعْتَكِفِ، أن لا يَعُودَ مَرِيضًا، ولا يَشْهَدَ جِنازَةً، ولا يَمَسَّ امرأةً، ولا يُباشِرَها، ولا يَخْرُجَ لحاجَةٍ إلَّا لِما لا بدَّ منه (4). وعنها قالت: كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بالمَرِيضِ، وهو مُعْتَكِفٌ، فيَمُرُّ كما هو، ولا يُعَرِّجُ يَسْألُ عنه. رَواهما أبو داودَ (5). ولأَنَّ هذا ليس بواجِبٍ، فلا يَجُوزُ تَرْكُ الاعْتِكافِ الواجِبِ له، كالمَشْىِ في حاجَةِ أخِيهِ ليَقْضِيَها، فإن تَعَيَّنَتْ عليه صلاةُ الجِنازَةِ، فأمْكَنَه فِعْلُها في المَسْجِدِ، لم يَجُزِ الخُرُوجُ إليها، وإن لم يُمْكِنْه ذلك، فله الخُرُوجُ إليها، وإن تَعَيَّن عليه دَفْنُ المَيِّتِ أو تَغْسِيلُه فله الخُرُوجُ؛ لأنَّ هذا واجِبٌ مُتَعَيِّنٌ، فيُقَدَّمُ على الاعْتِكافِ، كصلاةِ الجُمُعَةِ.
فصل: فأمّا إن كان تَطَوُّعًا، فأحَبَّ الخُرُوجَ منه لعيادَةِ مَرِيضٍ،
(1) أخرجه بنحوه عبد الرزاق، في: باب سنة الاعتكاف، من كتاب الاعتكاف. مصنف عبد الرزاق 4/ 356. وابن أبى شيبة في مصنفه 3/ 87، 88.
(2)
عاصم بن ضمرة السلولى الكوفى، تابعى ثقة، توفى في ولاية بشر بن مروان سنة أربع وسبعين ومائة. تهذيب التهذيب 5/ 45 - 46.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 576.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 577.
(5)
أخرجهما أبو داود، في: باب المعتكف يعود المريض، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 575.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو شُهُودِ جنازَةٍ، جاز؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما تَطَوُّعٌ، فلا يَتَحَتَّمُ واحِدٌ منهما، لكَنَّ الأفْضَلَ المُقامُ على اعْتِكافِه؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ يُعَرِّجُ على المَريضِ، ولم يَكُنْ الاعْتِكافُ واجِبًا عليه.
فصل: فإن شَرَط فِعْلَ ذلك في الاعْتِكافِ، فله فِعْلُه، واجِبًا كان الاعتكافُ أو تَطَوُّعًا. وكذلك ما كان قُرْبَةً، كزِيارةِ أهلِه، أو رجلٍ صالِحٍ، أو عالِمٍ، وكذلك ما كان مُباحًا، ممّا يَحْتاجُ إليه، كالعَشاءِ في مَنْزلِه، والمَبِيتِ فيه، فله فِعْلُه. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ الله يُسْألُ عن المُعْتَكِف يَشْتَرِطُ أن يَأْكُلَ في أهْلِه؟ قال: فإنِ اشْتَرَط فنعم. قُلْتُ له: فيَبِيتُ في أهلِه؟ قال: إذا كان تَطَوُّعًا جاز. وممَّن أجاز أن يَشْتَرِطَ العَشاءَ في أهْلِه الحَسَنُ، والعلاءُ بنُ زِيادٍ، والنَّخَعِىُّ، وقَتادَةُ. ومَنَع منه أبو مِجْلَزٍ، ومالِكٌ، والأوْزاعِىُّ. قال مالكٌ: لا يَكُونُ في الاعْتِكافِ شَرْطٌ. ولنا، أنَّه يَجِبُ بعَقْدِه، فكان الشَّرْطُ إليه فيه، كالوقفِ، ولأنَّ الاعْتِكافَ لا يَخْتَصُّ بقَدْرٍ، وإذا شَرَط الخُرُوجَ فكَأنَّه نَذَر القَدْرَ الذى أقامَه، وإن قال: متى مَرِضْتُ أو عَرَض لى عارِضٌ خَرَجْتُ، جاز شَرْطُه.
فصل: وإن شَرَط الوَطْءَ فِى اعْتِكافِه، أو الفُرْجَةَ، أو النُّزْهَةَ، أو البَيْعَ للتجارَةِ، أو التَّكَسُّبَ بالصِّناعَةِ في المَسْجِدِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّ هذا يُنافِى الاعْتكافَ، أشْبَهَ إذا شَرَط تَرْكَ الإِقامَةِ في المَسْجِدِ، ولأنَّ اللهَ تعالى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (1). فاشْتِراطُ ذلك كاشْتِراطِ المَعْصِيَةِ، والصِّناعَة في المَسْجِدِ مَنْهِىٌّ عنها في غيرِ الاعْتِكافِ، ففى الاعْتِكافِ أوْلَى، وسائِرُ ما ذَكَرْنا يُشْبِهُ ذلك، ولا حاجَةَ إليه. وإنِ احْتاجَ إليه فلا يَعْتَكِفُ؛ لأَنَّ تَرْكَ الاعْتِكافِ أوْلَى مِن فِعْلِ المَنْهِىِّ عنه. قال أبو طالِبٍ: سَألْتُ أحمدَ عن المُعْتَكِفِ يَعْمَلُ عَمَلَه مِن الخَيّاطِ وغيرِه؟ قال: ما يُعْجبُنِى أن يَعْمَلَ. قلتُ: إن كان يَحْتاجُ؟ قال: إن كان يَحْتاجُ لا يَعْتَكِفُ.
فصل: وللمُعْتَكِفِ صُعُودُ سَطْحِ المَسْجِدِ؛ لأنَّه مِن جُمْلَتِه، ولهذا يُمْنَعُ الجُنُبُ مِن اللُّبْثِ فيه. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ، والشافعىِّ. لا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا، ويَجُوزُ أن يَبِيتَ فيه.
فصل: ورَحْبَةُ المَسْجِدِ ليستْ منه، في ظاهِرِ كلامِ الخِرَقِىِّ. فعلى هذا ليس للمُعْتَكِفِ الخُرُوجُ إليها. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على هذا. وروَى المَرُّوذِىُّ، أنَّ المُعْتَكِفَ يَخرُجُ إلى رَحْبَةِ المَسْجِدِ، هى مِن المَسْجِدِ.
(1) سورة البقرة 187.