الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أشْبَهَ الرِّيقَ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ على ذلك أهْلُ العِلْمِ. الثانِى، أن يَكُونَ كَثِيرًا يُمْكِنُه لَفْظُه، فإن لَفَظَه فلا شئَ عليه، وكذلك إن دَخَل حَلْقَه بغيرِ اخْتِيارِه؛ لمَشَقَّةِ الاحْتِرازِ منه، وإنِ ابْتَلَعَه عامِدًا، فَسَد صَومُه. وهو قولُ الأكْثَرين. وقال أبو حنيفةَ: لا يَفْسُدُ؛ لأَنَّه لا بُدَّ أن يَبْقَى بينَ أسْنانِه شيءٌ ممّا يَأْكُلُه، فلم يُفْطِرْ بابْتِلاعِه، كالرِّيقِ. ولَنا، أنَّه بَلَع طَعامًا يُمْكِنُه لَفْظُه باخْتِياره ذاكِرًا لصَومِه، فأفْطَرَ به، كما لو ابْتَلَعَ ابْتِداءً مِن خارِجٍ، ويُخالِفُ ما يَجْرِى به الرِّيقُ، فإنَّه لا يُمْكِنُه لفْظُه. فإن قِيلَ: يُمْكِنُه أن يَبْصُقَ. قُلْنا: لا يَخْرُجُ جَمِيعُ الرِّيقِ ببُصاقِه، وإن مُنِع مِن ابْتِلاعِ رِيقِه كلِّه، لم يُمْكِنْه.
1066 - مسألة؛ قال: (أو اغْتَسَلَ، أو تَمَضْمَضَ، أو اسْتَنْشَقَ فدَخَلَ الماءُ حَلْقَه، لم يَفْسُدْ صَومُه)
المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشاقُ لا تُفْطِرُ بغيرِ خِلافٍ، سَواءٌ كان في طهارةٍ أو غيرِها، وقد رُوِىَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عُمَرَ سَألَه عن القُبْلَةِ للصّائِمِ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنْ إنَاءٍ وَأنْتَ صَائِمٌ» . قُلْتُ: لا بَأْسَ. قال: «فَمَه؟» (1). ولأنَّ الفَمَ في حُكْمِ الظاهِرِ، فلا يَبْطُلُ الصومُ بالواصِلِ إليه، كالأنْفِ والعَيْنِ. فإن تَمَضْمَضَ، أو اسْتَنْشَقَ في الطهارةِ، فسَبَقَ الماءُ إلى حَلْقِه مِن غيرِ قَصْدٍ ولا إسْرافٍ، فلا شئَ عليه. وهذا قولُ الأوْزاعِىِّ، وإسحاقَ، والشافعىِّ، في أحَدِ قَوْلَيْه. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عباسٍ. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ: يُفْطِرُ؛ لأنَّه أوْصَلَ الماءَ إلى حَلْقِه ذاكِرًا لصَومِه، فأفْطَرَ، كما لو تَعَمَّدَ شُرْبَه. ولَنا، أنَّه وَصَل إلى حَلْقِه مِن غيرِ قَصْدٍ ولا إسْرافٍ، أَشْبَهَ ما لو طارَتْ ذُبابَةٌ إلى حَلْقِه، وبهذا فارَقَ المُتَعَمِّدَ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 417.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا (إن زاد على الثَّلاثِ، [أو بالغَ] (1) في الاسْتِنْشاقِ والمَضْمَضَةِ، فقد فَعَل مَكْرُوهًا؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم للَقِيطِ بنِ صَبِرَةَ:«وَبَالِغْ في الِاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أن تَكُونَ صَائِمًا» (2). فإن دَخَل الماءُ حَلْقَه، فقالَ أحمدُ: يُعْجِبُنِى أن يُعِيدَ الصومَ. وفيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يُفْطِرُ؛ لأنَّه فَعَل مَكْرُوهًا تَعَرَّضَ به إلى إيصالِ الماءِ إلى حَلْقِه، أشْبَهَ مَن أنْزَلَ بالمُباشَرَةِ، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المُبالَغَةِ حِفْظًا للصومِ، فدَلَّ على أنَّه يُفْطِرُ به، ولأنَّه وَصَل بفِعْلٍ مَنْهِىٍّ عنه، أشْبَهَ التَّعَمُّدَ (3).
(1) في م: «وبالغ» .
(2)
تقدم تخريجه في 1/ 282.
(3)
في م: «العمد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثانِى، لا يُفْطِرُه؛ لأنَّه وَصَل مِن غيرِ قَصْدٍ، أشْبَهَ غُبارَ الدَّقِيقِ إذا دَخَل حَلْقَه وَقْتَ نَخْلِه. فأمّا المَضْمَضَةُ لغيرِ طهارةٍ، فإن كانت لحاجَةٍ، كغَسْلِ فَمِه عندَ الحاجَةِ إليه ونَحوِه، فحُكْمُه حُكْمُ المَضْمَضَةِ للطهارةِ. وإن كان عَبَثًا، أو تَمَضْمَضَ مِن أجْلِ العَطَشِ، كُرِه. وسُئِل أحمدُ عن الصائِمِ يَعْطَشُ فيُمَضْمِضُ ثم يَمُجُّه، قال: يَرُشُّ على صَدْرِه أحَبُّ إلَىَّ. فإن فَعَل فوَصَلَ الماءُ إلى حَلْقِه، أو تَرَك الماءَ في فِيه عابِثًا، أو للتَّبَرُّدِ، فالحُكْمُ فيه كالحُكْمِ في الزائِدِ على الثَّلاثِ؛ لأنَّه مَكْرُوهٌ.
فصل: ولا بَأْسَ أن يَصُبَّ الماءَ على رَأْسِه مِن الحَرِّ والعَطَشِ؛ لِما رُوِىَ عن بعضِ أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: لقد رَأَيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالعَرْجِ (1) يَصُبُّ على رَأْسِه الماءَ وهو صائِمٌ مِن العَطَشِ أو مِن الحَرِّ. رَواه أبو داودَ (2).
(1) العرج: قرية على طريق مكة من المدينة. معجم ما استعجم 3/ 930.
(2)
في: باب الصائم يصب عليه الماء من العطش. . . .، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 552. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 96، 143، 252.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا بَأْسَ أن يَغْتَسِلَ الصائِمُ؛ فإنَّ عائشةَ، وأُمَّ سَلَمَةَ، قالَتا: نَشْهَدُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إن كان ليُصْبِحُ جُنُبًا مِن (1) غيرِ احْتِلامٍ، ثم يَغْتَسِلُ، ثم يَصُومُ. مُتَّفَقٌ عليه (2). وروَى أبو بكرٍ، بإسْنادِه، أنَّ ابنَ عباسٍ دَخَل الحَمّامَ وهو صائِمٌ، هو وأصحابٌ له في شهرِ رمضانَ. فأمَّا الغَوْصُ في الماءِ، فقالَ أحمدُ، في الصائِمِ يَنْغَمِسُ في الماءِ: إذا لم يَخَفْ أن يَدْخُلَ في مَسامِعِه. وكَرِه الحسنُ، والشَّعْبِىُّ أن يَنْغَمِسَ في الماءِ، خَوْفًا أن يَدْخُلَ في مَسامِعِه. فإن دَخَل إلى مَسامِعِه في الغُسْلِ الِمَشْرُوعِ، مِن غيرِ قَصْدٍ ولا إسْرافٍ، لم يُفْطِرْ، كالمَضْمَضَةِ في الوُضُوءِ. وإن غاصَ في الماءِ، أو أسْرَفَ، أو كان عابِثًا، فحُكْمُه حُكْمُ الدّاخِلِ إلى الحَلْقِ مِن المُبالَغَةِ والزِّيادَةِ على الثَّلاثِ، على ما ذَكَرْنا مِن الخِلافِ.
(1) في م: «عن» .
(2)
تقدم تخريجه في 5/ 115.