الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ. . .
ــ
«تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ» . فقاد: عِنْدِى آخَرُ. قال: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ» . قال: عندِى آخَرُ. قال: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجِكَ» . قال: عِنْدِى آخَرُ. قال: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ» . قال: عِنْدِى آخَرُ. قال: «أنْتَ أبْصَرُ» . رَواهما أبو داودَ (1). فإن وافَقَه عِيالُه على الإِيثارِ فهو أفْضَلُ؛ لقولِه تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (2). وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «أفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ إلَى فَقِيرٍ فِى السِّرِّ» (3).
1029 - مسألة: (ومن أراد الصَّدَقَةَ بمالِه كلِّه، وهو يَعْلَمُ مِن نَفْسِه
(1) أخرج الأول، في: باب في صلة الرحم، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 393. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 160، 193، 194، 195. والثانى تقدم تخريجه في صفحة 94.
(2)
سورة الحشر 9.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب طول القيام، من كتاب الوتر، وفى: باب الرخصة في ذلك، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 334، 390. والنسائى، في: باب جهد المقل، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 44، والدارمى، في: باب أى الصلاة أفضل، من كتاب الصلاة. سنن الدارمى 1/ 331. الإمام أحمد، في: المسند 2/ 358، 3/ 412، 5/ 178، 179، 265.
وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإنْ لَمْ يَثقْ مِنْ نَفْسِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ.
ــ
حُسْنَ التَّوَكُّلِ والصَّبْرَ عن المَسْأَلَةِ، فله ذلك، وإن لم يَثِقْ مِن نَفْسِه بذلك كُرِه له) مَن أراد الصَّدَقَةَ بجميعِ مالِه، وكان وَحْدَه، أو كان لمَن يَمُونُه كفايَتُهم، وكان مُكْتَسِبًا، أو واثِقًا مِن نفسِه بحُسْنِ التَّوَكُّلِ، والصَّبْرِ على الفَقْرِ، والتَّعَفُّفِ عن المَسْألَةِ، فله ذلك، لِما ذَكَرْنا مِن الآيةِ والخَبَرِ في المَسْألَةِ قبلَها، ولِما روَى عُمَرُ، رَضِىَ اللَّه عنه، قال: أمَرَنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَتَصَدَّقَ، فوافَقَ ذلك مالًا عِنْدِى فقلتُ: اليَوْمَ أسْبِقُ أبا بكرٍ إن سَبَقْتُه يَوْمًا. فجِئْتُ بنِصْفِ مالِى، فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا أبْقَيْتَ لأهْلِكَ؟» . قلتُ: أبْقَيْتُ لهم مِثْلَه. فأتَى أبو بكرٍ بكلِّ ما عِنْدَه، فقال له:«مَا أبْقَيْتَ لأهْلِكَ؟» . قال: أبْقَيْت لهم اللَّهَ ورسولَه. فقلتُ: لا أُسابِقُكَ إلى شئٍ أبدًا (1). فكان هذا فَضِيلَةً في حَقِّ الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، لقُوَّةِ يَقِيِنه، وكَمال إيمانِه، وكان تاجِرًا ذا مَكْسَبٍ، فإنَّه قال حينَ وَلِىَ: قد عَلِم النَّاسُ أنَّ مَكْسَبِى لم يَكُنْ ليَعْجِزَ عن مُؤْنَةِ عِيالِى. وإن لم يُوجَدْ في المُتَصَدِّقِ أحَدُ هذَيْن، كُرِهَ له؛ لِما روَى
(1) أخرجه أبو داود، في: باب الرخصة في ذلك [أى في الرجل يخرج عن ماله]، عن كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 390. والترمذى، في: باب في مناقب أبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى 13/ 183، 139. والدارمى، في: باب الرجل يتصدق بجميع ما عهده، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 391، 392.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو داودَ (1)، عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، قال: كُنَّا عندَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجلٌ بمِثْلِ بَيْضَةٍ مِن ذَهَبٍ، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أصَبْتُ هذه مِن مَعْدِنٍ، خُذْها فهى صَدَقَةٌ، ما أمْلِكُ غيرَها. فأعْرَضَ عنه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه مِن قِبَلِ رُكْنِه الأيْمنِ، فقال مِثْلَ ذلك، فأعْرَضَ عنه، ثم أتاه مِن قِبَلِ رُكْنِه الأيسَرِ، فأعْرَضَ عنه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه مِن خَلْفِه، فأخَذَها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فحذَفَه بها، فلو أصابَتْه لعَقَرَتْه، أو لأوْجَعَتْه، وقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:«يَأْتِى أحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ، فيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَان عَنْ ظَهْرِ غِنًى» . فقد نَبَّه النبىُّ صلى الله عليه وسلم على المَعْنَى الذى كَرَّه الصَّدَقَةَ بجَمِيعِ مالِه، وهو أن يَسْتَكِفَّ النَّاسَ، أى يَتَعَرَّضَ للصَّدَقَةِ، فيَأخُذَها ببَطنِ كَفِّه، يقال: تَكَفَّفَ، واسْتَكَفَّ إذا فَعَل ذلك. وروَى النَّسائِىُّ (2)، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أعْطَى رجلًا ثَوْبَيْن مِن الصَّدَقَةِ، ثم حَثَّ على الصَّدَقَةِ، فطرَحَ الرجلُ أحَدَ ثَوْبَيْه، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:«أَلَمْ تَرَوْا إلَى هَذَا، دَخَلَ بِهَيئةٍ بَذَّةٍ فأَعْطَيْتُهُ ثَوْبَيْن، ثُمَّ قُلْتُ: تَصَدَّقُوا. فَطرَحَ أحَدَ ثَوْبَيْهِ، خُذْ ثَوْبَكَ» . وانْتَهَرَه.
(1) تقدم تخريجه في 6/ 339.
(2)
في: باب حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته، من كتاب الجمعة، وفى: باب إذا تصدق وهو محتاج اليه هل ورد عليه؟ من كتاب الزكاة. المجتبى 3/ 87، 5/ 47. كما أخرجه أبو داود، في: باب الرجل يخرج من ماله، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 389. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 25.