الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَمَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ، أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمِ مِسْكِينٌ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَهَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ أَوِ اثْنَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
1091 - مسألة: (وإن أخَّرَه لغيرِ عُذْرٍ، فمات قبلَ أن أدْرَكَه رمضانُ آخَرُ، أُطْعِمَ عنه لكلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. ومَن مات بعدَ أن أدْرَكَه رمضانُ آخَرُ، فهل يُطْعَمُ عنه لكلِّ يومٍ مِسْكينٌ أو اثْنان؟ على وَجْهَيْن)
إذا أخَّرَ قَضاءَ رمضانَ مع إمْكانِ القَضاءِ، فمات، أُطْعِمَ عنه لكلِّ يومٍ مسكينٌ. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. رُوِىَ ذلك عن عائشةَ، وابنِ عباسٍ. وبه قال مالكٌ، واللَّيْثُ، والَأوْزاعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وابنُ عُلَيَّةَ، وأبو عُبَيْدٍ، في الصَّحِيحِ عنهم. وقال أبو ثَوْرٍ: يُصامُ عنه. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لِما رَوَتْ عائشةُ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وروَى ابنُ عباسٍ نحْوَه (2). ولَنا، ما روَى ابنُ ماجه، عن ابنِ عُمَرَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:
(1) أخرجه البخارى، في: باب من مات وعليه صوم، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 46. ومسلم، في: باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 803.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في من مات وعليه صيام، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 559. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 69.
(2)
حديث ابن عباس أخرجه البخارى في الموضع السابق. ومسلم، في: الباب السابق. صحيح مسلم 2/ 804.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ» (1). رَواه التِّرْمِذِىُّ، وقال: الصَّحِيحُ عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ. وعن عائشةَ أيضًا، قالت: يُطْعَمُ عنه في قَضاءِ رمضانَ، ولا يُصامُ (2). وعن ابنِ عباسٍ، أنَّه سُئِل عن رجلٍ مات وعليه نَذْرٌ يَصُومُ شَهْرًا، وعليه صومُ رمضانَ؟ قال: أمّا رمضانُ فيُطْعَمُ عنه، وأمّا النَّذْرُ فيُصامُ عنه (3). رَواه الأثْرَمُ في السُّنَنِ. ولأنَّ الصومَ لا تَدْخُلُه النِّيابَةُ حالَ الحَياةِ، فكذلك بعدَ الوَفاةِ، كالصلاةِ. فأمّا حَدِيثُهم فهو في النَّذْرِ؛ لأنَّه قد جاء مُصَرَّحًا به في بعضِ الألْفاظِ، كذلك رَواه البخارىُّ، عن ابنِ عباسٍ (4)، قال:
(1) أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في الكفارة، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 241. وابن ماجه، في: باب من مات وعليه صيام رمضان قد فرط فيه، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 558.
(2)
انظر: الاستذكار، لابن عبد البر 10/ 172.
(3)
أخرجه بمعناه أبو داود، في: باب في من مات وعليه صوم، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 560. وأخرجه البيهقى، في: باب من قال إذا فرط في القضاء بعد الإمكان. . . . إلخ، من كتاب الصيام. السنن الكبرى 4/ 254
(4)
انظر تخريجه المتقدم قريبًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قالَتِ امرأةٌ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّى ماتَتْ وعليها صومُ نَذْرٍ، أفأقْضِيه عنها؟ قال:«أرَأيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أكَانَ يُؤَدِّى ذَلِكَ عَنْهَا؟» قالت: نعم. قال: «فَصُومِى عَنْ أُمِّكِ» . وقالت عائشةُ، وابنُ عباسٍ كقَوْلِنا، وهما راوِيا حَدِيثِهم، فدَلَّ على ما ذَكَرْنا.
فصل: فإن مات المُفَرِّطُ بعدَ أن أدْرَكَه رمضانُ آخَرُ، لم يَجِبْ عليه أكْثَرُ مِن إطْعامِ مِسْكِينٍ لكلِّ يَوْمٍ. نَصَّ عليه أحمدُ، فيما رَواه عنه أبو داودَ، أنَّ رجلاً سَألَه عن امرأةٍ أفْطَرَتْ رمضانَ، ثم أدْرَكَها رمضانُ آخَرُ، ثم ماتَتْ؟ قال: يُطْعَمُ عنها. قال له السّائِلُ: كم أُطْعِمُ؟ قال: كم أفْطَرَتْ؟ قال: ثَلاثِين يَوْمًا. قال: اجْمَعْ ثلاثِين مِسْكِينًا، وأطْعِمْهم مَرَّةً واحِدَةً، وأشْبِعْهم. قال: ما أطْعِمُهم؟ قال: خُبْزًا ولَحْمًا إن قَدَرْتَ مِن أوْسَطِ طَعامِكم. وذلك لأنَّه بإخْراجِ كَفَّارَةٍ واحِدَةٍ، زال تَفْرِيطُه بالتَّأْخِيرِ، فصار كما لو مات مِن غيرِ تَفْرِيطٍ. وقال أبو الخَطّابِ: يُطْعَمُ عنه لكلِّ يومٍ مِسْكِينان؛ لأنَّ المَوْتَ بعدَ التَّفْرِيطِ بدُونِ التَّأْخِيرِ عن رمَضانَ آخَرَ يُوجِبُ كَفّارَةً، والتَّأْخِيرُ بدُونِ المَوْتِ يُوجِبُ كَفّارَةً، فإذا اجْتَمَعَا وَجَب كَفَّارَتان، كما لو فَرَّطَ في يَوْمَيْن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ في جَوازِ التَّطَوُّعِ بالصومِ مِمَّن عليه صومُ فَرْضٍ؛ فنَقَلَ عنه حَنْبَلٌ، أنَّه لا يَجُوزُ، بل يَبْدَأُ بالفَرْضِ حتى يَقْضِيَه؛ إن كان عليه نَذْرٌ صامَه، يَعْنِى بعد الفَرْضِ. وروَى حَنْبَلٌ، [عن أحمدَ](1)، بإسْنادِه، عن أبى هُرَيْرَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا، وعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَىْءٌ لَمْ يَقْضِهِ، فَإنَّهُ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ» . ولأنَّه عِبادَةٌ يَدْخُلُ في جُبْرانِها المالُ، فلم يَصِحَّ التَّطَوُّعُ قبلَ أَداءِ فَرْضِها، كالحَجِّ. ورُوِىَ عنه، أنَّه يَجُوزُ له التَّطَوُّعُ؛ لأنَّها عِبادَةٌ تَتَعَلَّقُ بوَقْتٍ مُوَسَّعٍ، فجاز التَّطَوُّعُ في وَقْتِها قبلَ فِعْلِها، كالصلاةِ يُتَطَوَّعُ في وَقْتِها قبلَ فِعْلِها، وعليه يُخَرَّجُ الحَجُّ. ولأنَّ التَّطَوُّعَ بالحَجِّ يَمْنَعُ فِعْلَ واجِبِه المُتَعَيَّنِ، فأشْبَهَ صومَ التَّطَوُّعِ في رمضانَ، على أنَّ لنا في الحَجِّ مَنْعًا. والحَدِيثُ يَرْوِيه ابنُ لَهيعَةَ، وهو ضَعِيفٌ، وفى سِياقِه ما هو مَتْرُوكٌ، فإنَّه قال في آخِرِه:«وَمَنْ أدْرَكَهُ رَمَضَانُ، وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَىْءٌ، لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ» . ويُخَرَّجُ في التَّطَوُّعِ بالصلاةِ في حَقِّ مَن عليه القَضاءُ مثلُ ما ذَكَرْنا في الصومِ، بل عَدَمُ الصِّحَّةِ في الصلاةِ أوْلَى؛ لأنَّها تَجِبُ على الفَوْرِ، بخِلافِ الصومَ.
(1) زيادة من المغنى 4/ 402. والحديث في المسند 2/ 352.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ في كَراهِيَةِ القَضاءِ في عَشْرِ ذى الحِجَّةِ، فرُوِىَ أنَّه لا يُكْرَهُ. وهو قولُ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، والشافعىِّ، وإسحاقَ؛ لِما رُوِىَ عن عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه كان يَسْتَحِبُّ قَضاءَ رمضانَ في العَشْرِ، ولأنَّه أيَّامُ عِبادَةٍ، فلم يُكْرَهِ القَضاءُ فيه، كعَشْرِ المُحَرَّم. والثانيةُ، يُكْرَهُ. رُوِىَ ذلك عن الحَسَنِ، والزُّهْرِىِّ؛ لأنَّه يُرْوَى عَن علىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه كَرِهَه. ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَا مِنْ أيَامٍ العَمَلُ الصّالِحُ فِيهَا أحَبُّ إلَى اللهِ سُبْحَانَهُ مِنْ هَذِهِ الْأيَّامِ» . يَعْنِى أيّامَ العَشْرِ. قالُوا: يا رسولَ اللهِ، ولا الجِهادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قال:«ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، إلَّا رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىْءٍ» (1). فاسْتُحِبَّ إخْلاؤُها للتَّطَوُّعِ لينالَ (2) فَضِيلَتَها، ويَجْعَلُ القَضاءَ في غيرِها. وقالْ بعضُ أصحابِنا: هاتان الرِّوايَتان مَبْنِيَّتان على الرِّوايَتَيْن في إباحَةِ التَّطَوُّعِ قبلَ صومِ الفَرْضِ وتَحْرِيمِه، فمنَ أباحَه كَرِه القَضاءَ فيها؛ لتَوْفِيرِها على التَّطَوُّعِ لينالَ (2) فَضْلَه فيها مع فَضْلِ القَضاءِ،
(1) تقدم تخريجه في 1/ 515.
(2)
في الأصل: «لبيان» .