الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ تَطَوُّعًا، اسْتُحِبَّ لَهُ إِتْمَامُهُ، وَلَمْ يَجِبْ، فَإِنْ أَفْسَدَهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
ــ
1103 - مسألة: (ومَن شَرَع في صومٍ أو صلاةٍ تَطَوُّعًا، اسْتُحِبَّ له إتْمامُه، ولا يَلْزَمُه، فإن أفْسَدَه فلا قَضاءَ عليه)
لِما رُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، أنَّهما أَصْبَحا صائِمَيْن، ثمَّ أفْطَرا. وقال ابنُ عُمَرَ: لا بَأْسَ به، ما لم يَكُنْ نَذْرًا، أو قَضاءَ رمضانَ. وقال ابنُ عباسٍ: إذا صام الرجلُ تَطَوُّعًا، ثمَّ شاء أن يَقْطَعَه، قَطَعَه، وإذا دَخَل في صلاةٍ تَطَوُّعًا، ثمَّ شاء أن يَقْطَعَها، قَطَعَهَا (1). وقال ابنُ مسعودٍ: متى أَصْبَحْتَ تُرِيدُ الصومَ، فأَنت على خَيْرِ النَّظَرَيْن، إن شِئْتَ صُمْتَ، وإن شِئْتَ أَفْطَرْتَ (2). هذا
(1) أخرجه البيهقى، في: باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه، من كتاب الصيام. السنن الكبرى 4/ 277. وأخرج نحوه عبد الرزاق، في: باب في إفطار التطوع وصومه إذا لم يبيته، من كتاب الصوم. المصنف 4/ 271.
(2)
أخرجه البيهقي في الموضع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلُ أحمدَ، والثَّوْرِىِّ، والشافعيِّ، وإسحاقَ. وقد روَى حَنْبَلٌ، عن أحمدَ، إذا أجْمَعَ على الصِّيامِ، فأوْجَبَه على نَفْسِه، فأَفْطَرَ مِن غيرِ عُذْرٍ، أعادَ ذلك اليَوْمَ. وهذا مَحْمُولٌ على أنَّه اسْتَحَبَّ ذلك، أو نَذَرَه؛ ليَكُونَ موافِقًا لسائِرِ الرِّواياتِ عنه. وقال النَّخَعِىُّ، وأبو حنيفةَ، ومالكٌ: يَلْزَمُ بالشُّرُوعِ فيه، ولا يَخْرُجُ منه إلَّا بعُذْرٍ، فإن خَرَج قَضَى. وعن مالكٍ، لا قَضاءَ عليه. واحْتَجَّ مَن أوْجَبَ القَضاءَ بما رُوِىَ عن عائِشَةَ، أنَّها قالت:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَصْبَحْتُ أنا وحَفْصَةُ صائِمَتَيْن مُتَطَوِّعَتَيْن، فأُهْدِىَ لنا حَيْسٌ (1)، فأفْطَرْنا، ثمَّ سَأَلْنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ:«اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» (2). ولأنَّها عِبادَةٌ تَلْزَمُ بالنَّذْرِ، فلَزِمَتْ بالشُّرُوعِ فيها، كالحَجِّ والعُمْرَةِ. ولَنا، ما روَى مسلمٌ، وأبو داودَ، والنَّسائِىُّ (3)، عن عِائِشَةَ، قالت: دَخَل علىَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فقالَ:«هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ» . فقُلْتُ: لا. قال: «فَإِنِّى صَائِمٌ» . ثمَّ مَرَّ بى بعدَ ذلك اليومِ وقد أُهْدِىَ لنا حَيْسٌ، فخَبَأْتُ له منه، وكان يُحِبُّ الحَيْسَ. قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّه أُهْدِىَ لنا حَيْسٌ، فخَبَأْتُ لك منه، قال:«أَدْنِيهِ، أَمَا إنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنَا صَائِمٌ» . فأَكَلَ منه. ثمَّ قال: «إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ؛ فَإنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإنْ شَاءَ حَبَسَهَا» . هذا
(1) الحيس: تمر وسمن ودقيق تخلط وتعجن وتسوى كالثريد.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب من رأى عليه القضاء، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 572. والترمذي، في: باب ما جاء في ايجاب القضاء عليه، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 270.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب جواز صوم النافلة بنية من النهار، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 808، 809. وأبو داود، في: باب في الرخصة في ذلك، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 571. والنسائى، في: باب النية في الصيام. من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 163.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَفْظُ رِوايَةِ النَّسَائِىِّ، وهو أَتَمُّ مِن غَيْرِه. ورَوَتْ أمُّ هانِئٍ، قالت: دَخَلْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأُتِىَ بشَرابٍ، فناوَلَنِيه فشَرِبْتُ منه، ثم قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ لقد أفْطَرْتُ وكُنْتُ صائِمَةً. فقالَ لها: «أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟» . قالت: لا. قال: «فَلَا يَضُرُّكِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا» . رَواه سعيدٌ، وأبو داودَ (1)، والأثْرَمُ. وفى لَفْظٍ، قالت: قُلْتُ: إنِّى صائِمَةٌ. فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُتَطَوِّعَ أمِيرُ نَفْسِهِ، فَإنْ شِئْتِ فَصُومِى، وَإنْ شِئْتِ فَأَفْطِرِى» (2). ولأَنَّ كلَّ صَوْمٍ لو أَتَمَّه كان تَطَوُّعًا، إذا خَرَج منه لم يَجِبْ قَضاؤُه، كما لو اعْتَقَدَ أنّه مِن رمضانَ، فبانَ مِن شعبانَ. فأمّا خَبَرُهم، فقالَ أبو داودَ: لا يَثْبُتُ. وقال التِّرْمِذِىُّ: فيه مَقالٌ. وضَعَّفَه الجُوزْجانِىُّ وغيرُه، ثم هو مَحْمُولٌ على الاسْتِحْبابِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يُسْتَحَبُّ له إتمامُه، وإن خَرَج منه اسْتُحِبَّ قَضاؤُه؛ للخُرُوجِ مِن الخِلافِ، وعَمَلًا بالخَبَرِ الذى رَوَوْه.
(1) في: باب الرخصة في ذلك، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 572.
كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 267، 268. والدارمى، في: باب في من يصبح صائما تطوعا ثم يفطر، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 16. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 424.
(2)
أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 268، 269. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 343، 424.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وسائِرُ النَّوافِلِ مِن الأعْمالِ حُكْمُها حُكْمُ الصِّيامِ، في أنَّها لا تَلْزَمُ بالشُّرُوعِ، ولا يَجِبُ قَضاؤُها إذا أَفْسَدَها، إلَّا الحَجَّ والعُمْرَةَ، فإنَّهُما يُخالِفان سائِرَ العِباداتِ في هذا؛ لتَأكُّدِ إحْرامِهما، ولا يَخْرُجُ منهما بإفْسادِهِما، ولو اعْتَقَدَ أنَّهُما واجِبان، ولم يَكُونا واجِبَيْن، لم يَكُنْ له الخُرُوجُ منهما. وقد رُوِىَ عن أحمدَ في الصلاةِ ما يَدُلُّ على أنَّها تَلْزَمُ بالشُّروعِ. قال الأثْرَمُ: قُلْتُ لأبِى عبدِ اللهِ: الرَّجُلُ يُصْبِحُ صائِمًا مُتَطَوِّعًا، أَيَكُونُ بالخيارِ؟ والرجلُ يَدْخُلُ في الصلاةِ أله أن يَقْطَعَها؟ قال: الصلاةُ أشَدُّ، أمَّا الصلاةُ فلا يَقْطَعُها. قِيلَ له: فإن قَطَعَها قَضاها؟ قال: إن قَضَاهَا فليس فيه اخْتِلافٌ. ومالَ أبو إسحاقَ الجُوزْجانِيُّ إلى هذا القولِ، وقال: الصلاةُ ذاتُ إِحْرامٍ وإحْلالٍ، فلَزِمَتْ بالشُّرُوعِ فيها، كالحَجِّ. وأكثرُ أصحابِنا على أنَّها لا تَلْزَمُ أيْضًا. وهو قولُ ابنِ عباسٍ؛ لأنَّ ما جاز تَرْكُ جَمِيعِه جاز تَرْكُ بعضِه، كالصَّدَقَةِ. والحَجُّ والعُمْرَةُ يُخالِفان غيرَهما بما ذَكَرْنا.
فصل: فإن دَخَل في صومٍ واجِبٍ؛ كقَضاءِ رمضانَ، أو نَذْرٍ