الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب
[163]
عَن حُصَينِ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ؛ قَالَ: كُنتُ عِندَ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ فَقَالَ: أَيُّكُم رَأَى الكَوكَبَ الَّذِي انقَضَّ البَارِحَةَ؟ قُلتُ: أَنَا. ثُمَّ قُلتُ: أَمَا إِنِّي لَم أَكُن فِي صَلاةٍ، وَلَكِنِّي لُدِغتُ. قَالَ: فَمَاذَا صَنَعتَ؟ قُلتُ: استَرقَيتُ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعبِيُّ. فقَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعبِيُّ؟ قُلتُ: حَدَّثَنَا عَن بُرَيدَةَ بنِ حُصَيبٍ الأَسلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لا رُقيَةَ إِلا مِن عَينٍ أو حُمَةٍ. فَقَالَ: قَد أَحسَنَ انتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ. وَلَكِن حَدَّثَنَا ابنُ عَبَّاسٍ؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنهُ قَالَ: عُرِضَت عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ لَيسَ مَعَهُ
ــ
(67)
ومن باب كم يدخل الجنّة من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم بغير حساب؟
(قوله: لا رقيةَ إلاّ من عين أو حُمَة) العين: إصابة العين، والحمة - بضمّ الحاء وفتح الميم مخفَّفة -: حرقة السُمّ ولذعه، وقيل: السُمّ نفسه.
قال الخطّابيّ: ومعنى ذلك: لا رقيةَ أشفى وأولى من رقية العين والحُمّة. وكان عليه الصلاة والسلام قد رقي ورقى، وأمر بها وأجازها، وإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله تعالى، فهي مباحة أو مأمور بها. وإنّما جاءت الكراهية والمنع فيما كان منها بغير لسان العرب، فإنّه ربّما كان كفرًا أو قولاً يدخله الشرك.
قال: ويحتمل أن يكون الذي يُكره من الرقية ما كان منها على مذاهب الجاهليّة التي كانوا يتعاطونها، وأنّها تَدفع عنهم الآفات، ويعتقدون أنّ ذلك من قِبَل الجنّ ومعونتهم.
أَحَدٌ. إِذ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنتُ أَنَّهُم أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى وَقَومُهُ. وَلَكِنِ انظُر إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: انظُر إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُم سَبعُونَ أَلفًا يَدخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ. ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ، فَقَالَ بَعضُهم: فَلَعَلَّهُمِ الَّذِينَ صَحِبُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ بَعضُهُم: فَلَعَلَّهُم الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسلامِ وَلَم يُشرِكُوا بِاللهِ، وَذَكَرُوا أَشيَاءَ. فَخَرَجَ عَلَيهِم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟ فَأَخبَرُوهُ. فَقَالَ: هُمِ الَّذِينَ لا يَرقُونَ، وَلا يَستَرقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ،
ــ
وقد اختلفت الرواية عن مالك في إجازة رقية أهل الكتاب للمسلم، فأجازها مرّةً إذا رقى بكتاب الله، ومنعها أخرى؛ إذ لا يُدرى ما الذي يرقي به.
و(قوله: فإذا سواد عظيم) يعني به: أشخاصًا كثيرةً، وجمعه أَسوِدَة، وقد تقدّم.
و(قوله: هم الذين لا يرقون ولا يستَرقَون ولا يكتوون ولا يتطيّرون) اختلف الناس في معنى هذا الحديث وعلى ماذا يُحمل؟ فحمله الإمام المازَرِيّ رحمه الله على أنّهم الذين جانبوا اعتقاد الطبائعيّين في أنّ الأدوية تنفع بطباعها واعتقاد الجاهليّة في ذلك ورقاهم. وهذا غير لائق بمساق الحديث ولا بمعناه؛ إذ مقصوده إثبات مزيَّةٍ وخصوصيّةٍ لهؤلاء السبعين ألفًا، وما ذكره يرفع المزيّة والخصوصيّة، فإنّ مجانبة اعتقاد ذلك هو حال المسلمين كافَّةً، ومن لم يجانب اعتقاد ذلك لم يكن مسلمًا. ثمّ إنّ ظاهر لفظ الحديث إنّما هو: لا يرقون ولا يكتوون أي: لا يفعلون هذه الأمور، وما ذكره خروج عنه من غير دليل.
وقال الداوديّ. المراد بذلك الذين يجتنبون فعله في الصحّة، فإنّه يُكره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لمن ليست به علّة أن يتّخذ التمائم ويستعمل الرقى، فأمّا من يستعمل ذلك في مرضٍ به فهو جائز. وهذا إن صحّ أن يقال في التمائم وفي بعض الرقى، فلا يصحّ أن يقال في التعويذات، وهي من باب الرقى؛ إذ قد يجوز أن يتعوّذ من الشرور كلّها قبل وقوعها. ولا يصح ذلك في التطبب، فإنه يجوز أن يتحرز من الأدواء قبل وقوعها، وأمّا الكيّ، فيأتي القول فيه إن شاء الله تعالى.
وذهب الخطّابيّ وغيره إلى أنّ وجه ذلك أن يكون تركُها على جهة التوكّل على الله تعالى والرضا بما يقضيه من قضاء وينزل به من بلاء، قال: وهذه أرفع درجات المحقِّقين بالإيمان، قال: وإلى هذا ذهب جماعة من السلف، وسمّاهم. قال القاضي أبو الفضل عياض: وهذا هو ظاهر الحديث؛ ألا ترى قوله: وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ ومضمون كلامه أنّه لا فرق بين ما ذكر من الكيّ والرقى وبين سائر أبواب الطبّ.
وقد ذهب غيره إلى أنّ استعمال الرقى والكيّ قادح في التوكّل بخلاف سائر أنواع الطبّ، فإنّها غير قادحة في التوكّل، وفرّق بين القسمين بأن قال: باب الرقى والكيّ والطِيَرة موهوم (1) فيقدح في التوكل، وما عداها غير موهوم بل محقّق، فيصير كالأكل للغذاء أو الشرب للريّ، فلا يقدح. قال الشيخ: وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنّ أكثرَ أبواب الطبّ موهومة كالكيّ، فلا معنى لتخصيصه بالكيّ والرقى.
وثانيهما: أنّ الرقى بأسماء الله تعالى هو غاية التوكّل على الله تعالى، فإنّه التجاء إليه، ويتضمّن ذلك رغبته له وتبرّكًا بأسمائه، والتعويل عليه في كشف الضُرّ والبلاء، فإن كان هذا قادحًا في التوكّل، فليكن الدعاء والأذكار قادحا في
(1) ساقط من (ع).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التوكّل، ولا قائل به، وكيف يكون ذلك؟ وقد رقى النبيّ صلى الله عليه وسلم واسترقى. ورقاه جبريل وغيره ورقته عائشة، وفعل ذلك الخلفاء والسلف، فإن كانت الرقى قادحة في التوكّل ومانعة من اللحوق بالسبعين ألفًا، فالتوكّل لم يتمّ للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولا لأحد من الخلفاء، ولا يكون أحد منهم في السبعين ألفًا مع أنّهم أفضل مَن وافى القيامة بعد الأنبياء، ولا يتخيل هذا عاقل (1).
قال الشيخ رحمه الله: والذي يظهر لي أنّ القول ما قاله الخطّابيّ وحكاه عن جماعة من السلف، وذلك ظاهر في الطيرة والكيّ، فإذا دفع الطيرة عن نفسه ولم يلتفت إليها بالتوكّل على الله تعالى، كان في المقام الأرفع من التوكّل؛ لأنّ الطيرة قد تلازم قلب الإنسان ولا يجد الانفصال (1) عنها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الطيرة فقال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم (2) فإذا استعمل المؤمن الإعراض عنها والتفويض إلى الله في أموره، ذهب ما كان يجده منها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود: الطيرة شرك، الطيرة شرك - ثلاثًا - وما منّا إلا، ولكنّ الله يذهبه بالتوكّل (3).
و(قوله: إلاّ) يعني استثناء ما يجده الإنسان منها في نفسه الذي قال فيه: ذاك شيء يجدونه في صدورهم.
وأمّا الكيّ، فالمأمون منه جائز، وقد كوى النبيّ صلى الله عليه وسلم أُبيًّا يوم الأحزاب على
(1) في (ل) و (م): الانفكاك.
(2)
رواه أحمد (5/ 448)، ومسلم (537)، وأبو داود (930 و 931)، والنسائي (3/ 14 - 17) من حديث معاوية بن الحكم السلمي رض الله عنه.
(3)
رواه أبو داود (3910)، والترمذي (1614)
ومعنى (إلا): أي: وما منا أحد إلا ويعتريه التطير، ويسبق إلى قلبه الكراهة له.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكحله لما رمي. وفي البخاريّ عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كيّة بنار، وأنا أنهى أمّتي عن الكيّ (1)، وفي حديث جابر: وما أُحِبُّ أن أكتوي (2). وعلى هذا فالمأمون من الكيّ وإن كان نافعًا - جائز، إلاّ أنّ تركه خير من فعله، وهذا معنى نهيه صلى الله عليه وسلم عنه، وسببه أنّه تعذيب بعذاب الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تُعذِّبوا بعذاب الله (3) يعني: النار. وبهذا ينفرد الكيّ ولا يُلحق به التطبُّب بغير ذلك في الكراهة، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد تطبَّب وطبب، وأحال على الطبيب وأرشد إلى الطبّ بقوله: يا عبادَ الله! تداووا، فإنّ الذي أنزل الداء أنزل الدواء (4).
وأمّا الرقي والاسترقاء، فما كان منه من رقي الجاهليّة أو بما لا يعرف، فواجب اجتنابه على سائر المسلمين، وتركه حاصل من أكثرهم، فلا يكون اجتناب ذلك هو المراد هنا، ولا اجتناب الرقي بأسماء الله تعالى وبالمرويّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما قدّمناه من أنّه التجأ إلى الله، وتبرّك بأسمائه.
ويظهر لي - والله تعالى أعلم - أنّ المقصود: اجتناب رقي خارج عن القسمين، كالرقي بأسماء الملائكة والنبيّين والصالحين، أو بالعرش والكرسيّ والسماوات والجنّة والنار وما شاكل ذلك ممّا يعظَّم، كما قد يفعله كثير ممن يتعاطى الرقى، فهذا القسم ليس من قبيل الرقي المحظور (5) الذي يعمّ
(1) رواه البخاري (5680 و 5681) وابن ماجه (3538).
(2)
رواه البخاري (5683)، ومسلم (2205).
(3)
رواه أحمد (1/ 282)، والبخاري (3017)، وأبو داود (4351)، والترمذي (1458)، والنسائي (7/ 104 و 105) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(4)
رواه أبو داود (3855)، والترمذي (2039) من حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه.
(5)
في (ع): المخصوص.
وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ.
ــ
اجتنابه، وليس من قبيل الرقي الذي هو التجاء إلى الله تعالى وتبرُّك بأسمائه، وكأنّ هذا القسم المتوسط يُلحق بما يجوز فعله، غير أنّ تركه أولى؛ من حيث إنّ الرقي بذلك تعظيم، وفيه تشبيه المَرقيِّ به بأسماء الله تعالى وكلماته، فينبغي أن يُجتنب لذلك. وهذا كما نقوله في الحلف بغير الله، فإنّه ممنوع، فإنّ فيه تعظيمًا لغير الله تعالى بمثل ما يعظّم به الله، والله أعلم.
وهذا ما ظهر لي، فمن ظهر له ذلك فليقبله شاكرًا، وإلا فليتركه عاذرًا. وسيأتي الكلام في اشتقاق لفظ الطِيَرَة في كتاب الصلاة، إن شاء الله.
و(قوله: وعلى ربّهم يتوكّلون) التوكّل لغةً: هو إظهار العجز عن أمر ما، والاعتماد فيه على الغير، والاسم التكلان، يقال منه: اتّكلتُ عليه في أمري، وأصله اوتَكلت، قُلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، ثمّ أُبدل منها التاءُ وأُدغمت في تاء الافتعال. ويقال: وكّلتُه بأمر كذا توكيلاً، والاسم الوِكالة بكسر الواو وفتحها.
واختلف العلماء في التوكّل وفيمن يستحِقّ اسم المتوكِّل على الله، فقالت طائفة من المتصوِّفة: لا يستحقّه إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله من سَبُع أو غيره، وحتّى يترك السعي في طلب الرزق؛ لضمان الله تعالى.
وقال عامّة الفقهاء: إنّ التوكّل على الله تعالى هو الثقة بالله والإيقان بأنّ قضاءه ماضٍ، واتّباع سنّة نبيّه في السعي فيما لا بدّ منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحرّز من عدو وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنّة الله تعالى المعتادة. وإلى هذا ذهب محقِّقو المتصوِّفة، لكنّه لا يستحقّ اسم المتوكّل عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب، والالتفات إليها بالقلوب، فإنّها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا، بل السبب والمسبّب فعل الله تعالى، والكلّ منه وبمشيئته. ومتى وقع من المتوكِّل ركون إلى تلك الأسباب، فقد انسلخ عن ذلك الاسم.
فَقَامَ عُكَّاشَةُ بنُ مِحصَنٍ، فَقَالَ: ادعُ اللهَ أَن يَجعَلَنِي مِنهُم. فَقَالَ: أَنتَ مِنهُم. ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادعُ اللهَ أَن يَجعَلَنِي مِنهُم. فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.
رواه أحمد (1/ 271)، والبخاري (6541)، ومسلم (220)، والترمذي (2448).
ــ
ثمّ المتوكِّلون على حالين:
الحال الأوّل: حال المتمكِّن في التوكُّل، فلا يَلتفِت إلى شيء من تلك الأسباب بقلبه، ولا يتعاطاها إلاّ بحكم الأمر.
الحال الثاني: حال غير المتمكِّن، وهو الذي يقع له الالتفات إلى الأسباب أحيانًا، غير أنّه يدفعها عن نفسه بالطرق العلميّة والبراهين القطعيّة والأذواق الحاليّة، فلا يزال كذلك إلى أن يُرقِيَه الله بجوده إلى مقام المتمكِّنين، ويلحقه بدرجات العارفين.
و(قوله: فقام إليه عُكّاشة بن مِحصَن فقال: ادع اللهَ أن يجعلَني منهم) عكاشة هذا هو بضمّ العين وتشديد الكاف، قال ثعلب. وقد تخفَّف. قال الشيخ رحمه الله: ولعلّه منقول من عُكاشة اسمٍ لبيت النمل بالتخفيف، أو مأخوذ من عَكِش الشَعر وتعكَّش إذا التوى. وعُكاشة هذا من أفاضل الصحابة وخيارهم وشجعانهم، له ببدر المقام المشهود والعَلَم المنشور، وذلك أنّه ضرب بسيفه في الكفّار حتّى انقطع، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جِزل حطب فأخذه فهزّه فعاد في يده سيفًا صارمًا، فقاتل به حتّى فتح الله على المسلمين. وكان ذلك السيف يسمَّى العون، ولم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى قُتل عُكاشة في الردّة وهو عنده، قتله طُليحة الأسديّ، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: منّا خيرُ فارسٍ في العرب، قالوا. ومن هو يا رسول الله؟ قال:
[164]
وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَدخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِي سَبعُونَ أَلفًا بِغَيرِ حِسَابٍ قَالُوا: مَن هُم يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هُمِ الَّذِينَ لا يَستَرقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَلا يَكتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ.
رواه أحمد (4/ 448)، ومسلم (218).
* * *
ــ
عُكاشة بن محصن (1). ولقوّة يقينه وشدّة حرصه على الخير ورغبته فيما عند الله سبحانه، سبق الصحابةَ كلَّهم بقوله: ادع الله أن يجعلني منهم. ولمّا لم يكن عند القائم بعده من تلك الأحوال الشريفة ما كان عند عُكاشة، قال له: سبقك بها عُكاشة، وأيضًا فلئلاّ يطلبَ كلّ من هنالك ما طلبه عُكاشة، والرجل الآخر، ويتسلسل الأمر، فسدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الباب بما قال لعكاشة. وهذا أولى من قول من قال: إنّ ذلك الرجل كان منافقًا؛ لوجهين:
أحدهما: أنّ الأصل في الصحابة صحة الإيمان والعدالة، فلا يُظنُّ بأحد منهم شيءٌ يقتضي خلاف ذلك الأصل، ولا يُسمع ما لا يصح نقله، ولا يجوز تقديره.
والثاني: أنّه قلّ أن يصدر مثل ذلك السؤال عن منافق، إذ ذلك السؤال يقتضي تصديقا صحيحا ويقينا ثابتا، والله أعلم.
* * *
(1) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 290).