الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[183]
وَعَن عُمَر بنِ الخَطَّابِ؛ أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَبصَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ارجِع فَأَحسِن وُضُوءَكَ، فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى.
رواه أحمد (1/ 21 و 24)، ومسلم (243)، وأبو داود (173)، وابن ماجه (666).
* * *
(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره
246 -
[184] عَن نُعَيمِ بنِ عَبدِ اللهِ المُجمِرِ؛ قَالَ: رَأَيتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَتَوَضَّأُ؛ فَغَسَلَ وَجهَهُ وَأَسبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمنَى حَتَّى أَشرَعَ فِي العَضُدِ،
ــ
ورابعها: أنا لو سلمنا أنهم مسحوا، لم يضرنا ذلك، ولم تكن فيه حجة لهم؛ لأن ذلك المسح هو الذي توعد عليه بالعقاب، فلا يكون مشروعًا، والله تعالى أعلم.
و(قوله للرجل الذي ترك موضع ظفر على قدمه: ارجع فأحسن وضوءك) دليل على استيعاب الأعضاء، ووجوب غسل الرجلين، وأن تارك بعض وضوئه جهلاً أو عمدًا يستأنفه؛ إذ لم يقل له: اغسل ذلك الموضع فقط. وقد جاء في كتاب أبي داود في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يعيد الوضوء والصلاة، وهذا نصٌّ.
(6)
ومن باب الغرّة والتحجيل
قوله: ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضُد) أشرع: رباعي؛ أي:
ثُمَّ يَدَهُ اليُسرَى حَتَّى أَشرَعَ فِي العَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجلَهُ اليُمنَى حَتَّى أَشرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجلَهُ اليُسرَى حَتَّى أَشرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ. وَقَالَ: قَالَ
ــ
مَدَّ يده بالغسل إلى العضُدِ، وكذلك: حتى أشرع في الساق أي: مَدَّ يدهُ إليه، من قولهم: أشرعت الرمح قِبَله؛ أي: مددته إليه، وسددته نحوهُ، وأشرع بابًا إلى الطريق؛ أي: فتحه مسددًا إليه، وليس هذا من: شرعت في هذا الأمر، ولا من: شرعت الدواب في الماء بشيء؛ لأن هذا ثلاثي وذاك رباعي. وكان أبو هريرة يبلغ بالوضوء إبطيه وساقيه، وهذا الفعل منه مذهبٌ له، ومما انفرد به، ولم يحكهِ عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً، وإنما استنبطه من قوله عليه الصلاة والسلام: أنتم الغر المحجلون. ومن قوله: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ منه الوضوء. قال أبو الفضل عياض: والناس مجمعون على خلاف هذا، وأن لا يتعدى بالوضوء حدوده لقوله عليه الصلاة والسلام: فمن زاد فقد تعدى وظلم (1).
والإشراعُ المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة هو محمول على استيعاب المرفقين والكعبين بالغسل، وعبر عن ذلك بالإشراع في العضد والساق؛ لأنهما مباديهما. وتطويل الغرّة والتحجيل بالمواظبة على الوضوء لكل صلاةٍ وإدامته، فتطول غرته بتقوية نور وجهه، وتحجيله بتضاعف نور أعضائه.
قال الشيخ رحمه الله: وأصل الغرة لمعةٌ بيضاء في جبهةِ الفرس، تزيد على قدر الدرهم، يقال منه: فرسٌ أغر، ثم قد استعمل في الجمال والشهرة وطيب الذكر، كما قال (2):
ثياب بني عوف طهارى نقيةٌ
…
وأوجههم عند المشاهد غُرَّار
(1) رواه ابن ماجه (422) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(2)
هو امرؤ القيس.
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنتُمُ الغُرُّ المُحَجَّلُونَ يَومَ القِيَامَةِ، مِن إِسبَاغِ الوُضُوءِ، فَمَنِ استَطَاعَ مِنكُم فَليُطِل غُرَّتَهُ وَتَحجِيلَهُ.
رواه أحمد (2/ 400)، والبخاري (136)، ومسلم (246).
ــ
والتحجيل: بياضٌ في اليدين والرجلين من الفرس، وأصله من الحجل؛ وهو الخلخال والقيد. ولا بد أن يجاوز التحجيل الأرساغ ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين، وهو في هذا الحديث مستعارٌ عبارةً عن النور الذي يعلو أعضاء الوضوء يوم القيامة.
و(قوله: أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين) المقبرة: تقال بفتح الباء وضمها، وتسليمه عليهم لبيان مشروعية ذلك. وفيه معنى الدعاء لهم.
ويدل أيضًا على حسن التعاهُد وكرم العَهدِ، وعلى دوام الحُرمة، ويحتمل أن يَرد الله تعالى أرواحهم فيسمعون ويردون. وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر حديثًا صحيحًا عن أبي هريرة مرفوعًا، قال: ما من مسلم يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد عليه السلام من قبره (1). وإتيان النبي صلى الله عليه وسلم المقبرة يدل على جواز زيارة القبور. ولا خلاف في جوازه للرجال، وأن النهي عنه قد نسخ، واختلف فيه للنساء على ما يأتي.
و(قوله: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) يحتمل أوجهًا:
أحدها: أنه امتثال لقول الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} فكان يكثر من ذلك حتى أدخله في ما لا بد منه وهو الموت.
(1) رواه ابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: فيض القدير (5/ 487)، وشرح الصدور للسيوطي ص (273).
[185]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَتَى المَقبُرَةَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم دَارَ قَومٍ مُؤمِنِينَ، وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ بِكُم لاحِقُونَ، وَدِدتُ أَنَّا قَد رَأَينَا إِخوَانَنَا، قَالُوا: أَوَلَسنَا إِخوَانَكَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: أَنتُم
ــ
وثانيها: أنه يكون أراد: إنا بكم لاحقون في الإيمان، ويكون هذا قبل أن يعلم بمآل أمره، كما قال: وَمَا أَدرِي مَا يُفعَلُ بِي وَلَا بِكُم.
وثالثها: أن يكون استثناء في الواجب، كما قال تعالى: لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وتكون فائدته التفويض المطلق.
ورابعها: أن يكون أراد: لاحقون بكم في هذه البقعةِ الخاصةِ، فإنه وإن كان قد علم أنه يموت بالمدينة ويدفن بها، فإنه قد قال للأنصار: المحيا محياكم والممات مماتكم (1)، لكن لم تعين له البقعة التي يكون فيها إذ ذاك، وهذا الوجه أولى من كل ما ذكر، وكلها أقوال لعلمائنا.
و(قوله: وددت أنا قد رأينا إخواننا) هذا يدل على جواز تمني لقاء الفضلاء والعلماء، وهذه الأخوة هي أخوة الإيمان اليقيني، والحب الصحيح للرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام قال: إخواني الذين يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقون برسالتي ولم يلقوني، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله، وقد أخذ أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله من هذا الحديث ومن قوله صلى الله عليه وسلم: إن من ورائكم أيامًا الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين منكم (2)؛ أنه يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون
(1) رواه أحمد (2/ 538)، ومسلم (1780) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه أبو داود (4341)، والترمذي (3060)، وابن ماجه (4014) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
أَصحَابِي. وَإِخوَانُنَا الَّذِينَ لَم يَأتُوا بَعدُ. فَقَالُوا: كَيفَ تَعرِفُ مَن لَم يَأتِ بَعدُ مِن أُمَّتِكَ يَا رسولَ الله؟ فَقَالَ: أَرَأَيتَ لَو أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ،
ــ
أفضل ممن كان في جملة الصحابة، وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا، وأن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ورآه ولو مرة من عمره، أفضل من كل من (1) يأتي بعد، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عملٌ. وهو الحق الذي لا ينبغي أن يصار لغيره؛ لأمور:
أولها: مزية الصحبة ومشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثانيها: فضيلة السبق للإسلام.
وثالثها: خصوصية الذب (2) عن حضرةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورابعها: فضيلة الهجرة والنصرة.
وخامسها: ضبطهم للشريعة وحفظها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسادسها: تبليغها لمن بعدهم.
وسابعها: السبق في النفقة في أول الإسلام.
وثامنها: أن كل خير وفضل وعلم وجهاد ومعروف فعل في الشريعة إلى يوم القيامة، فحظهم منه أكمل حظٍ، وثوابهم فيه أجزل ثواب؛ لأنهم سنوا سنن الخير، وافتتحوا أبوابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة (3)، ولا شك في أنهم الذين سنوا جميع السنن،
(1) في (ع): من كان.
(2)
في (ل): القرب.
(3)
رواه أحمد (4/ 357)، ومسلم (1017)، والنسائي (5/ 75 و 76) من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
بَينَ ظَهرَي خَيلٍ دُهمٍ بُهمٍ أَلا يَعرِفُ خَيلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رسولَ الله! قَالَ:
ــ
وسابقوا إلى المكارم. ولو عددت مكارِمُهُم، وفسرت خواصهم، وحصرت لملأت أسفارًا، ولكلت الأعينُ بمطالعتها حيارى.
وعن هذه الجملة قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البزار عن جابر بن عبد الله مرفوعًا: إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة - يعني: أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا - فجعلهم أصحابي، وقال: في أصحابي كلهم خير (1). وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله في أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذَهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصِيفَهُ (2).
وكفى من ذلك كله ثناء الله تعالى عليهم جملة وتفصيلاً، وتعيينًا وإبهامًا، ولم يحصل شيء من ذلك لمن بعدهم. فأما استدلال المخالف بقوله عليه الصلاة والسلام: إخواننا فلا حجة فيه؛ لأن الصحابة قد حصل لهم من هذه الأخوة الحظ الأوفر؛ لأنها الأخوة اليقينية العامة، وانفردت الصحابة بخصوصية الصحبة.
وأما قوله: للعامل منهم أجر خمسين منكم، فلا حجَّة فيه؛ لأن ذلك - إن صح - إنما هو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه قد قال عليه الصلاة والسلام في آخرِه: لأنكم تجدون على الخير أعوانًا ولا يجدون، ولا بُعد في أن يكون في بعض الأعمال لغيرهم من الأجور أكثر مما لهم فيه، ولا تلزم منه الفضيلة المطلقة التي هي المطلوبة بهذا البحث، والله أعلم.
(1) رواه البزار كما في كشف الأستار (2763)، وقال الهيثمي: ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف (مجمع الزوائد 10/ 16).
(2)
رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541)، وأبو داود (4658)، والترمذي (3860) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
فَإِنَّهُم يَأتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُم عَلَى الحَوضِ. أَلا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَن حَوضِي كَمَا يُذَادُ البَعِيرُ الضَّالُّ. أُنَادِيهِم: أَلا هَلُمَّ! أَلا هَلُمَّ! فَيُقَالُ: إِنَّهُم قَد بَدَّلُوا بَعدَكَ.
ــ
و(قوله: وأنا فرطُهمُ على الحوض) أي: متقدمهم إليه، يقال: فرطت القوم: إذا تقدمت لترتاد لهم الماءَ. وعلى وقعت هُنا موقع إلى ويحتمل أن يقدر هناك فعل يدل عليه مساق الكلام، تقديرهُ: فيجدوني على الحوض.
و(قوله: ألا ليذادَنَّ) كذا روايته هاهنا من غير خلاف، واختلف فيه في الموطأ (1) فرُوي: فليذادن بلام القسم. وروي: فلا يُذادنَّ، بلا النافية، وكلاهما صحيح، فاللام على قسم محذوف تقديره: فوالله ليذادن، وبـ لا يكون من باب قولهم: لا أرينك هاهنا؛ أي: لا يتعاطى أسباب الذود عن حوضي، ومعنى ليذادن: ليدفعن. والذود: الدفع. والدهم: جمع أدهم، وهو الأسود من الخيل الذي يضرب إلى الخضرة. والبهم: جمع البهيم الذي لا لون فيه سوى الدهمة.
و(قوله: أناديهم ألا هلم) أي: تعالوا. وفي هلم لغتان: إلحاق علامة التثنية والجمع، وبهذه اللغة جاء لفظ هذا الحديث، وبها جاء القرآن.
و(قوله: فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك) اختلف العلماء في تأويله، فالذي صار إليه الباجي وغيره - وهو الأشبه بمساق الأحاديث -: أن هؤلاء الذين يقال لهم هذا القول ناس نافقوا، وارتدوا من الصحابة وغيرهم، فيحشرون في أمة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قد تقدم من قوله: وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، وعليهم سيماء هذه الأمة من الغرة والتحجيل، فإذا رآهم النبي صلى الله عليه وسلم عرفهم بالسيماء، ومن كان من أصحابه بأعيانهم فيناديهم: ألا هلم، فإذا انطلقوا نحوه حيل بينهم وبينه، وأُخِذ بهم ذات الشمال. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا رب أمتي ومن أمتي، وفي لفظٍ آخر: أصحابي،
(1) الموطأ (1/ 28 و 29).
فَأَقُولُ: سُحقًا سُحقًا.
رواه أحمد (2/ 375)، ومسلم (249).
[186]
وَفِي رِوَايَةٍ قال: إِنَّ حَوضِي أَبعَدُ مِن أَيلَةَ إِلَى عَدَنٍ، لَهُو أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلجِ وَأَحلَى مِنَ العَسَلِ بِاللَّبَنِ، وَلآنِيَتُهُ أَكثَرُ مِن عَدَدِ
ــ
فيقال له إذ ذاك: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وإنهم لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم، فإذ ذاك تذهَبُ عنهم الغُرةُ والتحجيلُ، ويُطفأ نورُهُم، فيبقون في الظلمات، فينقطع بهم عن الورود، وعن جوازِ الصراطِ، فحينئذ يقولون للمؤمنين: انظُرُونَا نَقتَبِس مِن نُورِكُم فيقال لهم: ارجِعُوا وَرَاءَكُم فَالتَمِسُوا نُورًا، مكرًا وتنكيلاً ليتحققوا مقدار ما فاتهم، فيعظم أسفهُم وحسرتُهم، أعاذنا الله من (1) أحوال المنافقين، وألحقنا بعباده المخلصين. وقال الداودي وغيره: يحتمل أن يكون هذا في أهل الكبائر والبدع الذين لم يخرجوا عن الإيمان ببدعتهم، وبعد ذلك يتلافاهم الله برحمته، ويشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: والأول أظهر.
و(قوله: سحقًا سحقًا) أي: بُعدًا، والمكان السحيق: البعيد، والتكرار للتاكيد.
و(قوله: إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن) يريد طوله وعرضه، وقد جاء في الحديث الآخر: زواياه سواء (2). وسيأتي الكلام على الحوض إن شاء الله تعالى.
(1) في (م): من ذلك ومن أحوال.
(2)
رواه أحمد (3/ 384)، ومسلم (2292) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
النُّجُومِ، وَإِنِّي لأَصُدُّ النَّاسَ عنه كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَن حَوضِهِ، قَالُوا: يَا رسولَ الله! أَتَعرِفُنَا يَومَئِذٍ؟ قَالَ: نَعَم، لَكُم سِيمَا لَيسَت لأَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن أَثَرِ الوُضُوءِ.
رواه مسلم (247).
ــ
و(قوله: إني لأصد الناس) أي: لأمنع وأطرد الناس؛ بمعنى: أنه يأمر بذلك، والمطرودون هنا الذين لا سيماء لهم من غير هذه الأمة. ويحتمل أن يكون هذا الصد هو الذود الذي قال فيه في الحديث الآخر: إني لأذود الناس عن حوضي بعصاي لأهل اليمن مبالغة في إكرامهم، يعني به السُّبَّاق للإسلام من أهل اليمن، والله أعلم.
و(قوله: كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه) وفي أخرى: الإبل الغريبة، وهذا كقوله: كما يذاد البعير الضال، ووجه التشبيه: أن أصحاب الإبل إذا وردوا المياه بإبلهم ازدحمت الإبل عند الورود، فيكون فيها الضال (1) والغريب، وكل واحدٍ من أصحاب الإبل يدفعه عن إبله، حتى تشرب إبله، فيكثر ضاربوه ودافعوه حتى لقد صار هذا مثلاً شائعًا. قال الحجاج لأهل العراق: لأحزمنكم حزم السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل.
و(قوله: لكم سيماء ليست لأحد غيركم) السيماء: العلامة، يُمَد ويهمز ويقصر ويترك همزه، وهذا نص في أن الغرة والتحجيل من خواص هذه الأمة، ولا يعارضه قوله عليه الصلاة والسلام: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي (2)؛ لأن الخصوصية بالغرة والتحجيل لا بالوضوء، وهما من الله تفضل يختص به من يشاء.
(1) ساقط من (م).
(2)
رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 80) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
[187]
وَعَن أَبِي حَازِمٍ؛ قَالَ: كُنتُ خَلفَ أَبِي هُرَيرَةَ وهو يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ، فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبلُغَ إِبطَهُ، فَقُلتُ لَهُ: يَا أَبَا هُرَيرَةَ! مَا هَذَا الوُضُوءُ؟ فَقَالَ: يَا بَنِي فَرُّوخَ! أَنتُم هَاهُنَا؟ لَو عَلِمتُ أَنَّكُم هَاهُنَا مَا تَوَضَّأتُ هَذَا الوُضُوءَ. سَمِعتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تَبلُغُ الحِليَةُ مِنَ المُؤمِنِ حَيثُ يَبلُغُ الوَضُوءُ.
رواه أحمد (2/ 371)، ومسلم (250)، والنسائي (1/ 93).
[188]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلا أَدُلُّكُم عَلَى مَا يَمحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: إِسبَاغُ الوُضُوءِ عَند المَكَارِهِ، وَكَثرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانتِظَارُ الصَّلاةِ بَعدَ الصَّلاةِ.
ــ
وقول أبي هريرة: يا بني فروخ؛ تقييده بفتح الفاء والخاء المعجمة من فوق، وهو رجل من ولد إبراهيم بعد إسماعيل وإسحاق، كثر نسله، والعجم الذين في وسط البلاد من ولده؛ عنى به أبو هريرة: الموالي. وكان خطابه لأبي حازم سلمان الأعرج الأشجعي الكوفي مولى عزة الأشجعية، وليس بأبي حازم سلمة بن دينار، الفقيه الزاهد المدني مولى بني مخزوم، وكلاهما خرج عنه في الصحيح. وإنكارهم على أبي هريرة، واعتذاره عن إظهاره ذلك الفعل، يدل على انفراده بذلك الفعل.
و(قوله: إسباغ الوضوء عند المكاره) أي: تكميله وإيعابه مع شدة البرد وألم الجسم ونحوه. وكثرة الخطا إلى المساجد ببعد الدار، وبكثرة التكرار.
و(قوله: وانتظار الصلاة بعد الصلاة) قال الباجي: هذا في المشتركتين (1)
(1) في (ع) و (ل) و (ط): المستكثرين، والمثبت من (م).