المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(56) باب ما خص الله به محمدا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(56) باب ما خص الله به محمدا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

[131]

عَن ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُتِيتُ بِالبُرَاقِ - وهو دَابَّةٌ أَبيَضُ طَوِيلٌ، فَوقَ الحِمَارِ، وَدُونَ البَغلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِندَ مُنتَهَى طَرفِهِ -. قَالَ: فَرَكِبتُهُ حَتَّى أَتَيتُ بَيتَ المَقدِسِ. قَالَ: فَرَبَطتُهُ بِالحَلقَةِ الَّتِي يَربِطُ بِها الأَنبِيَاءُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلتُ المَسجِدَ فَصَلَّيتُ فِيهِ رَكعَتَينِ، ثُمَّ خَرَجتُ، فَجَاءَنِي جِبرِيلُ عليه السلام بِإِنَاءٍ مِن

ــ

(56)

ومن باب ما خص الله به محمدا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء (1)

و(قوله في صفة البُراق: دابّة أبيض طويل) جاء بوصف المذكَّر؛ لأنّه وصفٌ للبراق، ولو أتى به على لفظ الدابّة، لقال: طويلة. والبُراق مشتقّ من البرق، قاله ابنُ دُرَيد. وقيل: هو من الشاة البَرقاء إذا كان في خلال صُوفِها الأبيض طاقاتٌ سودٌ، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام: أَبرِقوا، فإنّ دم عفراء عند الله أزكى من دم سَودَاوَينِ (2)؛ أي: ضَحُّوا بالبرقاء، وهي العفراء هنا؛ فإنّ العفرة بياضٌ يخالطه يسيرُ صُفرَةٍ.

و(قوله: عند منتهى طَرفِه) بسكون الراء، وهو العين، يعني أنّه سريعٌ بعيدُ الخطو.

(1) لم يرد في الأصول، وأثبتناه من التلخيص.

(2)

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 18): رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف.

ص: 387

خَمرٍ وَإِنَاءٍ مِن لَبَنٍ، فَاختَرتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبرِيلُ: اختَرتَ الفِطرَةَ. قَالَ: ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ، فَقِيلَ: مَن أَنتَ؟ قَالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ:

ــ

و(قوله: أصبتَ الفِطرَة) أصل الفطرة: ابتداء الخِلقَةِ، ومنه: فطر ناب البعير، إذا ابتدأ خروجه، ومنه: قول الأعرابيّ المتحاكِم إلى ابن عبّاس في البئر: أنا فَطَرتُها، أي: ابتدأتُ حفرَها. وقيل في قوله تعالى: فِطرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا؛ أي: جِبِلَّة الله التي جَبَلَهم عليها من التهيُّؤ لمعرفته والإقرار به (1). وقيل: هي ما أخَذ عليهم في ظهر آدم عليه السلام من الاعتراف بربوبيّته. وقيل: الفطرة الإسلام؛ لأنّه الذي تقتضيه فطرة العقل ابتداءً. وقد حُمِل (2) على هذا قولُه عليه الصلاة والسلام: كلّ مولود يُولَدُ على الفطرة (3). . الحديث، وقد نصّ على هذا في حديث آخر، فقال: جَبَلَ اللهُ الخلقَ على معرفته فاجتالتهم الشياطين (4).

وكأن معنى الحديث أنّه لمّا مال إلى ما يُتناوَل بالجبلَّة والطبع وما لا ينشأ عنه مفسدةٌ وهو اللبن، وعدل عمّا ليس كذلك مما يتَوَقَّعُ منه مفسدة أو من جنسه، وهي إذهاب العقل الموصل للمصالح، صوَّب الملك فعله ودعا له، كما قال في الرواية الأخرى: أصبتَ أصاب الله بك (5)، ويحتمل أن يكون ذلك من باب التفاؤل والتشبيه؛ لما كان اللبن أوّلَ شيء يدخل جوف الصبيّ ويشقّ أمعاءه، فسمّي بذلك فطرةً.

(1) من (ع).

(2)

في (ل): دلّ.

(3)

رواه أحمد (2/ 233، 275، 282، 393)، والبخاري (1385)، وأبو داود (4714 و 4716) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

رواه مسلم (2865) بلفظ: "إني خلقتُ عبادي حُنفاء كُلَّهم، وانهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه.

(5)

انظر: صحيح مسلم (1/ 151).

ص: 388

وَمَن مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ. قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ، فَقِيلَ: مَن أَنتَ؟ قَالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: وَمَن مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ. قال: فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابنَيِ الخَالةِ عِيسَى ابنِ مَريَمَ وَيَحيَى بنِ زَكَرِيَّا - صلوات الله عليهما - فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ. فَقِيلَ: مَن أَنتَ؟ قَالَ: جِبرِيلُ، قِيلَ: وَمَن مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، إِذَا هو قَد أُعطِيَ شَطرَ الحُسنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ،

ــ

و(قوله: وقد بعث إليه؟ ) هو استفهام من الملائكة عن بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم وإرساله إلى الخلق. وهذا يدلّ على أنّهم لم يكن عندهم علم من وقت إرساله؛ لكونهم مستغرقين بالعبادة لا يفترون عنها. وقيل: معناه استفهامهم عن إرسال الله تعالى إليه بالعروج إلى السماء.

والبيت المعمور سُمّي بذلك؛ لكثرة عمارته بدخول الملائكة فيه وتعبُّدهم عنده. والأسوِدَة جمع سواد، وهي الأشخاص، وسواد الإنسان شخصه، يقال: لا يفارق سوادي سوادَك، وهي هاهنا أرواح بني آدم، وقد فسّرها بنسم بنيه. والنَّسَم جمع نَسَمَة، كالشجر جمع شجرة. ولا يناقض هذا أن يُخبِر الشارع أنّ أرواح المؤمنين في الجنّة أو في الصُور الذي يُنفَخ فيه أو في القبور، وأرواح الكافرين في سجّين؛ لأنّ هذا في أحوالٍ مختلفةٍ وأوقاتٍ متغايرةٍ، والله أعلم.

والسِدرَةُ واحدة السِدر، وهو شجر النبق، وهو من أعظم الشجر جرمًا، وهو أكثر شجر البادية عندهم له شوك. ولأجل هذا وصفه الله بكونه مخضودًا؛ أي: منزوعَ الشوك. وقد فسّر المعنى الذي به سمّيت سدرة المنتهى في حديث عبد الله الآتي (1).

(1) سيأتي في التلخيص برقم (133).

ص: 389

فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ، قِيلَ: مَن هذَا؟ قَالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: وَمَن مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ، قَالَ اللهُ تَعالَى: وَرَفَعنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا. ثُمَّ عَرَجَ بِنا إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ، قِيلَ: مَن هذَا؟ قَالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: وَمَن مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ. قَالَ: فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ، قِيلَ: مَن هَذَا؟ قَالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: وَمَن مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابعَةِ، فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ، فَقِيلَ: مَن هَذَا؟ قَالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: وَمَن مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبرَاهِيمَ مُسنِدًا ظَهرَهُ إِلَى البَيتِ المَعمُورِ، وَإِذَا هو يَدخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيهِ. ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدرَةِ المُنتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالقِلالِ. قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِن أَمرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَت، فَمَا أَحَدٌ مِن خَلقِ اللهِ يَستَطِيعُ أَن يَنعَتَهَا مِن حُسنِهَا. فَأَوحَى

ــ

و(قوله: فلمّا غَشِيَها مِن أمر الله ما غَشِيَ) يعني. من جلال الله وعظيم شأنه وسلطانه، تغيّرت؛ أي: انتقلت عن حالها الأول إلى حال أحسن منها.

و(قوله: في حديث مالك بن صعصعة: إن سدرة المنتهى يخرج من أصلها أربعة أنهار، نهران باطنان في الجنة، ونهران ظاهران وهما النيل والفرات) يدلّ على أنّ السدرة ليست في الجنّة، بل خارجًا عنها. وعلى ذلك أيضًا يدلّ قوله تعالى: عِندَهَا جَنَّةُ المَأوَى ولكن قد جاء في حديث أبي هريرة (1):

(1) رواه أحمد (2/ 289 و 440)، ومسلم (2839).

ص: 390

اللهُ إِلَيَّ مَا أَوحَى، فَفَرَض عَلَيَّ خَمسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ. فَنَزَلتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلتُ: خَمسِينَ صَلاةً. قَالَ: ارجِع إِلَى رَبِّكَ، فَاسأَلهُ التَّخفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا يطِيقون ذَلِكَ، فَإِنِّي قد بَلَوتُ بَنِي إِسرَائِيلَ وَخَبَرتُهُم. قَالَ: فَرَجَعتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلتُ: يَا رَبِّ! خَفِّف عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمسًا. فَرَجَعتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلتُ: حَطَّ عَنِّي خَمسًا. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارجِع إِلَى رَبِّكَ فَاسأَلهُ التَّخفِيفَ. قَالَ: فَلَم أَزَل أَرجِعُ بَينَ رَبِّي وَبَينَ مُوسَى، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُنَّ خَمسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَومٍ وَلَيلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشرٌ، فَذَلِكَ خَمسُونَ صَلاةً، وَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَم يَعمَلهَا كُتِبَت لَهُ حَسَنَةً، فَإِن عَمِلَهَا كُتِبَت لَهُ عَشرًا. وَمَن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَم يَعمَلهَا لَم تُكتَب شَيئًا، فَإِن عَمِلَهَا كُتِبَت سَيِّئَةً وَاحِدَةً. قَالَ: فَنَزَلتُ حَتَّى انتَهَيتُ إِلَى مُوسَى، فَأَخبَرتُهُ، فَقَالَ: ارجِع إِلَى رَبِّكَ فَاسأَلهُ التَّخفِيفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَد رَجَعتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى استَحيَيتُ مِنهُ.

رواه مسلم (162).

[129 / م] وَمِن حَدِيثِ أبي ذَرٍّ؛ قَالَ: فَلَمَّا عَلَونَا السَّمَاءَ الدُّنيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَن يَمِينِهِ أَسوِدَةٌ، وَعَن يَسَارِهِ أَسوِدَةٌ. قَالَ: فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبلَ شِمَالِهِ بَكَى، فقَالَ: مَرحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالابنِ

ــ

ما يدلّ على أنّ النيل والفرات ظاهران خارجان من الجنّة. ويمكن أن يجمع بينهما؛ أنّ النيل والفرات لمّا كانا مشاركين لنهري الجنّة في أصل السدرة، أُطلِقَ عليهما أنّهما من الجنّة. وسيحان وجيحان يمكن أن يكونا تفرَّعا من النيل والفرات؛ لقرب انفجارهما من الأصل. وقيل: إنّ ذلك إنّما أُطلِق تشبيهًا لهذه الأنهار بأنهار الجنّة؛ لما فيها من شدّة عذوبتها وحسنها وبركتها، والله تعالى أعلم.

ص: 391

الصَّالِحِ - وهكَذَا قَالَ إِبرَاهِيمُ، وَسَائِرُ الأَنبِيَاءِ يَقُولُونَ: مَرحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ -. قَالَ: قُلتُ: يَا جِبرِيلُ! مَن هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسوِدَةُ عَن يَمِينِهِ وَعَن شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهلُ اليَمِينِ أَهلُ الجَنَّةِ، وَالأَسوِدَةُ الَّتِي عَن شِمَالِهِ أَهلُ النَّارِ. فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. . الحديث.

سبق تخريجه برقم (129).

[132]

وَمِن حَديثِ ابنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي حَبَّةَ الأَنصَارِيِّ؛ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرتُ لمُستَوًى أَسمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقلامِ.

رواه أحمد (5/ 144)، والبخاري (349)، ومسلم (163).

ــ

و(قوله: حتّى ظهرتُ لمُستوًى أسمعُ فيه صريفَ الأقلام) ظهرتُ: علوتُ، والمستوَى: موضعٌ مشرفٌ يُستوَى عليه، وقد يكون المستوى يراد به هنا حيث يظهر عدلُ الله وحُكمه لعباده هناك، والسواء والاستواء العدل. وصريف الأقلام: تصويتها فيما يُكتب بها فيه، ومن ذلك صريف الفحل بأنيابه، وهو صوت حَكِّ بعضها ببعض، وهذا المكتوب فيه هو اللوح المحفوظ، والله أعلم.

ولعلّ الأقلام المصوِّتة هنا هي المعبَّر عنها بالقلم المُقسَم به في قوله تعالى: ن وَالقَلَمِ ويكون القلم هنا للجنس. وكيفية الأقلام واللوح لا يعلمها إلاّ الله تعالى أو من أعلمه بذلك. وأمّا تخصيص موسى بأمره للنبيّ صلى الله عليه وسلم بمراجعة الله تعالى في الحطّ من الصلوات، فلعلّه إنّما كان لأنّ أمّة موسى (1) كانت

(1) في (ع): محمد، وهو خطأ.

ص: 392

[131 / م] وَمِن حَدِيثِ أَنَسٍ: فَقَالَ: هِيَ خَمسٌ، وَهِيَ خَمسُونَ، لا يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ. وَفِيهِ: ثُمَّ أُدخِلتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا المِسكُ.

سبق تخريجه برقم (131).

ــ

قد كُلِّفت من الصلوات ما لم يُكَلَّف غيرها من الأمم، فثقُلَت عليهم، فخاف موسى عليه السلام على أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. وعلى هذا يدلّ قوله: فإنّي قد بلوتُ بني إسرائيل قبلك، والله أعلم. وقيل: لأنّ موسى كان في السماء السابعة، فكان أوّل من لقي من الأنبياء، وليس بصحيح، فإنّ هذا الحديث نصّ في أنّ موسى عليه السلام كان في السادسة وإبراهيم في السابعة، فكان يكون إبراهيم أولى بذلك. والأشبه الأوّل، والله أعلم.

وهذا الحديث نصّ في وقوع النسخ قبل التمكّن من الامتثال، وهو ردّ على من خالف في ذلك، وهم المعتزلة.

و(قوله: مَا يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ) دليل على استقرار هذا العدد، فلا يُزاد فيه ولا ينقص منه، وهو ردّ على أبي حنيفة في حكمه بوجوب صلاة سادسة وهي الوِتر، سيّما وقد جُعِلت هذه الخمس بمنزلة الخمسين، فلو استقرّت في علم الله ستًّا، لبُدِئ فرضها ستّين، ثمّ نقص على ستٍّ؛ إذ كلّ صلاة بعشر.

و(قوله: ثمّ أُدخِلتُ الجنّة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ) قال ابن الأعرابيّ: الجَنبَذَةُ: القبّة، وجمعها جَنَابِذ. وقال ثابت عن يعقوب: هو ما ارتفع من البناء. ووقع في كتاب البخاريّ في كتاب الصلاة (1) حبائل اللؤلؤ، وهو تصحيف، والصحيح الأوّل على ما قاله جماعة من العلماء.

(1) انظر: فتح الباري (1/ 459).

ص: 393

[130 / م] وَمِن حَدِيثِ مَالِكِ بنِ صَعصَعَةَ: قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزتُهُ - يعني: موسى - بَكَى، فَنُودِيَ: مَا يُبكِيكَ؟ قَالَ: رَبِّ! هَذَا غُلامٌ بَعَثتَهُ بَعدِي، يَدخُلُ مِن أُمَّتِهِ الجَنَّةَ أَكثَرُ مِمَّا يَدخُلُ مِن أُمَّتِي. وَفِيهِ: وَحَدَّثَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى أَربَعَةَ أَنهَارٍ يَخرُجُ مِن أَصلِهَا نَهرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنهرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلتُ: يَا جِبرِيلُ! مَا هَذِهِ الأَنهَارُ؟ ، فقَالَ: أَمَّا النَّهرَانِ البَاطِنَانِ: فَنَهرَانِ فِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ.

سبق تخريجه برقم (130).

ــ

وأبو حبّةَ الأنصاريّ صحح اسمه بالباء بواحدة من أسفلَ، وقد رواه الفارسيّ عن المروزيِّ باثنتين، وليس بشيء. واسمه مالك بن عمرو البدريّ، وقال الغسّانيّ: اسمه عامر، وقيل: زيد، وهو يشتبه بحيّةَ بالياء، وهو حيي بن حيّةَ الثقفيّ.

وبكاء موسى عليه السلام إشفاق وحزن على أمّته؛ لما تقدّم من ضلالهم ولأجل ما فاته من كثرة ثواب من عساه أن يؤمنَ من أمّته به لو آمن.

وفي حديث أنس ما يقتضي أنّ السدرة في السماء السابعة أو فوقها؛ لقوله: ثمّ ذهب بي إلى السدرة بعد أن استفتح السماء السابعة، ففتح له فدخل، وفي حديث عبد الله أنّها في السماء السادسة. وهذا تعارض لا شكّ فيه، وما في حديث أنس أصحّ، وهو قول الأكثر، والذي يقتضيه وصفُها بأنّها التي ينتهي إليها علمُ كلّ مَلَكٍ مقرَّب وكلّ نبيّ مرسل على ما قاله كعب، وقال: وما خلفها غيبٌ لا يعلمه إلاّ الله، وكذلك قال الخليل بن أحمد.

وقيل: إليها تنتهي أرواح الشهداء. وقال ابن عبّاس: هي عن يمين العرش، وأيضًا فإنّ حديث أنس مرفوع وحديث عبد الله موقوف عليه من قوله، والمُسنَدُ المرفوعُ أولى.

ص: 394

[133]

وَعَن عَبدِ اللهِ؛ قَالَ: لَمَّا أُسرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، انتهي به إِلَى سِدرَةِ المُنتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيهَا يَنتَهِي مَا يُعرَجُ بِهِ مِنَ الأَرضِ، فَيُقبَضُ مِنهَا، وَإِلَيهَا يَنتَهِي مَا يُهبَطُ بِهِ مِن فَوقِهَا، فَيُقبَضُ مِنهَا. قَالَ: إِذ يَغشَى السِّدرَةَ مَا يَغشَى. قَالَ: فَرَاشٌ مِن ذَهَبٍ. قَالَ: فَأُعطِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثًا: أُعطِيَ الصَّلَوَاتِ الخَمسَ، وَأُعطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَن لَم يُشرِك بِاللهِ مِن أُمَّتِهِ شَيئًا المُقحِمَاتُ.

رواه أحمد (1/ 387)، ومسلم (173)، والترمذي (3272)، والنسائي (1/ 223 - 224).

* * *

ــ

و(قوله: إذ يغشى السدرةَ ما يغشى) يُغَطِّي ويعلو. والفراش: كلّ ما يطير من الحشرات والديدان. وفي حديث ابن جُرَيج: وأُرخِيَت عليها ستورٌ من لؤلؤٍ وياقوتٍ وزَبَرجَد.

و(قوله: وغفر لمن لم يشرك بالله شيئًا المُقحَماتِ) أي: الذنوب العظام التي تقحِمُهم في النار؛ أي: تُدخِلهم فيها بمشقّةٍ وكُرهٍ وشِدَّةٍ، يقال: اقتحم يقتحم؛ أي: دخل في أمر شاقّ، وأقحَمتُه أنا: أدخلتُهُ فيه.

و(قوله: وأعطي خواتيم سورة البقرة) إنّما خصّت بذلك؛ لما تضمّنته من التخفيف عنهم والثناءِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وإجابةِ دعواتهم ونُصرتِهم، وقد تقدَّم القول فيهما.

* * *

ص: 395