الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة
[165]
عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ: يَا آدَمُ! فَيَقُولُ: لَبَّيكَ! وَسَعدَيكَ! وَالخَيرُ فِي يَدَيكَ! قَالَ: يَقُولُ: أَخرِج بَعثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِن كُلِّ أَلفٍ تِسعَمِائَةٍ وَتِسعَةً وَتِسعِينَ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ،
ــ
(68)
ومن باب: أن أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنّة
(قوله تعالى لآدم: أخرج بعث النار) إنّما خصّ آدم بذلك القول؛ لأنه أب للجميع، ولأنّ الله تعالى قد جمع له نسم بنيه في السماء بين يديه، وهم الأسودة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء عن يمين آدم، وهم أهل الجنّة، وعن يساره وهم أهل النار، كما تقدّم.
وبعث النار من يبعث إليها، وكذلك بعث أهل الجنة. ومعنى أخرج هنا ممن يخرج، ويميز بعضهم عن بعض، وذلك يكون في المحشر حيث يجتمع الناس ويختلطون، والله تعالى أعلم. ويحتمل أن يكون معنى أخرج؛ أي: احضر إخراجهم، فكأنهم يعرضون عليه بأشخاصهم وأسمائهم، كما قد عرضت عليه نسمهم.
و(قوله: وما بعث النار؟ ) وضعت هنا ما موضع كم العددية؛ لأنه أجيب عنها بعدد، وأصل ما أن يسأل بها عن ذوات الأشياء وحدودها. ولَمَّا سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ألفًا إلا واحدًا للنار، وواحدًا للجنة، اشتد خوفهم لذلك، واستقلوا عدد أهل الجنة منهم، واستبعد كل واحد منهم أن يكون هو ذلك الواحد، فسكّن النبي صلى الله عليه وسلم خوفهم، وطيَّب قلوبهم، فقال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفًا ومنكم رجل؛ ويعني بالألف هنا: التسعمائة والتسعة والتسعين
قَالَ: فَاشتَدَّ ذَلِكَ عَلَيهِم. قَالُوا: يَا رسولَ الله! أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: أَبشِرُوا، فَإِنَّ مِن يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ أَلفًا، وَمِنكُم رَجُلٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ! إِنِّي لأَطمَعُ أَن تَكُونُوا رُبُعَ أهل الجَنَّةِ فَحَمِدنَا اللهَ
ــ
المتقدمة الذكر. ويأجوج ومأجوج خلق كفار وراء سد ذي القرنين. والمراد بهم في هذا (1) الحديث: هم ومن كان على كفرهم، كما أن المراد بقوله: منكم أصحابه ومن كان على إيمانهم؛ لأن مقصود هذا الحديث: الإخبار بقلة أهل الجنة من هذه الأمة بالنسبة إلى كثرة أهل النار من غيرها من الأمم، ألا ترى أن قوله عليه الصلاة والسلام: إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرّقمة في ذراع الحمار؛ يدل على ذلك المقصود؟ .
وأما نسبة هذه الأمّة إلى من يدخل الجنة من الأمم، فهذه الأمة شطر أهل الجنة كما نص عليه. والشطر: النصف، ومنه يقال: شاطرتُه مُشاطَرَةً، إذا قاسمتُه فأخذتُ نصفَ ما في يديه. والرقمتان للفرس أو الحمار الأثرانِ بباطن أعضادهما، والرقمتانِ للشاة هَيئتَان في قوائمها متقابلتانِ كالظفرين. ولبّيك معناه: إجابةً لك بعد إجابة، وسَعدَيك: مساعدة بعد مساعدة، وكلاهما منصوبٌ على المصدر، ولم تستعمل العرب له فعلاً من لفظه يكون مصدره.
و(قوله: والخير في يديك) أي: تملكه أنت لا يملكه غيرك، وهذا كقوله تعالى: بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، أي: بيدك الخير والشرّ، ولكن سكت عن نسبة الشرّ إليه تعالى؛ مراعاة لأدب الحضرة، ولم ينسب الله لنفسه الشر؛ تعليمًا لنا مراعاة الأدب واكتفى بقوله: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ؛ إذ قد استغرق كلّ الموجودات الممكنات.
(1) ساقط من (ع).
وَكَبَّرنَا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ! إِنِّي لأَطمَعُ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أهل الجَنَّةِ فَحَمِدنَا اللهَ وَكَبَّرنَا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ! إِنِّي لأَطمَعُ أَن تَكُونُوا شَطرَ أهل الجَنَّةِ. إِنَّ مَثَلَكُم فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعرَةِ البَيضَاءِ فِي جِلدِ الثَّورِ الأَسوَدِ، أو كَالرَّقمَةِ فِي ذِرَاعِ الحِمَارِ.
رواه أحمد (3/ 32 و 33)، والبخاري (6530)، ومسلم (222).
* * *
ــ
و(قوله: إنّي لأَطمعُ أن تكونوا شطرَ أهل الجنّة) هذه الطماعية قد حُقِّقت له بقوله: وَلَسَوفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَى وبقوله: إنّا سنُرضيك في أمّتك، كما تقدّم، لكن علّق هذه البُشرى على الطمع؛ أدبًا مع الحضرة الإلهيّة ووقوفًا مع أحكام العبوديّة.
* * *