الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه أحمد (3/ 112)، والبخاري (217)، ومسلم (271).
* * *
(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال
[202]
عَن أَبِي أَيُّوبَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَتَيتُمُ الغَائِطَ فَلا تَستَقبِلُوا القِبلَةَ وَلا تَستَدبِرُوهَا، بِبَولٍ ولا غَائِطٍ، وَلَكِن شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا.
ــ
و(قوله: فيتغسل به) كذا صح بالتاء والتشديد، وهو يدل على المبالغة في غسل تلك المواضع.
وقد روى أبو داود هذا الحديث وزاد فيه: ثم مسح يده على الأرض. وهي زيادة حسنة تدل على أنه لا بد من إزالة رائحة النجاسة في غسلها إذا أمكن ذلك، والله أعلم.
واختلف العلماء في الاستنجاء؛ فقال أبو حنيفة: الاستنجاء ليس بفرض، وإزالة النجاسة فرض، وقال الجمهور: هو من باب إزالة النجاسة، إلا أنهم اختلفوا في حكم إزالتها على ثلاثة أقوال: هل هي فريضة مطلقًا، أو سنة مطلقًا، أو هي واجبة بشرط الذكر والقدرة؟ وهذا اختلاف أصحاب مالك عنه.
(10)
ومن باب ما جاء في استقبال القبلة ببول أو غائط
(قوله: ولكن شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا) هذا الحديث قيل لأهل المدينة ومن وراءها من أهل الشام والمغرب؛ لأنهم إذا شرقوا أو غربوا لم يستقبلوا القبلة، ولم يستدبروها، فأما من كانت الكعبة في شرق بلاده أو غربها فلا يشرق ولا يغرب إكرامًا للقبلة. واختلف أصحابنا في تعليل هذا الحكم؛ فقيل: إنه معلَّل بحرمة
قَالَ أبو أَيُّوبَ: فَقَدِمنَا الشَّامَ، فَوَجَدنَا مَرَاحِيضَ قَد بُنِيَت قِبَلَ القِبلَةِ؛ فننحرف عنها، وَنَستَغفِرُ اللهَ.
رواه أحمد (5/ 421)، والبخاري (394)، ومسلم (264)، وأبو داود (9)، والترمذي (8)، والنسائي (1/ 21 - 22).
[203]
وَعَنِ ابنِ عُمَرَ؛ قَالَ: رَقِيتُ عَلَى بَيتِ أُختِي حَفصَةَ فَرَأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ، مُستَقبِلَ الشَّامِ، مُستَدبِرَ القِبلَةِ.
ــ
القبلة، وقيل: بحرمة المصلين من الملائكة. والصحيح الأول، بدليل ما رواه الدارقطني مرسلاً عن طاووس مرفوعًا: إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله، فلا يستقبلها ولا يستدبرها (1). وقول أبي أيوب: فننحرف عنها، ونستغفر الله؛ دليل على أنه لم يبلغه حديث ابن عمر، أو لم يره مخصصًا، وحمل ما رواه على العموم.
و(قول ابن عمر: رقيت على بيت أختي حفصة) هذا الرُّقي من ابن عمر الظاهرُ منه أنه لم يكن عن قصد الاستكشاف، وإنما كان لحاجة غير ذلك. ويحتمل أن يكون ليطلع على كيفية جلوس النبي صلى الله عليه وسلم للحدث، على تقدير أن يكون قد استشعر ذلك، وأنه تحفظ من أن يطلع على ما لا يجوز له، وفي هذا الثاني بُعدٌ، وكونه صلى الله عليه وسلم على لبنتين؛ يدل لمالك على قوله: إذا اجتمع المرحاض الملجِئ والسَّاتر جاز ذلك.
واستقباله بيت المقدس يدل على خلاف ما ذهب إليه النخعي وابن سيرين، فإنهما منعا ذلك.
وما روي من النهي عن استقبال شيء من القبلتين بالغائط لا يصح؛ لأنه من رواية عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وهو ضعيفٌ. وقد ذهب
(1) رواه الدارقطني في سننه (1/ 57).
وفي رواية: قاعدا عَلَى لَبِنَتَينِ مُستَقبِلاً بَيت المَقدِس.
رواه البخاري (148)، ومسلم (266)، وأبو داود (12)، والترمذي (11)، والنسائي (1/ 23).
ــ
بعض من منع استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا: إلى أن حديث ابن عمر لا يصلح تخصيص حديث أبي أيوب؛ لأنه فعل في خلوة، وهو محتمل للخصوص، وحديث أبي أيوب قولٌ قعدت به القاعدة، فبقاؤه على عمومه أولى. والجواب عن ذلك أن نقول: أما فعله عليه الصلاة والسلام فأقل مراتبه أن يحمل على الجواز؛ بدليل مطلق اقتداء الصحابة بفعله، وبدليل قوله تعالى: لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين سألتها المرأة عن قبلة الصائم: ألا أخبرتها أني أفعل ذلك (1)، وقالت عائشة: فعلتُهُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا، يعني: التقاء الختانين (2). وقبل ذلك الصحابة وعملوا عليه.
وأما كون هذا الفعل في خلوة فلا يصلح مانعا من الاقتداء؛ لأن الحدث كله كذلك يفعل، ويمنع أن يفعل في الملأ، ومع ذلك فقد نقل وتحدث به، سيما وأهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة (3). وأما دعوى الخصوص فلو سمعها النبي صلى الله عليه وسلم لغضب على مُدّعِيها، وأنكر ذلك (4) كما قد غضب على من ادعى تخصيصه بجواز القُبلَة، فإنه غضب عليه؛ وأنكر ذلك، وقال: والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده (5)، وكيف يجوز تَوهُّم هذا؟ وقد تبين أن
(1) رواه مالك في الموطأ (1/ 291 و 292).
(2)
رواه أحمد (6/ 239).
(3)
في (م): الشرعية.
(4)
من (ع).
(5)
رواه مالك في الموطأ (1/ 293) بلفظ: "والله! إني لأتقاكم. . .".
[204]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: اتَّقُوا اللَاّعَّنَينِ، قَالُوا: وَمَا اللَاّعَّنَانِ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أو فِي ظِلِّهِم.
رواه أحمد (2/ 372)، ومسلم (269)، وأبو داود (25).
* * *
ــ
ذلك إنما شرع إكرامًا للقبلة، وهو أعلم بحرمتها وأحق بتعظيمها، وكيف يستهين بحرمة ما حرم الله؟ هذا ما لا يصدر توهمه إلا من جاهل بما يقول، أو غافل عما كان يحترمه الرسول صلى الله عليه وسلم.
و(قوله: اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ ) يروى هكذا. وصحيح روايتنا: اللعانين، قالوا: وما اللعانان؟ بالتشديد على المبالغة وكلاهما صحيح، وقد تقدم القول: أن اللعن: الطرد والبعد، وقد فسّرها: بالتخلي في الطرق والظلال. وجاء في الترمذي من حديث معاذ مرفوعًا: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل بخرأة (1). وسميت هذه ملاعن لأنها تجلب اللعن على فاعلها العادي والشرعي؛ لأنه ضرر عظيم بالمسلمين؛ إذ يعرضهم للتنجيس، ويمنعهم من حقوقهم في الماء والاستظلال وغير ذلك.
ويفهم من هذا: تحريم التخلي في كل موضع كان للمسلمين إليه حاجة، كمجتمعاتهم، وشجرهم المثمر، وإن لم يكن له ظلال وغير ذلك.
(1) لم يروه الترمذي، بل رواه أبو داود (26)، وابن ماجه (328) وآخره عندهما:"في الظل"، ورواه الحاكم (1/ 167) وآخره:"للخرأة".