المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب أول ما يجب على المكلفين - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(6) باب أول ما يجب على المكلفين

(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

[16]

عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ قَالَ: إِنَّكَ سَتَقدَمُ عَلَى قَومٍ أهل كِتَابٍ، فَليَكُن أَوَّلَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ عِبَادَةُ اللهِ عز وجل، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ فَأَخبِرهُم

ــ

(6)

وَمِن بَابِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

(قوله: إِنَّكَ سَتَقدَمُ عَلَى قَومٍ أهل كِتَابٍ) يعني به: اليهودَ والنصارى؛ لأنهم كانوا في اليمنِ أكثرَ مِن مشركي العَرَبِ أو أغلَبَ، وإنما نبَّهه على هذا؛ ليتهيَّأَ لمناظرتهم، ويُعِدَّ الأدلَّةَ لإفحامهم؛ لأنَّهم أهلُ عِلمٍ سابقٍ، بخلافِ المُشرِكين وعَبَدَةِ الأوثان.

و(قوله: فَليَكُن أَوَّلَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ عِبَادَةُ اللهِ) قد تقدَّم أنَّ أصلَ العبادةِ التذلُّلُ والخضوع، وسُمِّيَت وظائفُ الشرعِ على المكلَّفين: عباداتٍ؛ لأنَّهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذلِّلين لله تعالى. والمراد بالعبادة هنا: هو النطقُ بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله؛ كما جاء في الرواية الأخرى مفسَّرًا: فَادعُهُم إِلَى شَهَادَةِ أَن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ.

و(قوله: فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأَخبِرهُم) أي: إن أطاعوا بالنطق بذلك، أي: بكلمتي التوحيد؛ كما قال في الرواية الأخرى: فَإِن هُم أَطَاعُوا بذَلِكَ فَأَعلِمهُم، فسمَّى الطواعية بذلك والنطقَ به: معرفةً؛ لأنَّه لا يكونُ غالبًا إلا عن المعرفة. وهذا الذي أَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم به معاذًا، هو الدَّعوَةُ قبلَ القتالِ؛ التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُوصِي بها أُمَرَاءَهُ، وقد اختُلِفَ في حُكمها على ما يأتي في الجهاد.

وعلى هذا فلا يكونُ في حديث معاذٍ حُجَّةٌ لمن تمسَّكَ به من المتكلِّمين على أنَّ أوَّلَ واجبٍ على كلِّ مكلَّفٍ: معرفةُ الله تعالى بالدليل والبرهان، بل هو حُجَّةٌ لمن يقول: إنَّ أَوَّلَ

ص: 181

أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيهِم خَمسَ صَلَوَاتٍ فِي يَومِهِم وَلَيلَتِهِم، فَإِذَا فَعَلُوا،

ــ

الواجباتِ التلفُّظُ بكلمتَيِ الشهادةِ، مُصَدِّقًا بها.

وقد اختلف المتكلِّمون في أوَّل الواجبات على أقوالٍ كثيرةٍ، منها ما يَشنُعُ ذكره، ومنها ما ظَهَرَ ضعفه، والذي عليه أئمَّةُ الفتوى، وبهم يُقتَدَى كمالكٍ، والشافعيِّ، وأبي حنيفةَ، وأحمدَ بن حنبل، وغيرِهِم من أئمَّةِ السلف: أنَّ أوَّلَ الواجباتِ على المكلَّف: الإيمانُ التصديقيُّ الجَزمِيُّ الذي لا رَيبَ معه بالله تعالى ورسلِهِ وكُتُبِه، وما جاءت به الرسلُ، على ما تقرَّرَ في حديثِ جبريلَ، كيفما حصَلَ ذلك الإيمان، وبأيِّ (1) طريقٍ إليه تُوُصِّلَ، وأما النطقُ باللسان: فمُظهِرٌ لما استَقَرَّ في القلب من الإيمان، وسَبَبٌ ظاهرٌ تترتَّبُ عليه أحكامُ الإسلام. وتفصيلُ ما أجملناه يستدعي تفصيلاً وتطويلاً يُخرِجُ عن المقصود، ولعلَّنَا بِعَونِ الله تعالى نكتُبُ في هذه المسألة جزءًا؛ فإنها حَرِيَّةٌ بذلك.

وقد احتَجَّ بهذا الحديث مَن قال بأنَّ الكفَّارَ ليسوا مخاطَبِينَ بفروع الشريعة؛ وهو أحدُ القولَينِ لأصحابنا وغيرِهم؛ من حيثُ إنّهُ عليه الصلاة والسلام إنما خاطبهم بالتوحيد أوَّلاً، فلمَّا التزموا ذلك خاطبهم بالفروع التي هي الصلاةُ والزكاة، وهذا لا حجة فيه؛ لوجهين:

أحدهما: أنّه لم يَنُصَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أنَّه إنما قدّم الخطابَ بالتوحيد لِمَا ذكروه، بل يَحتَمِلُ ذلك، ويحتملُ أن يقال: إنَّه إنَّما قدَّمه لكونِ الإيمانِ شَرطًا مصحِّحًا للأعمالِ الفروعيَّة، لا للخطابِ بالفروع؛ إذ لا يَصِحُّ فِعلُهَا شرعًا إلا بتقدُّم وجوده، ويصحُّ الخطابُ بالإيمانِ وبالفروعِ معًا في وقتٍ واحد، وإن كانت في الوجودِ متعاقبةً؛ كما بيَّناه في الأصول؛ وهذا الاحتمالُ أظهَرُ مما تمسَّكوا به، ولو لم يكن أظهَرَ، فهو مساو له؛ فيكونُ ذلك الخطابُ مجمَلاً بالنسبةِ إلى هذا الحكم.

وثانيهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما رتَّب هذه القواعدَ؛ ليبيِّن الأوكَدَ فالأوكد، والأهَمَّ فالأهم؛ كما بيَّنَّاه في حديثِ ابن عمر الذي قبل هذا، والله تعالى أعلم.

(1) في (ع): ومن أي.

ص: 182

فَأَخبِرهُم أَنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيهِم زَكَاةً تُؤخَذُ مِن أَغنِيَائِهِم، وتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذ مِنهُم وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَموَالِهِم.

ــ

واقتصارُ النبي صلى الله عليه وسلم على ذِكرِ القواعد الثلاث؛ لأنَّها كانت هي المتعيِّنَةَ عليهم في ذلك الوقتِ المتأكِّدَ فيه؛ ولا يُظَنُّ أنّ الصومَ والحجَّ لم يكونا فُرِضَا إذ ذاك؛ لأنَّ إرسالَ معاذٍ إلى اليمن كان في سنة تِسعٍ، وقد كان فُرِضَ الحَجُّ، وأما الصوم: ففُرِضَ في السنة الثانية من الهجرة، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذٌ باليمن على الصحيح.

وقولُ مَن قال: إنَّ الرواةَ سَكَتُوا عن ذكر الصومِ والحجِّ؛ قولٌ فاسد؛ لأنَّ الحديث قد اشتهر، واعتنى الناسُ بنقله سلفًا وخلفًا؛ فلو ذكر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم له شيئًا مِن ذلك لَنُقِلَ.

و(قوله: إنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيهِم زَكَاةً تُؤخَذُ مِن أَغنِيَائِهِم، فتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم) دليلٌ لمالك على أنَّ الزكاةَ لا تجبُ قِسمتها على الأصنافِ المذكورين في الآية، وأنَّه يجوزُ للإمامِ أن يصرفها إلى صِنفٍ (1) واحد من الأصناف المذكورين في الآية (2)؛ إذا رآه نَظَرًا ومصلحةً دينيَّة، وسيأتي هذا كاملا (3) في كتاب الزكاة، إن شاء الله تعالى.

وفيه دليلٌ لمن يقول: يدفعها مَن وجبَت عليه للإمامِ العدل، الذي يضعها مواضعها، ولا يجوزُ لمن وجبَت عليه أن يَلِيَ تفرقتَهَا بنفسه إذا أقام الإمامُ من تُدفَعُ إليه، ومن ذلك تفصيلٌ يُعرَفُ في الفروع.

و(قوله: وَإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَموَالِهِم) أي: خيارَهَا ونفائسَهَا؛ حذَّرَهُ مِن ذلك؛ نظرًا لأربابِ الأموال، ورِفقًا بهم، وكذلك أيضا: لا يأخُذُ مِن شرارِ المال ولا مَعِيبِهِ؛ نظرًا للفقراء؛ فلو طابَت نفسُ رَبِّ المال بشيءٍ من كرائم أمواله؛ جاز

(1) فى (ط): جنس.

(2)

ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(3)

زيادة من (ع).

ص: 183

وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَن مُعَاذٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّكَ تَأتِي قَومًا مِن أهل الكِتَابِ، فَادعُهُم إِلَى شَهَادَةِ أَن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِن هُم أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعلِمهُم أَنَّ اللهَ افتَرَضَ. . . وَذَكَرَ الحَدِيثَ نَحوَهُ، وَزَادَ: وَاتَّقِ دَعوَةَ المَظلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ.

رواه أحمد (1/ 233)، والبخاري (1458) و (4347) و (7371)، ومسلم (19)، وأبو داود (1584)، والترمذي (625)، والنسائي (5/ 52 و 55)، وابن ماجه (1783).

* * *

ــ

للمُصَدِّقِ أخذُهَا منه، ولو أن المُصَدِّقُ رأى أن يَأخُذَ مَعِيبَةً على وجه النظر والمصلحةِ للفقراء جاز.

و(قوله: وَاتَّقِ دَعوَةَ المَظلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ) الروايةُ الصحيحة في فإنَّه بضمير المذكَّر؛ على أن يكونَ ضميرَ الأمر والشأن، ويَحتملُ: أن يعودَ على مذكَّرِ الدعوة؛ فإنَّ الدعوةَ دعاءٌ.

ووقع في بعض النسخ: فإنَّها بهاء التأنيث، وهو عائدٌ على لفظ الدعوة. ويستفادُ منه: تحريمُ الظُّلمِ، وتخويفُ الظالم، الدعاء للمظلوم عليه، والوَعدُ الصِّدقُ بأنَّ الله تعالى يستجيبُ للمظلومِ فيه، غيرَ أنَّهُ قد تعجِّلُ الإجابةَ فيه، وقد يؤخِّرها إملاءً للظالم؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ اللهَ يُملِي للِظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَم يُفلِتهُ (1)، ثُمَّ قرأ: وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ، وكما قد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَرفَعُ دَعوَةَ المَظلُومِ عَلَى الغَمَامِ، وَيَقُولُ لَهَا: لَأَنصُرَنَّكِ وَلَو بَعدَ حِينٍ (2).

(1) رواه مسلم (2583)، والترمذي (3110)، وابن ماجه (4018) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

(2)

رواه أحمد (2/ 305 و 445)، والترمذي (2526)، وابن ماجه (1752) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 184