المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(9) باب من لقي الله تعالى عالما به، دخل الجنة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(9) باب من لقي الله تعالى عالما به، دخل الجنة

(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

26 -

[21] عَن عُثمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَن مَاتَ وهو يَعلَمُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ.

رواه أحمد (1/ 65 و 69)، ومسلم (26).

ــ

لآبائكم كما استغفَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأبي طالب عمِّه، فأنزَلَ الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية. . .

وقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ أي: لا تقدرُ على توفيقِ مَن أراد الله خِذلانه، وكَشفُ ذلك: بأنَّ الهداية الحقيقيَّة هي خلقُ القُدرَة على الطاعة، وقبولُهَا، وليس ذلك إلاّ لله تعالى، والهدايةُ التي تَصِحُّ نسبتُها لغير الله تعالى بوجهٍ ما: هي الإرشادُ والدَّلَالَة؛ كما قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ أي: ترشدُ وتبيِّن؛ كما قال: إِن عَلَيكَ إِلَّا البَلَاغُ و: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وما ذكرناه: هو مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، وهو الذي تدُلُّ عليه البراهينُ القاطعة.

(9)

وَمِن بَابِ مَن لَقِيَ اللهَ عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

(قوله: مَن مَاتَ وهو يَعلَمُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ) حقيقةُ العلم: هي وضوحُ أمرٍ ما، وانكشافُهُ على غايته، بحيثُ لا يَبقَى له بعد ذلك غايةٌ في الوضوح،

ص: 196

[22]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ، قَالَ: فَنَفِدَت أَزوَادُ القَومِ، حَتَّى هَمَّ بِنَحرِ بَعضِ حَمَائِلِهِم، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَو جَمَعتَ مَا بَقِيَ مِن أَزوَادِ القَومِ، فَدَعَوتَ اللهَ عَلَيهَا، قَالَ:

ــ

ولا شكَّ في أنَّ من كانت معرفتُهُ بالله تعالى ورسولِهِ كذلك، كان في أعلى درجات الجَنَّة، وهذه الحالةُ هي حالةُ (1) النبيِّين والصِّدِّيقين. ولا يلزمُ فيمن لم يكن كذلك ألَاّ يدخُلُ الجَنَّة؛ فإنَّ من اعتقد الحقَّ وصدَّقَ به تصديقًا جازمًا لا شَكَّ فيه ولا ريبَ، دخل الجَنَّةَ؛ كما قدَّمناه، وكما دَلَّ عليه قولُهُ عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة: مَن لَقِيَ اللهَ وهو يشهَدُ أن لا إلهَ إلَاّ اللهُ وأَنِّي رسولُ الله غَيرَ شَاكٍّ فيهما، دخَلَ الجَنَّةَ. وكما قال: مَن كَانَ آخِرَ قوله: لَا إلهَ إلَاّ اللهُ دخَلَ الجَنَّةَ (2).

فحاصلُ هذَينِ الحديثَين: أنَّ مَن لقي الله تعالى وهو موصوفٌ بالحالة الأولى والثانية دخَلَ الجنَّة؛ غير أنَّ هناك فرقا (3) بين الدرجتَينِ كما بين الحالتَين، كما صرَّحَت به الآياتُ الواضحات؛ كقوله تعالى: يَرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ.

و(قوله: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ، فَنَفِدَت أَزوَادُ القَومِ) المسير: السيرُ، يريدُ به السفر، ونَفدَت: فَرَغَت وفَنِيَت؛ ومنه قولُهُ تعالى: لَنَفِدَ البَحرُ قَبلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي.

والحمائلُ جمع حَمُولَةٍ بفتح الحاء؛ ومنه قوله تعالى {حَمُولَةً وَفَرشًا} ، وهي: الإبلُ التي تُحمَلُ عليها الأثقالُ، وتسمَّى رواحلَ؛ لأنها يُرحَلُ عليها، وتسمَّى نواضحَ؛ إذا استُقِيَ عليها.

والبعيرُ ناضحٌ، والناقةُ ناضحةٌ؛ قاله أبو عُبَيد.

(1) قوله: (هي حالة) ساقط من (ع).

(2)

رواه أبو داود (3116) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

(3)

في (م) و (ط) و (ل): غير أن ما.

ص: 197

فَفَعَلَ، قَالَ: فَجَاءَ ذُو البُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمرِ بِتَمرِهِ، قَالَ: وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ، قُلتُ: وَمَا كَانُوا يَصنَعُونَ بِالنَّوَاةِ؟ قَالَ: يَمُصُّونَهُ وَيَشرَبُونَ عَلَيهِ المَاءَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيهَا، حَتَّى مَلأ القَومُ أَزوِدَتَهُم، قَالَ: فَقَالَ عِندَ ذَلِكَ: أَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلقَى اللهَ بِهِمَا عَبدٌ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، إِلا دَخَلَ الجَنَّةَ.

ــ

و(قوله: وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ) كذا الرواية، ووجهُهُ: وذو النَّوَى بنواه، كما قال: وذُو البُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمرِ بِتَمرِهِ.

و(قوله: حَتَّى مَلأ القَومُ أَزوِدَتَهُم) هكذا الرواية، وصوابُهُ: مَزَاوِدَهُم؛ فإنّها هي التي تُملَأُ بالأَزوِدة، وهي جمعُ زاد، فسمَّى المزاودَ أزودةً باسمها؛ لأنَّها تُجعَلُ فيها على عادتهم في تَسمِيَتِهِمُ الشيءَ باسمِ الشيء إذا جاوره، أو كان منه بسبب، وقد عبَّر عنها في الرواية الأخرى بالأَوعِيَةِ.

و(قوله: حَتَّى هَمَّ بِنَحرِ بَعضِ حَمَائِلِهِم) يعني: النبيَّ صلى الله عليه وسلم، كان هذا الهمُّ من النبي صلى الله عليه وسلم بحكم النظر المَصلَحيِّ لا بالوحي؛ أَلَا تَرَى كيف عرَضَ عمرُ بن الخطَّاب عليه مصلحةً أخرى، ظهر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم (1) رجحانُهَا؛ فوافقَهُ عليها وعمل بها.

ففيه: دليلٌ على العمل بالصالح، وعلى سماعِ رأي أهلِ العَقل والتجارب، وعلى أنَّ الأزواد والمياه إذا نَفِدَت أو قلَّت، جمَعَ الإمامُ ما بقي منها، وقَوَّتَهُم به شرعًا سواءً؛ وهذا كنحو ما مدَحَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأشعريِّين، فقال: الأَشعَرِيُّونَ إذا قَلَّ زَادُهُم، جَمَعُوهُ، فَاقتَسَمُوهُ بَينَهُم بِالسَّوِيَّةِ، فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنهُم (2)، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

و(قوله: لَا يَلقَى اللهَ بِهِمَا عَبدٌ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، فَيُحجَبَ عَنِ الجَنَّةِ) يعني: كلمتَيِ التوحيدِ المتقدِّمَتَينِ. ويُحجَبُ: يُمنَع، ورويناه بفتح الباء ورفعها، فالنصبُ

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(2)

انظره برقم (2408).

ص: 198

وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله، إِن فَعَلتَ، قَلَّ الظَّهرُ، وَلَكِنِ ادعُهُم بِفَضلِ أَزوَادِهِم، ثُمَّ ادعُ اللهَ لَهُم عَلَيهَا بِالبَرَكَةِ. وفيها: حَتَّى اجتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِن ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهم: خُذُوا فِي أَوعِيَتِكُم، قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوعِيَتِهِم حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي العَسكَرِ وِعَاءً إِلا مَلَؤوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضَلَت فَضلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلقَى اللهَ بِهِمَا عَبدٌ غَيرَ شَاكٍّ، فَيُحجَبَ عَنِ الجَنَّةِ.

رواه مسلم (27).

ــ

بإضمار أن بعد الفاء في جواب النفي، وهو الأظهر والأجود، وفي الرفع إشكال؛ لأنه يرتفعُ على أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوفٍ تقديره: فهو يُحجَبُ، وهو نقيضُ المقصود، فلا يستقيمُ المعنى حتى تقدَّر لا النافيةُ، أي: فهو لا يُحجَبُ، ولا تحذف لا النافية في مِثلِ هذا، والله أعلم.

وظاهرُ هذا الحديث: أنَّ مَن لقي الله وهو يشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده (1)، دخَلَ الجنة، ولا يدخُلُ النار، وهذا صحيحٌ فيمن لقي اللهَ تعالى بَرِيئا من الكبائر. فأمَّا مَن لقي الله تعالى مرتكبَ كبيرةٍ ولم يَتُب منها، فهو في مشيئة الله تعالى التي دَلَّ عليها قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} وقد جاءتِ الأحاديثُ الكثيرة الصحيحة المفيدةُ بكثرتها حصولَ العلم القطعيِّ: أنَّ طائفةً كثيرة مِن أهلِ التوحيد يَدخُلُونَ النار، ثُمَّ يُخرَجُونَ منها بالشفاعةِ، أو بالتفضُّلِ المعبَّرِ عنه بالقَبضَةِ في الحديث الصحيح (2)، أو بما شاء الله تعالى، فدلَّ ذلك على أنَّ الحديثَ المتقدِّمَ ليس على ظاهره، فيتعيَّن تأويلُهُ، ولأهل العلم فيه تأويلان:

(1) من (ط).

(2)

رواه البخاري (7439)، ومسلم (183) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 199

[23]

وعَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَن قَالَ أَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبدُ اللهِ، وَابنُ أَمَتِهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا إِلَى مَريَمَ، وَرُوحٌ مِنهُ، وَأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ

ــ

أحدهما: أنَّ هذا العموم يرادُ به الخصوصُ مِمَّن يعفو اللهُ تعالى عنه مِن أهلِ الكبائر ممَّن يشاء الله تعالى أن يَغفِرَ له ابتداءً مِن غير توبةٍ كانت منهم، ولا سَبَبٍ يقتضي ذلك غيرَ محضِ كَرَمِ الله تعالى وفضله؛ كما دَلَّ عليه قوله تعالى: وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ. وهذا على مذهبِ أهلِ السُّنَّة والجماعة؛ خلافًا للمبتدعة المانعين تَفَضُّلَ الله تعالى بذلك، وهو مذهبٌ مردودٌ بالأدلَّة القطعية العقليَّة والنقلية، وبسطُ ذلك في عِلمِ الكلام.

وثانيهما: أنَّهم لا يُحجَبون عن الجنّةِ بعد الخروج من النار، وتكونُ فائدتُهُ الإخبارَ بخلودِ كلِّ مَن دخل الجنةَ فيها، وأنَّه لا يُحجَبُ عنها، ولا عن شيءٍ مِن نعيمها، والله تعالى أعلم.

و(قوله: وَأَنَّ عِيسَى عَبدُ اللهِ، وَابنُ أَمَتِهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا إِلَى مَريَمَ) هذا الحديثُ مقصودُهُ إفادةُ التنبيه على ما وقَعَ للنصارَى من الغلط في عيسى وأُمِّهِ عليهما السلام، والتحذيرُ عن ذلك، بأنَّ عيسى عبد الله لا إلهٌ ولا وَلَدٌ، وأُمُّهُ أَمَةٌ الله تعالى، ومملوكةٌ له لا زوجةٌ، تعالى الله عما يقولُ الجاهلون علوًّا كبيرًا! .

ويستفادُ من هذا ما يُلَقَّنُهُ النصرانيُّ إذا أسلم. وقد اختُلِفَ في وصف عيسى بكونِهِ كلمةً، فقيل: لأنَّه تكوَّنَ بكلمة كن من غير أبٍ. وقيل: لأنَّ المَلَكَ جاء أُمَّهُ بكلمة البِشَارة به عن أمر الله تعالى. وهذان القولان أشبَهُ ما قيل في ذلك.

ومعنى ألقاها، أي: أعلَمَهَا بها، يقالُ: ألقَيتُ عليكَ كلمةً، أي: أعلمتُكَ بها.

وسمِّي عيسى رُوحَ الله؛ لأنَّه حدَثَ عن نَفخَةِ المَلَك، وإضافَة الله تعالى إليه؛ لأنَّ ذلك النفخَ كان عَن أمره وقدره، وسُمِّيَ (1) النفخُ رُوحًا؛ لأنّه ريحٌ يخرُجُ من

(1) ساقط من (ع).

ص: 200

حَقٌّ، أَدخَلَهُ اللهُ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ.

وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى مَا كَانَ مِن عَمَلٍ.

رواه مسلم (28).

* * *

ــ

الرُّوح؛ قاله المَكِّيُّون. وقيل: سُمِّي بذلك عيسى؛ لأنَّه رُوحٌ لمن اتَّبعه. وقيل: لأنَّه تعالى خلَقَ فيه الرُّوحَ مِن غير واسطة أب؛ كما قال في آدم: وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُوحِي قاله الحَربِيُّ.

و(قوله: أَدخَلَهُ اللهُ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ) ظاهر هذا يقتضي أنَّ قولَ هذه الكلماتِ يقتضي دخولَ الجنَّة، والتخييرَ في أبوابها، وذلك بخلافِ ما ظَهَر من حديث أبي هريرة الآتي في كتاب الزكاة؛ فإنَّ فيه ما يقتضي أنَّ كلَّ مَن كان مِن أهل الجنَّة إنما يدخُلُ من الباب المعيَّن للعمل الذي كان يعمله غالبًا الداخُل؛ فإنَّه قال فيه: فَمَن كَانَ مِن أهل الصَّلَاةِ، دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَن كَانَ مِن أهل الصِّيَامِ، دُعِيَ مِن بَابِ الصِّيَامِ، وَهَكَذَا الجِهَادُ (1).

والتوفيقُ بين الظاهرَين: أنَّ كُلَّ مَن يدخلُ الجَنَّةَ مخيَّرٌ في الدخول من أيِّ بابٍ شاء، غيرَ أنَّهُ إذا عُرِضَ عليه الأفضلُ في حقِّه، دخَلَ منه مختارًا للدخولِ منه مِن غير جَبرٍ عليه، ولا مَنعٍ له مِنَ الدخولِ من غيره؛ ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه: مَا عَلَى مَن يُدعَى مِن تِلكَ الأَبوابِ مِن ضُرُورَةٍ، والله أعلم.

و(قوله: عَلَى مَا كَانَ مِن عَمَلٍ) أي: يدخُله الجنَّةَ ولا بُدَّ، سواء كان عملُهُ صالحًا أو سيِّئًا، وذلك بأن يَغفِرَ له السَّيِّئ؛ بسبب هذه الأقوال، أو يُربِيَ ثوابَهَا على ذلك العمل السيِّئ. وكُلُّ ذلك يحصُلُ إن شاء الله لمن مات على تلك الأقوال، إمَّا مع السلامة المُطلَقَةِ، وإمَّا بعد المؤاخَذَة بالكبائِرِ على ما قرَّرناه آنفًا.

(1) رواه البخاري (1897)، ومسلم (1027) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 201