الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ
[37]
عَن أَبِي هُرَيرَة، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ.
رواه أحمد (2/ 373)، ومسلم (46).
ــ
(16)
وَمِن بَابِ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ
(قوله: لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) الجارُ هنا: يصلُحُ للمجاوِرِ لك في مسكنك، ويصلُحُ للداخل في جوارك وحُرمتك؛ إذ كلُّ واحد منهما يجبُ الوفاءُ بحقه، وتحرمُ أَذِيَّتُهُ تحريمًا أشدَّ من تحريم أذى المسلمين مطلقًا.
فمَن كان مع هذا التأكيد الشديد مُضِرًّا لجاره، كاشفًا لعوراته، حريصًا على إنزالِ البوائِقِ به؛ كان ذلك منه دليلاً؛ إمَّا على فسادِ اعتقادٍ ونفاق، فيكونُ كافرًا، ولا شك في أنه لا يدخُلُ الجنة.
وإمَّا على استهانةٍ بما عظَّم اللهُ تعالى مِن حرمةِ الجار، ومِن تأكيدِ عهدِ الجوار، فيكونُ فاسقًا فِسقًا عظيمًا، ومرتكبَ كبيرةٍ، يُخَافُ عليه من الإصرار عليها أن يُختَمَ عليه بالكفر؛ فإنَّ المعاصيَ بريدُ الكُفر، فيكونُ من الصِّنفِ الأول، وإن سَلِمَ من ذلك، ومات غيرَ تائب، فأمرُهُ إلى الله تعالى، فإن عَاقَبَهُ بدخول النار، لم يدخُلِ الجَنَّةَ حين يدخلُهَا مَن لم يكن كذلك، أو لا يدخُلُ الجنَّةَ المعدَّةَ لمن قام بحقوق جاره. وعلى هذا القانون ينبغي أن يحمَلَ ما في هذا الباب مما قالَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ فاعله لا يدخُلُ الجنّة، مما ليس بشركٍ؛ للأدلَّةِ المتقدِّمة، ولِمَا يأتي في أحاديث الشفاعة.
والبوائق: جمعُ بائقة، وهي الداهيةُ التي تُوبِقُ صاحبها؛ أي: تهلِكه، وقد تقدَّم ذكرها.
[38]
وَعَنهُ، عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيرًا أو لِيَصمُت، وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليُكرِم جَارَهُ، وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليُكرِم ضَيفَهُ.
ــ
و(قوله: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَليَقُل خَيرًا أو لِيَصمُت)
…
الحديثَ. يعني: مَن كان يؤمنُ بالله الإيمانَ الكامل، المُنجِيَ مِن عذاب الله، المُوصِلَ إلى رضوان الله؛ لأنَّ مَن آمَنَ بالله حَقَّ إيمانه، خاف وعيدَه ورجا ثوابَه، ومَن آمنَ باليومِ الآخر، استعدَّ له، واجتهَدَ في فعل ما يدفَعُ به أهوالَهُ ومكارهه، فيأتمرُ بما أُمِرَ به، وينتهي عما نُهِيَ عنه، ويتقرَّبُ إلى الله تعالى بفعلِ ما يقرِّبُ إليه، ويعلمُ أَنَّ مِن أهمِّ ما عليه ضَبطَ جوارحه التي هي رعاياه، وهو مسؤولٌ عنها جارحةً جارحةً؛ كما قال تعالى: إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسئُولًا و: مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ إِلَّا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، وأنَّ مِن أكثرِ المعاصي عددًا، وأيسرها فعلاً: معاصيَ اللسان، وقد استقرَأَ المحاسِبُونَ لأنفسهم آفاتِ اللسان، فوجدوها تُنَيِّفُ على العشرين. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا جملةً؛ فقال: وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِم فِي النَّارِ إِلَاّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِم (1).
وقال: كُلُّ كَلَامِ ابنِ آدَمَ عَلَيهِ، إِلَاّ ذِكرُ اللهِ تَعَالَى، أو أَمرٌ بِمَعرُوفٍ، أو نَهيٌ عَن مُنكَرٍ (2).
وقال: إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللهِ مَا يُلقِي لَهَا بَالاً، يَهوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبعِينَ خَرِيفًا (3). فَمَن علم ذلك، وآمَنَ به حقَّ إيمانه، اتَّقَى اللهَ في لسانه، فيتكلَّمَ إذا غنم، ويسَكَتَ إذا سلَمَ.
و(قوله: وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليُكرِم ضَيفَهُ) الضَّيفُ: هو
(1) رواه أحمد (5/ 231، 237)، والترمذي (2616)، وابن ماجه (3973).
(2)
رواه الترمذي (2414)، وابن ماجه (3974).
(3)
رواه الترمذي (2315).
وَفِي أُخرَى: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلَا يُؤذِ جَارَهُ.
رواه أحمد (2/ 267 و 269 و 433 و 463)، والبخاري (6018)، ومسلم (47)، وأبو داود (5154)، وابن ماجه (3971).
* * *
ــ
القادمُ على القومِ النازلُ بهم، ويقال: ضَيفٌ، على الواحد والجمع، ويجمع أيضًا على: أضياف، وضُيُوف، وضِيفَان، والمرأة ضَيفٌ، وضَيفَةٌ، وأَضَفتُ الرَّجُلَ وضَيَّفتُهُ: إذا أنزلتَهُ بك ضَيفًا، وضِفتُ الرجلَ ضِيَافةً: إذا نَزَلتَ عليه، وكذلك تَضَيَّفتُهُ.
والضيافةُ: مِن مكارم الأخلاقِ، ومن مَحَاسِنِ الدين، ومِن خُلُق النبيِّين، وليست بواجبةٍ عند عامَّةِ أهل العلم خلا اللَّيث؛ فإنه أوجبها ليلةً واحدة؛ محتجًّا بقوله عليه الصلاة والسلام: لَيلَة الضَّيفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ (1)، وبقوله: إِن نَزَلتُم بِقَومٍ فَأَمَرُوا لَكُم بِحَقِّ الضَّيفِ فَاقبَلُوهُ، وإِن لَم يَفعَلُوا، فَخُذُوا مِنهُم حَقَّ الضَّيفِ الَّذِي يَنبَغِي لَهُ (2).
وحُجَّةُ الجمهور: قوله عليه الصلاة والسلام: جَائِزَتُهُ يَومٌ وَلَيلَةٌ (3)، والجائزةُ: العطيَّةُ والصلةُ التي أصلُهَا على الندب، وقلَّما يستعملُ مثلُ هذا اللفظ في الواجب.
وتأويل الجمهورُ أحاديثَ الليث بأنَّ ذلك كان في أولِ الإسلام؛ إذ كانت المواساةُ واجبة، أو كان هذا للمجاهدين في أوَّلِ الإسلام؛ لقلَّة الأزواد، أو المرادُ به: مَن لزمته الضيافةُ من أهل الذمَّة. ثُمَّ اختلفوا فيمن يخاطَبُ بالضيافة: فذهب الشافعيُّ، ومحمد بنُ عبد الحكم: إلى أن المخاطَبَ بها أهلُ الحضر والبادية. وقال مالكٌ وسُحنون: إنما ذلك على أهلِ البوادي؛ لتعذُّرِ ما يحتاجُ إليه
(1) رواه أبو داود (3751) من حديث المقدام بن معديكرب رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (2461)، ومسلم (1727)، وأبو داود (3752)، والترمذي (1589) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(3)
رواه البخاري (6019)، ومسلم (48).