الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب ما جاء في البول قائمًا
[205]
عَن أَبِي وَائِلٍ؛ قَالَ: كَانَ أبو مُوسَى يُشَدِّدُ فِي البَولِ، وَيَبُولُ فِي قَارُورَةٍ، وَيَقُولُ: إِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ كَانواَ إِذَا أَصَابَ جِلدَ أَحَدِهِم بَولٌ قَرَضَهُ بِالمَقَارِيضِ. فَقَالَ حُذَيفَةُ: لَوَدِدتُ أَنَّ صَاحِبَكُم لا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشدِيدَ، فَلَقَد رَأَيتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَة قَومٍ خَلفَ
ــ
(11)
ومن باب ما جاء في البول قائمًا
(قول أبي موسى: إن بني إسرائيل كانوا إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه) يعني الجلود التي كانوا يلبسونها، وقد سمعت بعض أشياخي من يحمل هذا على ظاهره، ويقول: إن هذا كان من الإصر الذي حُمّلوُه، والله تعالى أعلم.
وقرضه: قطعه. والسباطة: المزبلة. وقول حذيفة: فانتبذت منه أي: صرت منه بعيدًا.
واختلف العلماء في البول قائمًا؛ فمنعه قوم مطلقًا، منهم عائشة وابن مسعود. وقد ردّ سعد بن إبراهيم شهادة من بال قائمًا؛ متمسكين في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لعمر وقد رآه يبول قائمًا: يا عمر! لا تَبُل قائمًا، قال: فما بلت قائمًا بعد (1)، وبقول عائشة: من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، وما كان يبول إلا قاعدًا (2).
وذهب الجمهور إلى جواز ذلك؛ إذا أمن مما يؤدي إليه: من تطاير البول، وانكشاف العورة؛ مستدلين بحديث حذيفة هذا، منفصلين عن حديث عمر، فإن في إسناده عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف، وعلى تقدير تسليم صحته فكأن ذلك لما يؤدي إليه من التطاير
(1) رواه الترمذي (12).
(2)
رواه الترمذي (12)، والنسائي (1/ 26).
حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُم، فَبَالَ، فَانتَبَذتُ مِنهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئتُ، فَقُمتُ عِندَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ.
زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيهِ.
رواه البخاري (226)، ومسلم (273)، وأبو داود (23)، والترمذي (13)، والنسائي (1/ 35).
* * *
ــ
والانكشاف، وعن حديث عائشة: فإنها أخبرت عما أدركته من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك في أن بوله قاعدًا كان أكثر أحواله، ولا يلزم من قولها تكذيب حذيفة؛ إذ هو العَالِم العَلمُ المرجوعُ إليه في قبول الأحاديث بإجماع الصحابة. وقد انفصل المانعون عن حديث حذيفة: باحتمال أن يكون فعله لجرحٍ بمأبضيه (1)، أو لنجاسة السُّباطة، فلم يمكنه القعود فيها، أو لأنه كان بين الناس ولم يمكنه التباعد؛ لأن البول حَفَزهُ؟ فبال قائمًا؛ لئلا يخرج منه حدثٌ، كما قد جاء عنه أنه قال للذي كان معه: تنح عني، فإن كل بائلة تُفيخ (2).
والجواب: أن هذه الأوجه وإن كانت محتملة، إلا أن حذيفة كان شاهدًا لحالته كلها، واستدل بهذا الفعل على جواز البول قائمًا، وعلى ترك التعمق في التحرز من النجاسة، فلو كان هناك شك من تلك الاحتمالات لما استدل به، ولنقل ذلك المعنى، والله أعلم.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يتوار على خلاف عادته؛ لأن البول حفزه، والله أعلم. ومع ذلك فارتاد لبوله السُّباطة خلف الحائط، ويقال: إنه استقبل الجدار، واستتر من المارين خلفه بحذيفة، ولذلك دعاه فقام عند عقبه حتى فرغ، والله تعالى أعلم.
(1)"المأبِض": باطن الركبة.
(2)
في حاشية (ل): ذكره ابن الأثير في "النهاية" له في مادة الباء، وعزاه إلى أبي موسى الأصبهاني. انظر: النهاية (1/ 163) وفيه: يعني أنَّ مَن يبول يخرج منه الريح.